ادعى العالم في سنة 1948 وهو يعلن قيام “دولة إسرائيل” أنه يعالج نتائج نكبات الشعب اليهودي حول العالم وأنه يريد أن يجمع يهود العالم المنتشرين في كل أنحاء العالم داخل دولة واحدة بجنسية واحدة وعلم واحد وبالقرب من القدس التي يدعي اليهود أن هيكلاً دفن تحت مسجده المبارك.
ولكن عمليًا، رضخ العالم أجمع لعصابات الهاغانا الصهيونية، وتشارك معها في جرائم ضد الإنسانية هدفت إلى إخلاء الأراضي الفلسطينية من سكانها من غير اليهود، وأدت إلى تشتيت شعب كامل لا يزال إلى اليوم يحتفظ بكل ما يلزمه قانونيًا وأخلاقيًا لإثبات أن تلك الأرض التي وهبتها القوى الدولية لعصابات الهاغانا كانت ولازالت أراض فلسطينية.
واليوم، يقدر العدد الكلي لفلسطينيي العالم بما بين 9 إلى 11 مليون، حوالي نصفهم تطلق عليهم تسمية “فلسطيني الشتات” ويقيمون خارج بلادهم، منهم ثلاثة ملايين مقيمون في الأردن وحوالي 800 ألف في سوريا ولبنان، وأكثر من نصف مليون في الأمريكيتين، وحوالي 200 ألف في المملكة السعودية والبقية موزعون بين دول عربية وغربية أخرى.
وينقسم فلسطينيو الشتات إلى قسمين، قسم يمثل الأغلبية لازال يقيم في مخيمات اللجوء التي كانت استعجالية طارئة عند فتحها وتحولت منذ عقود إلى مكان إقامة دائمة، وقسم من المهجرين الذين اضطروا في سنة 1948 وفي السنوات التي تبعت على مغادرة منازلهم وأراضيهم ويقيمون الآن في دول عربية وغربية في ظروف مختلفة.
فلسطينيو أوروبا:
في العاصمة الفرنسية باريس، يعقد فلسطينيو أوروبا منذ 12 سنة مؤتمرًا سنويًا تشارك فيه وفود ممثلة للجاليات الفلسطينية في كل دول أوروبا بهدف التأكيد على تمسك الشعب الفلسطيني بحقه في العودة إلى أرضه ووطنه فلسطين.
وخلال الأيام الماضية توافدت قوافل فلسطينيي أوروبا على باريس للمشاركة في أعمال مؤتمر فلسطينيي أوروبا السنوي تحت عنوان “فلسطين تجمعنا والعودة موعدنا” وتناول المؤتمر مواضيع عدة من بينها دور الجاليات الفلسطينية في الضغط على الحكومات الغربية لإرغام إسرائيل على الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
كما وجّه المؤتمر في بيانه الختامي رسالة إلى الدول العربية وكافة الأطراف المعنية بالشأن الفلسطيني عامة والدول المضيفة للاجئين خاصة، دعاهم من خلالها إلى إحسان معاملة الفلسطينيين لديها وتخفيف معاناتهم ورفع الجور عنهم، مطالبًا جامعة الدول العربية بالتحقّق من الالتزام ببروتوكول الدار البيضاء لسنة 1965 فيما يتعلق بمعاملة اللاجئين الفلسطينيين، بما يتماشى مع التمسّك الفلسطيني بحق العودة إلى الأرض والديار المحتلة سنة 1948، وبما يستجيب أيضًا لحقوق الإنسان وكرامته وللحقوق المدنية والاجتماعية، وفق ما جاء في البيان.
ويذكر أن الفلسطينيين بدأوا يتوافدون إلى أوروبا على نحو ضئيل في فترة الخمسينيات بُعيد النكبة واللجوء الفلسطيني ، حيث فتحت الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا أبوابها للأكاديميين ولبعض رجال الأعمال، ثم فتحت الأبواب في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين للطلاب، ثم لاحقًا وحتى الآن أصبحت الدول الأوروبية تستقبل اللاجئين لأسباب سياسية وإنسانية.
وإلى جانب قصص التهجير التي تعرضوا لها في فلسطين، يوثق الفلسطينيون قصصًا لفلسطينيين طالتهم يد الإسرائيليين في أوروبا، من بينهم الدكتور “محمود الهمشري” الممثل غير الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا، المعروف بعلاقاته الواسعة مع ممثلي الرأي العام الفرنسي وباستمالته للكثير من النخب الفرنسية لصالح القضية الفلسطينية.
ففي مطلع شهر كانون الأول من سنة 1972، وحسب الرواية الفلسطينية، ذهب محمود الهمشري لإجراء مقابلة صحفية مع شخص قدم نفسه على أنه صحفي إيطالي، غير أن التحقيقات أثبتت لاحقًا أن ذلك الشخص كان عميلاً للموساد وكانت مهمته ضمان وجود الهمشري خارج منزله لبضع ساعات حتى يتمكن عملاء آخرون من زرع قنبلة داخل بيته، وبعد يومين فقط قام الموساد بتفجير منزل الهمشري مما أدى إلى إصابته بجروح أدت إلى وفاته بعد أقل من شهر.
فلسطينيو الأمريكيتين:
تقول مراكز أبحاث فلسطينية متخصصة في شؤون المهجرين إن أول الواصلين للأمريكيتين كانوا من المسيحيين الذين هُجّروا من وطنهم في سنة النكبة وكذلك في حرب 1967، ومعظمهم في تشيلي والولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك.
والمنظر الأدبي “إدوارد سعيد” هو أحد أبرز الفلسطينيين الذين حصلوا على الجنسية الأمريكية، وقد كان أستاذًا جامعيًا للغة الإنكليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، وهو من الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الكولونيالية، كما كان مدافعًا عن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، ويصفه روبرت فيسك بأنه أكثر صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
“محمد” فلسطيني أُجبر على مغادرة بيته يوم كان سنه 18 سنة هو وعائلته، وبعد أن قضى فترة قصيرة في أحد مخيمات الضفة الغربية، تمكن من اللجوء إلى البرازيل حيث حصل هو وأبناؤه على حقوق مساوية لحقوق البرازيليين ولكنه حُرم من حقه في استرجاع أرضه في فلسطين بعد أن استغلت السلطات الإسرائيلية غيابه للاستحواذ عليها وضمها لأراض أخرى شيد فوقها مطار بنغريون الدولي.
وأما فؤاد المقيم في تشيلي، فقد كان أسوأ حظًا من محمد إذ فقد أوراق هويته الفلسطينية، ولم يحصل في المقابل على هوية البلد المستضيف، والهوية الوحيدة التي يحملها الآن هي بطاقة الأنروا. ورغم هذا فإن فؤاد معروف حاليًا كأحد أهم الدعاة الأساسيين للقضية الفلسطينية في تشيلي، ورغم مرور عقود طويلة عن آخر مرة وطأ فيها أرض فلسطين فإنه لم يفقد الأمل في أن يعود لبيته القديم في فلسطين.