“كيف يستطيع كل بلد عربي مشدود إلى مستعمر أن يضع يده في يد زميله؟”، هذا ما قاله سعد زغلول رئيس وزراء مصر، خلال اجتماع لمجلس الأمة سنة 1924، فالدول العربية حسب رأيه، وجب عليها أن تنظر أمامها لا أن تلتفت خلفها أو أن تربي بفكرها هذا الضغينة والعداء في أنفس الأجيال القادمة.
تصارع في الآراء واختلاف وخلاف بخصوص اللاشيء هو ما نراه الآن في الوطن العربي الذي قاسى أبناؤه الويلات في سوريا والعراق “الموصل” وفلسطين “غزة” واليمن والسودان حتى الأحواز، وغيرها من المناطق العربية والمغاربية، بسبب انعدام التوافق.
وعين العقل أن تعيد الدول العربية النظر في أهدافها وأصل وجودها وكيفية تسييرها لشؤونها الداخلية والخارجية، وأن تشرك الدول جاراتها وتحقق مبدأ التكامل الاقتصادي فيما بينها، بدل القبض على جمر خسيس يبطل إيجابية الاستفادة المتبادل، فحضارة العرب تنبعث من مستواهم المعيشي، ولتحسينه لا بد من توافر التناسق والانسجام في أثناء النهوض بالأوضاع العامة اجتماعية كانت أو اقتصادية.
عين على التكامل
تعبر ظاهرة التكامل الاقتصادي بين الدول المختلفة عن “التدويل المطرد” للحياة الاقتصادية، وتشير أيضًا إلى تخطي الحدود القومية من أجل تنمية القوى المجالية والإنتاجية، ونرى حاليًّا أن اختلاف المصالح باعد كثيرًا بين الدول العربية، ودعا إلى تنازعها مع تركيا وإيران في منطقة الشرق الأوسط مع العلم أنها بلدان إسلامية، لهذا تبقى صورة البلدان العربية مهترئة دائمًا أمام نظيرتها الغربية، بسبب كثرة الخلافات.
حضيت قطر بتحقيق مبدأ التكامل الاقتصادي وتجاوز أزمة “الحصار” مع بلدان صديقة منها المغرب وتركيا، لتنجح بذلك في ربح علاقة شرق أوسطية ومتوسطية
فدولة قطر على سبيل المثال، رغم الخصامات القائمة بينها وبين المملكة العربية السعودية والإمارت المتحدة، استطاعت أن توفر لنفسها قاعدة اقتصادية دولية ضمنت لها تنمية قواها الإنتاجية، واعتمدت على قوة تخطيط إستراتيجي بعيد المدى خول لها حل جل المشاكل التي يمكن أن تتعرض لها مستقبلاً.
وحضيت قطر بتحقيق مبدأ التكامل الاقتصادي وتجاوز أزمة “الحصار” مع بلدان صديقة منها المغرب وتركيا، لتنجح بذلك في ربح علاقة شرق أوسطية ومتوسطية، لتكون بهذه الخطوة قد تغلبت على ضغط القوى العربية الأخرى عليها.
لو أبيح التكامل
تتعرض الدول العربية حاليًّا إلى ضغوط مكثفة ومتصاعدة لتعيد إدماج اقتصاداتها في إطار “الاقتصاد الرأسمالي العالمي”، ولإسقاط جميع الحواجز التي تحول دون تحقيق هذا الهدف، فالعالم العربي ينقسم إلى منطقتين كبيرتين: الأولى “فلاحية” والثانية “بترولية”، وكثافة السكان في المنطقة الأولى أكبر من الثانية وتختلفان على التوالي من ناحية الدخل الفردي.
فلو أبيح التكامل الاقتصادي والهجرة المجالية بين الدول العربية لتمكن العرب من:
- إنتاج أكبر كم من المواد الغذائية الكافي لسد احتياجات أي فرد.
- تحقيق فيض اقتصادي سيخول لهم تصدير المنتجات الغذائية للدول الأوروبية.
- زيادة مدخول البترول والفوسفات، فلو تعاونت الدول المصدرة للنفط “أوبك” لأنشأت أكبر أسطول من ناقلات البترول، وأنشأت مصانع كيماويات بترولية كثيرة.
