ترجمة وتحرير: نون بوست
تختلف جمهورية الشيشان عن بقية الجمهوريات ذات الحكم الذاتي التابعة لروسيا، ولا يعزى هذا الاختلاف إلى سياستها الداخلية أو الإقليمية تجاه دول القوقاز، وإنما لاضطلاعها بدور بالغ الأهمية في العلاقات مع دول الشرق الأوسط.
لقد وقّعت جمهورية الشيشان العديد من الاتفاقيات في المجالات الأمنية والعسكرية مع دول الخليج، ونظّمت مؤتمرات دولية حول الأديان، ولعبت دور الوسيط في الكثير من الأزمات، ونظّمت مسيرات مليونيّة لمناهضة “الإسلاموفوبيا” المتصاعدة في أوروبا، إلى جانب تقديم المساعدات للكثير من الدول الإسلامية. وكل ما تفعله الشيشان يكون تحت أنظار روسيا وتحديدًا رئيسها فلاديمير بوتين، حيث تسير وفق استراتيجياته لتتحول بذلك إلى شريك أساسي في تحقيق مصالح روسيا، خصوصًا في الشرق الأوسط.
لهذا السبب، أصبح رمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان الذي يعد من بين أكثر الشخصيات التي يثق بها بوتين، من قادة شمال القوقاز. وقد منحت هذه الثقة قديروف القدرة على إجراء زيارات للعديد من دول الشرق الأوسط وبناء علاقات مع مسؤوليها، وإنشاء صداقات شخصية معهم، لعل أبرزها علاقته الوطيدة بالحاكم الفعلي للإمارات، ولي عهد أبوظبي الأمير محمد بن زايد آل نهيان، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. كما تجمع بين قديروف وقادة قطر والبحرين والأردن علاقات طيبة، تزداد عمقًا مع مرور الوقت.
يعود تاريخ العلاقات الجيدة لرمضان قديروف مع الدول العربية إلى فترة حكم والده أحمد قديروف، الذي اختار الأردن من أجل دراسة العلوم الإسلامية في عهد الاتحاد السوفيتي (1990-1991)
أصبحت روسيا ترى قديروف وسيطًا لها في معاملاتها وعلاقاتها مع العالم الإسلامي، الذي يكن العداء لروسيا منذ احتلال أفغانستان سنة 1979، واندلاع حربي الشيشان في تسعينيات القرن الماضي، وتقديم دعمها لنظام الأسد وإيران مع بدء الأحداث في سوريا سنة 2011. وبناء على ذلك، كان لا بد لروسيا أن تسخّر قديروف لخدمة سياستها الخارجية، لتحقيق مصالحها بعيدة المدى مع دول العالم الإسلامي.
يعود تاريخ العلاقات الجيدة لرمضان قديروف مع الدول العربية إلى فترة حكم والده أحمد قديروف، الذي اختار الأردن من أجل دراسة العلوم الإسلامية في عهد الاتحاد السوفيتي (1990-1991)، وربما منذ تلك اللحظة بدأت علاقاته بالنمو. وقد أصبح أحمد قديروف مفتي الشيشان في فترة ما بعد الحرب الأولى بين الشيشان وروسيا، وكان زياد سبسبي مستشاره للشؤون الخارجية الذي أصبح في عهد رمضان قديروف من أبرز الأسماء في السلك الدبلوماسي، فضلًا عن أنه الممثل الرسمي لرمضان قديروف في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتعتبر الشيشان الجمهورية الوحيدة التي يتواجد بها هذا المنصب من بين جمهوريات الحُكم الذاتي التابعة لروسيا.
تقلّد رمضان قديروف رئاسة جمهورية الشيشان سنة 2007، ومنذ اليوم الأول لتسلّمه إدارة البلاد، اتخذ خطوات هامة على الصعيد الخارجي مكّنته من احتلال مكانة مختلفة عن بقية مسؤولي مناطق الحُكم الذاتي التابعة لروسيا، الذين بالكاد يستطيعون الاجتماع مع مستثمرين أجانب ومع نظرائهم من بقية الدول، بينما تحظى زيارات قديروف الخارجية باجتماعات تعقد مع أرفع المستويات السياسية.
