موجة جديدة من العنف، قسوة ودموية يعبر بها البشر عن فشلهم في التعايش واحترام قدسية حياة الإنسان، وهذه المرة في كنائس وفنادق سريلانكا، مع الساعات الأولى لعيد الفصح، وأسفرت التفجيرات عن عن مقتل أكثر من 150 شخصًا وإصابة المئات، والأعداد في ضحايات القتل والإصابات مرشحة للتزايد خلال الساعات القادمةـ وحتى لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجمات، ولكن وكالة وكالة أسوشيتيد برس أن اثنين من الانفجارات يشتبه في أنهما كانا من عمل الانتحاريين.
حتى الآن ، تم الإبلاغ عن ثمانية انفجارات، ثلاثة في الخدمات الكنسية، وثلاثة في الفنادق، وواحد خارج حديقة للحيوانات جنوب العاصمة كولومبو ، وآخر في ضواحي المدينة، بحسب تصريحات مسولي الحكومة، وتم اعتقال سبعة أشخاص في موجة عنف يراها المسئولين محاولة لجلب سريلانكا مرة أخرى إلى الأيام المظلمة للحرب الأهلية، ورغبة شيطانية لإحداث توترات عرقية ودينية لجر البلاد إلى الوراء، بعد أن تعافت نسبيا من حرب طويلة التي دمرت نسيج الأمة لما يقرب من 30 سنة”.
كانت الفاجعة الأكبر في كنيسة القديس سيباستيان بكاتوبيتيا شمالي العاصمة كولومبو ، وقتل فيها أكثر من 50 شخصًا، مع تفجير جزء كبير من سقف الكنيسة بالانفجار، وبدا واضحا أن بلاط السقف والخشب اختلط ببرك من دماء المصلين، ومع حلول الكارثة، تبين من انفجارات أخرى، أن معظم الأهداف كانت إما داخل أو بالقرب من العاصمة كولومبو، وخاصة فندق جراند سينامون، وهو أحد أفخم فنادق وسط المدينة، ويستهدفه دائما كبار السياسيين، لذا دعا رئيس أساقفة كولومبو، مالكولم رانجيث، الجمهور إلى التجمع لدعم الضحايا، وفقًا لوسائل الإعلام المحلية، وطلب من جميع الأطباء الإبلاغ عن العمل رغم العطلة للتبرع بالدم.
إدانه عالمية
في الوقت الذي عقدت فيه أعلى سلطات في البلاد اجتماعًا طارئًا شارك فيه وزراء الدفاع والشؤون الخارجية، إلى جانب قادة الجيش والقوات الجوية والبحرية، هرع قادة وزعماء حول العالم لإدانة الهجمات، ووصفت رئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي الانفجارات بأنها «مروعة» فيما قال جوستين ويلبي، رئيس أساقفة كانتربري، إن المتضررين سيكونون في صلاة الملايين الذين يصادفون عيد الفصح يوم الأحد حول العالم، للوقوف مع شعب سريلانكا في الصلاة والتعازي والتضامن، رفضا لكل أشكال العنف والكراهية والانقسام.
تعد الهجمات الحالية، هي الأخطر في تاريخ الجزيرة الصغيرة منذ انتهاء الحرب الأهلية الدامية، التي لم تغلق ملف الضغوط على المسيحين، وتقليص خدماتهم
إسلاميا، كانت تركيا في صدارة المنددين بالحادث، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن الهجمات الإرهابية في سريلانكا، أظهرت مرة أخرى ضرورة المكافحة الحازمة للإرهاب بكل أنواعه، ولفت في بيان له أذاعه وكالة الاناضول الرسمية، أنه تلقى بحزن عميق، نبأ مقتل وإصابة عدد كبير من الأشخاص في الهجمات الإرهابية التي وقعت خلال إقامة قداسات عيد الفصح، وأعرب عن شجبه وإدانته بأشد العبارات هذه الهجمات المنافية للإنسانية، والتي طالت دور عبادة، معبرا عن تضامن تركيا مع سريلانكا في مواجهة الإرهاب، «العدو المشترك للإنسانية والسلام العالمي»، بحسب وصفه.
الأسوأ في البلاد
تعد الهجمات الحالية، هي الأخطر في تاريخ الجزيرة الصغيرة منذ انتهاء الحرب الأهلية الدامية، التي لم تغلق ملف الضغوط على المسيحين، وتقليص خدماتهم، لدرجة أن الكثير من تجمعاتهم تعتبر غير قانونية، وفقًا لجمعية Open Doors الخيرية، وهي شبكة دعم مسيحية عالمية، التي تضع سريلانكا في المرتبة 46 من بين 50 دولة يواجه فيها المسيحيون أكثر حالات الاضطهاد قسوة، فيما يجتمع رئيس الوزراء رانيل ويكرمسينغه، مع كبار المسؤولين العسكريين، بعد أن عقدوا اجتماعًا طارئا لمجلس الأمن القومي، واتخذوا عدة قرارات فورية، على رأسها حجب مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد، لمنع البلبلة وإثارة الفوضى.
