يبحث النظام السوري عن مخارج تقضي على التدهور الاقتصادي في سوريا، بعد حزمات من العقوبات التي ضربت إيران، وأخرى قد تستهدف حكومته، ولم تعد إيران كما عهدها الداعم المالي والعسكري، فقد أنهكتها العقوبات الأمريكية، أما روسيا الحليف الآخر للنظام لا تستطيع تقديم المساعدة إلا بمقابل، فالحليفان ساندا بشار الأسد على مدى السنوات السابقة، وللمساندة مقابل، فقبل الوصول إلى حل ينهي الأزمة السورية، تحاول كل من طهران وموسكو الحصول على موطئ قدم في سوريا، ما بعد فترة الأزمة، وضمن هذا المحور استأجرت روسيا ميناء طرطوس لنصف قرن قابل للتجديد، وإيران تمركزت في ميناء اللاذقية.
الأسد يؤجر ميناء طرطوس لموسكو
في خطوة قريبة من مسألة بيع وشراء، يستعد الأسد لتأجير ميناء طرطوس لروسيا، لخمسة عقود قادمة، مقابل المساعدة التي قدمتها مانعة سقوطه، ويحاول الأسد إسعاف اقتصاد حكومته وربطها باتفاقيات طويلة الأمد، توضح مدى إصراره على أن سوريا ملك لآل الأسد لا أكثر بكل القضايا وبشتى السبل.
وكالة سانا الناطقة باسم النظام، ذكرت أن الرئيس السوري بشار الأسد استقبل يوري بوريسوف نائب رئيس الوزراء الروسي، ورئيس اللجنة الروسية السورية في التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني.
وبحث الأسد التعاون الروسي السوري بين البلدين، في مختلف المجالات والاتفاقيات الموقعة، خاصة في قطاعات الصناعة وزيادة التبادل التجاري، وأنشأت موسكو منذ تدخلها في سوريا شركات صناعية إضافة إلى بناء قواعد ومطارات عسكرية خاصةً بها، مقابل الدعم العسكري الذي تقدمه لنظام بشار الأسد.
وتدّعي موسكو أنها ستعمل على تجنيب النظام في سوريا من تبعات العقوبات الاقتصادية التي ضربت مناطق سيطرته، وبدأت تظهر مؤشراتها مؤخرًا في مجال الطاقة والمحروقات، إضافة إلى مساعيها في الحصول على ملف إعادة الإعمار لتشغيل شركاتها.
وقال نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، خلال مؤتمر صحفي السبت 20 من أبريل/نيسان: “ميناء طرطوس في سوريا سيتم تأجيره إلى روسيا لمدة 49 عامًا للنقل والاستخدام الاقتصادي”، وأضاف: “لقد جمعت الزيارة جميع هذه الاتفاقات وتقدمنا بشكل جيد للغاية في هذا الأمر، ونأمل أن يتم توقيع العقد خلال أسبوع، بينما سوف يبدأ تشغيل ميناء طرطوس أمام العمليات التجارية الروسية”.
تستغل روسيا النظام السوري والأزمة الاقتصادية التي ضربت مناطق سيطرته خلال الأسبوعين الماضيين، في توقيع اتفاقيات مقابل تقديم الدعم الاقتصادي له
تمتلك روسيا منذ عام 1971 قاعدة بحرية في طرطوس، وذلك بعد أن استأجرت جزءًا من ميناء المحافظة، واقتصر بداية عملها على تقديم الدعم اللوجستي للأسطول الروسي في المتوسط، وتعتبر القاعدة الوحيدة لها في المتوسط، ووقع الأسد عام 2008 على قرار يتيح للروس بناء قاعدة بحرية دائمة، فيما وقعت حكومة النظام في يناير/كانون الثاني 2017 اتفاقية تنص على توسيع مركز الإمداد المادي والتقني التابع للأسطول البحري الروسي في طرطوس.
وبحسب الاتفاقية؛ يسمح لـ11 سفينة حربية إضافة إلى السفينة النووية في آن معًا لمدة 49 عامًا، مع إمكانية التجديد لفترات تقدر بـ25 عامًا، ولتصبح ضعف مساحتها السابقة 24 ألف هكتار إضافي، بينما تتولى روسيا حماية مركز الإمداد التابع لأسطولها في البحر والجو، فيما تتولى حكومة النظام الدفاع عن المركز برًا.
وتشكل روسيا أهم حلفاء النظام الإقليميين الذين ساهموا في بقاء سلطته إلى الآن، وتستغل روسيا النظام السوري والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب مناطق سيطرته، في توقيع اتفاقيات مقابل تقديم الدعم الاقتصادي له، ولا تستطيع روسيا تقديم الدعم للنظام السوري طالما كانت الولايات الأمريكية المتحدة رافضةً ذلك، فيما يرى مراقبون أن روسيا تحاول الالتفاف على العقوبات الأمريكية وكسر الحصار.