تشير الكثير من الآراء إلى أنّ روسيا تحتاج قديروف من أجل تلميع صورتها في العالم الإسلامي على خلفية ما قامت به من حروب في أفغانستان والشيشان وسوريا
تزامن صعود نجم قديروف السياسي مع وصول روسيا لذروة قوتها في مجال الطاقة خلال سنتي 2007-2008، وكان يتوجب على روسيا في ذلك الوقت التنسيق مع الدول العربية لتحديد أسعار النفط. ومن هنا بدأ دور قديروف كقناة تواصل مع الدول العربية ليلعب هذا الدور. وتزايد اهتمام روسيا بدول المنطقة مع انطلاق أحداث الربيع العربي واشتعال فتيل الحروب الأهلية، وقد تجسد ذلك من خلال لعب قديروف دورا هاما في حادثة إطلاق سراح البحارة الروس الذين ألقي القبض عليهم في ليبيا، مثلًا.
تشير الكثير من الآراء إلى أنّ روسيا تحتاج قديروف من أجل تلميع صورتها في العالم الإسلامي على خلفية ما قامت به من حروب في أفغانستان والشيشان وسوريا، ليصبح بذلك قديروف من أهم انعكاسات “القوة الناعمة” لروسيا. وخير مثال على ذلك ما قامت به جمعية أحمد قديروف الخيرية من توزيع للمساعدات الغذائية (120 طن) في عموم سوريا سنة 2016. كما قامت هذه الجمعية بجمع التبرعات من أجل إنشاء مستشفى خاص للاجئين السوريين، واستمرت الكثير من الحملات المماثلة من الشيشان طيلة سنة 2017. ومن جهتها، قدمت الشيشان دعما ماليا من أجل إعادة ترميم الأماكن الأثرية والتاريخية في سوريا مثل المسجد الأموي.
بدأ الإعلام في الترويج للجنود الروس الذين يؤدون الصلاة، والشعب السوري الذي يستقبل هؤلاء الجنود بحفاوة أكثر من حفاوة استقبالهم للجنود الإيرانيين. وفي الحقيقة إن هؤلاء الجنود تابعون للوحدات العسكرية الشيشانية التي أرسلتها موسكو إلى سوريا سنة 2016، حتى يسهل عليهم التواصل مع الشعب السوري.
من الأفضل دراسة علاقات قديروف مع العالم العربي على صعيدين، أولهما يتعلق بعلاقات الحكم المركزي والسياسة الخارجية (روسيا) والثاني له صلة بالإدارة المحلية في الشيشان والسياسة الداخلية
أضحت جمهورية الشيشان تحت إدارة قديروف الجمهورية الوحيدة التي نجحت في استقطاب المستثمرين الأجانب من بين جمهوريات شمال القوقاز. وتأتي مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية على رأس المستثمرين الأجانب في الشيشان، حيث افتتحت سنة 2017 فرعًا لها في مدينة غروزني عاصمة الشيشان، وقرّرت ضخ 50 مليون دولار للاستثمار في مطارها الجديد.
من الأفضل دراسة علاقات قديروف مع العالم العربي على صعيدين، أولهما يتعلق بعلاقات الحكم المركزي والسياسة الخارجية (روسيا) والثاني له صلة بالإدارة المحلية في الشيشان والسياسة الداخلية. وتعمل الحكومة المركزية في موسكو على منح الضوء الأخضر لقديروف من أجل تعزيز علاقاته الخارجية وتلميع صورة روسيا لدى الدول العربية والإسلامية. وتمثّل مجهودات قديروف الداخلية من خلال جذب الاستثمارات العربية إلى الشيشان جسر عبور بين روسيا ودول هذه المنطقة. فالعقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا تجعلها بحاجة ماسة “للمال الساخن” القادم من خارج البلاد مهما كان مصدره.
من جهة أخرى، إنّ روسيا التي تعيش أزمة اقتصادية لا تتوانى عن الإعلان عن نيّتها تقليص حجم الميزانيات المخصّصة لإدارات الحكم الذاتي التابعة لها، وهذا الأمر يُقلق بشدة الإدارة الحاكمة لجمهورية الشيشان، التي تعتمد 80 بالمئة من ميزانيتها على ما تُخصصه لها الحكومة المركزية في موسكو. وفي هذه الحالة، يبقى الحل الوحيد أمام قديروف هو جذب المستثمرين العرب لدولته.
المصدر: مركز هيئة الإغاثة الإنسانية للبحوث الإنسانية والاجتماعية (إنسامر)