ترى معظم التحليلات ان ما يحدث، لن يخرج عن ارتدادات عكسية، لما بقى في النفوس، بعد انتهاء الحرب الأهلية في سريلانكا، التي استمرت قرابة ثلاثة عقود
من بين إجمالي سكان سريلانكا البالغ عددهم حوالي 22 مليون نسمة، 70٪ منهم من البوذيين ، و 12.6٪ من الهندوس، و 9.7٪ من المسلمين، و 7.6٪ من المسيحيين، وفقًا لتعداد عام 2012، وهي آخر تعدادات موثقة حتى الآن، ورغم بعض مظاهر الحداثة في البلاد، إلا أنها تعيش توتر طائفي متزايد، ووفقا للعديد من المنظامات الحقوقية المسيحية المحلية، وشهد العام الماضي وحده، حوالي 86 حادثًا ما بين تمييز وتهديد وعنف ضد المسيحيين، نهاية بالعام الحالي، الذي سجل فيه التحالف المسيحي الإنجيلي الوطني، محاولة رهبان بوذيون تعطيل خدمة العبادة يوم 25 مارس الماضي .
انعكاسات الحرب الأهلية
ترى معظم التحليلات ان ما يحدث، لن يخرج عن ارتدادات عكسية، لما بقى في النفوس، بعد انتهاء الحرب الأهلية في سريلانكا، التي استمرت قرابة ثلاثة عقود، وهي واحد من أطول الحروب الأهلية في آسيا، بين جبهة نمور تحرير تاميل إيلام المعروفة أكثر باسم نمور التاميل، والتي طالبت بدولة مستقلة لأقلية التاميل في الجزيرة، وبين الحكومة التي شنت على الطائفة هجوما عسكريا عنيفا، حتى مايو 2009، وقالت الحكومة أنذاك أنها هزمت الجماعة الانفصالية وقتلت زعيمها Vellupillai Prabhakaran.
انتهى الصراع العرقي في البلاد بين الأغلبية السنهالية والأقلية التاميلية التي يصنفها الاتحاد الأوروبي وكندا إلى الولايات المتحدة والهند وأستراليا منظمة إرهابية، بقتل ما يقرب من سبعين ألفًا من أبناء البلاد اتهمت على أثره جمعيات حقوق الإنسان العالمية، كلا من جبهة نمور تحرير تاميل إيلام والجيش السريلانكي بانتهاكات حقوق الإنسان ، بما في ذلك الاختطاف والابتزاز واستخدام الجنود الأطفال، وخاصة جبهة نمور تحرير تاميل، التي اشتهرت بالتفجيرات الانتحارية، وتجنيد الأطفال كجنود، وتحدي القوات السريلانكية، ما ساهم في تصنيفها إرهابية من الخارجية الأمريكية منذ مطلع عام 1997.
المشكلة الأكبر من هذه الصراعات، في عدم في دمج الأقلية التاميلية في الجزيرة، التي لا تبحث عن الاستقلال، حتى لو هُزمت جبهة نمور تحرير تاميل، خاصة أن الحكومة لا تتعامل معها بشكل عادل
في عام 2002، حاولت النرويج حل الأزمة، وتوصلت لاتفاق لوقف إطلاق النار بين جبهة نمور تحرير تاميل إيلام، والحكومة السريلانكية، ولكن سريعا انهارت محادثات السلام في العام التالي، بسبب الدمار الذي خلفته كارثة تسونامي عام 2004، وتسببت في وفاة ثلاثين ألف شخص في الجزيرة، واغتيال وزير خارجية سريلانكا، لاكشمان كاديرجامار، ما جدد الصراع مرة أخرى، وانسحبت الحكومة السريلانكية رسميًا من المحادثات، وتولى الجيش المهمة، وحاول اجتثاث جبهة النمور، واستمر الصراع من جديد حتى عام 2009، وزعمت الحكومة أنها هزمت المتمردين وحررت البلاد.
المشكلة الأكبر من هذه الصراعات، في عدم في دمج الأقلية التاميلية في الجزيرة، التي لا تبحث عن الاستقلال، حتى لو هُزمت جبهة نمور تحرير تاميل، خاصة أن الحكومة لا تتعامل معها بشكل عادل، أو تتخذ خطوات جادة لإدماجهم بشكل أكثر فعالية في نسيج الأمة، بحسب أهيلان كاديرجامار ، المتحدثة باسم منتدى سريلانكا للديمقراطية، وهي مجموعة مستقلة من الناشطين الذين يعملون من أجل تعزيز الديمقراطية.
وترى المجموعة أن الحكومة لم تبد اهتماماً كافياً بالانتقال إلى العملية السياسي، ومعظم سياسات البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية كانت تدور حول جبهة نمور تحرير تاميل إيلام، ولم تحاول الحكومات المتعاقبة إلا القضاء على النمور أو التفاوض معهم من أجل كسب الوقت فقط، ما عطل الحديث حول قضايا العدالة الاقتصادية والجنس والطائفة وحقوق العمل وإرساء الديمقراطية، وهذه الطريقة في التعريض بالحقوق جعل حلم إقامة وطن تاميل المستقل في سريلانكا، فكرة يتردد صداها بقوة داخل نفوس جميع أبنائها، خاصة أن بعد مقتل عشرات الآلاف من المدنيين في صراع مرير على مدار العقود الماضية، يراقب فيه أفراد العائلات ضحاياهم من بعيد، ما يجعل الجيل القادم، مشبع بالإرهاب والرغبة في الانتقام من الجميع.