- حل مشكلة فلسطين، باتحادهم وتكوين أكبر جيش يملك أكبر قدر من السلاح في الشرق الأوسط يرهب أعداءهم وينفع أصدقاءهم.
- حل الأزمات الخانقة في مختلف المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية وحتى الدولية.
- حقيق عيش كريم لكل المواطنين بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
التعريفة الجمركية والتكامل الاقتصادي
يشكو العديد من المواطنين في البلدان العربية من ارتفاع التسعيرة الجمركية، في حين نجد أن البلدان الغربية تجاوزت احتكار القيمة الجمركية للسلع والمبادلات التجارية بصفة عامة، إذ عملت على إزالة التعريفات الجمركية وحصص الصادرات والواردات بين الدول الأعضاء، وأقامت تعريفة جمركية موحدة مع الدول الأخرى غير المنضمة للسوق، مع إلغاء كل القيود والحواجز التي تحد من حرية انتقال الأفراد والخدمات ورؤوس الأموال داخل الحدود المنظمة.
يشكو العديد من المواطنين في البلدان العربية من ارتفاع التسعيرة الجمركية، في حين نجد أن البلدان الغربية تجاوزت احتكار القيمة الجمركية للسلع والمبادلات التجارية بصفة عامة
وأنشأت الدول الأوروبية كذلك صندوقًا أوروبيًا للخدمة الاجتماعية يهدف إلى تعليم العمال العاطلين عن العمل وتمكينهم من رفع مستواهم المعيشي، إضافة إلى إنشاء بنك للاستثمارات الأوروبية لتسهيل التوسع الاقتصادي وتحقيق التكامل في ظل سياسة جمركية ناجحة وسليمة.
ما علاقة عملية السلام في الشرق الأوسط بنجاح التكامل الاقتصادي العربي؟
تشكل عملية السلام في الشرق الأوسط فاتحة جيدة لتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدان، ذلك أن النمو الاقتصادي هو الشرط الضروري للتطور الاجتماعي والاستقرار، وعلى جهات الأعمال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشجيع الحكومات والأنظمة السياسية على المضي شوطًا أبعد في طريق المصالحة، وذلك بتمهيد الطريق لاعتماد التبادل الإقليمي وانفتاح الأسواق.
يجب ألا تؤجل العلاقات الاقتصادية أو ترتبط بعملية السلام، إذ في الإمكان الشروع في تعاون اقتصادي لامتصاص المعارضة السياسية
أجاب الباحث الاقتصادي سمير زبن في دراسة له عن “الشرق أوسطية” عن السؤال السالف الذكر قائلاً: “فكرة الشرق أوسطية تعتمد على أن التعاون الاقتصادي وانفتاح الأسواق بين دول المنطقة بما فيها “إسرائيل” سيخلق مصالح مشتركة تخدم السلام وتعمل على عدم تجدد الصراع، إضافة إلى مساهمتها في حل التناقضات بين الأطراف، وهي عملية تدار من خارج المنطقة عبر المنتدى الاقتصادي العالمي في “دافوس” ومجلس العلاقات الخارجية الأمريكية في نيويورك”.
وهذه الأطراف تسعى إلى فك العلاقة بين بناء السوق الإقليمية وعملية السلام، لأن السوق الإقليمية المشتركة يجب أن تعكس توجهات جديدة في المنطقة بحيث يسود النمط الحضاري الغربي الذي أصبحت السوق بمقتضاه أكثر أهمية من الدول المنفردة، وأصبح الجو التنافسي أهم من وضع الحواجز على الطريق.
لهذا يجب ألا تؤجل العلاقات الاقتصادية أو ترتبط بعملية السلام، إذ في الإمكان الشروع في تعاون اقتصادي لامتصاص المعارظة السياسية، وفي الإمكان أن تسوق العلاقات الاقتصادية العلاقات الدبلوماسية، وإذا استمر النظام الاقتصادي العربي على أدائه الحاليّ سوف يضع العرب في خدمة الآخرين، مستجيبين للشروط التي تملى عليهم فقط ولن يتمكنوا إطلاقًا من تحقيق التكامل في الأصعدة كافة.