لم تكن زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى طهران في فبراير/شباط الماضي محض زيارة عادية، إنما كانت مبنية على عدة ملفات ستستخدمها طهران لاستغلال الأسد
ولميناء طرطوس أهمية كبيرة لوقوعه على ساحل البحر الأبيض المتوسط الشرقي، وتوقفت معظم الحركات التجارية بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا على سوريا، وأُحدثت الشركة العامة لمرفأ طرطوس بموجب الاتفاق التشريعي رقم 314 لعام 1969، ويضم ميناء طرطوس 22 رصيفًا وتبلغ مساحته ثلاثة ملايين متر مربع، بينما يتجاوز حجم البضائع الواردة إلى المرفأ 12 مليون طن سنويًا، ويقدر أنها ستبلغ نحو 25 مليون طن سنويًا بحلول 2020.
ميناء اللاذقية طموح طهران إلى مياه المتوسط
لم تكن زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى طهران في فبراير/شباط الماضي محض زيارة عادية، إنما كانت مبنية على عدة ملفات ستستخدمها طهران لاستغلال الأسد، وجعلها الحليف الأول له قبل روسيا، وضمن سعيها المستمر لتنفيذ خطتها في الوصول إلى مياه المتوسط قامت إيران ببناء قاعدة عسكرية في اللاذقية.
وكشفت صحيفة “سفابودنايا براسا” الروسية عن طموح إيران المتعلق بإنشاء قاعدة بحرية خاصة بها على سواحل البحر الأبيض المتوسط، وقالت الصحيفة في تقريرها: “إيران استأجرت ميناء اللاذقية منذ تشرين الأول، لأغراضها الخاصة”، ووقع الأسد على الاتفاقية خلال زيارة نظيره الإيراني حسن روحاني في طهران.
واعتبرت الصحيفة أن الأسد نجح في الخروج بسلاسة من تحت النفوذ والتأثير الروسي، ولم يطلب مساعدة عسكرية من روسيا، وعزت ذلك إلى شعوره في الآونة الأخيرة بثقل سياسي، لا سيما أنه استطاع التشبث بمنصبه، ولم تتمكن القوات المتحالفة ضده من الإطاحة به، نظرًا للدعم الروسي والإيراني لبقائه.
صحيفة التايمز الامريكية، ذكرت من جانبها أن الشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني بدأت بالفعل بنقل البضائع عبر الميناء، ما يشير إلى أن طهران قد تستخدمه كمعبر لنقل السلاح، ومن المتوقع أن إيران تحاول جعل الميناء مفتوحًا أمام التجارة الحرة، دون العقوبات الأمريكية.
وسعى المرشد الإيراني خامنئي إلى إلزام الأسد بمنح الشركات الإيرانية الأفضلية في مشروعات إعادة الإعمار في سوريا وبناء ضواحي سكنية، إضافة إلى منح أكثر من 5 آلاف من العناصر الأفغانية والباكستانية المنضوية في ميليشيا “زينبيون” و”فاطميون” الجنسية السورية ووضع رواتبهم ضمن ميزانية الجيش السوري، ويضاف إلى ذلك توطينهم في الأبنية السكنية الجديدة.
ستتمكن إيران من خلال حصولها على مركز ثقل في اللاذقية من الوصول إلى مياه المتوسط، وتنفيذ مخططها الذي يعرف بـ”الهلال الشيعي”
وبحثت لجنة الصداقة البرلمانية السورية الإيرانية السبت 20 من أبريل/نيسان سبل تعزيز العلاقات بين الجانبين في مختلف المجالات بما يحقق مصلحة الشعبين في البلدين الشقيقين، وتحاول كل من إيران وروسيا جر الأسد طرفهما بأي شكل في إطار الحصول على نفوذ اقتصادي في سوريا إلى جانب تشغيل شركاتهم في إعادة الإعمار المحتملة، وتأتي هذه الخطوة في اتجاه معاكس للمباحثات الروسية السورية في سوريا، لكون إيران حليفة الأسد الأبرز في ما يعرف بمحور المقاومة.
وعملت إيران على بناء شركات لتوليد الكهرباء في اللاذقية، حيث حصلت السبت 30 من مارس/آذار الماضي على مصادقة النظام للبدء في بناء شركة الكهرباء، بقيمة 400 مليون يورو بالقرب من سد 16 تشرين، ويرى مراقبون أن إيران تحاول التغلغل أكثر في سوريا رغم تعرضها للضغوط الأمريكية والعقوبات التي جعلت اقتصادها ضعيفًا جدًا، وستتمكن إيران من خلال حصولها على مركز ثقل في اللاذقية من الوصول إلى مياه المتوسط، وتنفيذ مخططها الذي يعرف بـ”الهلال الشيعي” الذي يرتبط بإنشاء سكة حديدية من طهران إلى منطقة “الشلامجة” غرب مدينة الحمرة وصولاً إلى بغداد، ثم البوكمال ودمشق، وبيروت واللاذقية، وكانت قد أعلنت عن هذا المشروع في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.
اصطدام روسي إيراني.. في بسط النفوذ الاقتصادي والعسكري
وجهت روسيا بعد زيارة الأسد إلى طهران في فبراير/شباط الماضي، وزير خارجيتها للتباحث مع الأسد، في موضوع منح إيران ميناء في اللاذقية بين القاعدتين الروسيتين في طرطوس و”حميميم” في اللاذقية، وتسعى موسكو من خلال ذلك إلى تجميد قرار الأسد بالسماح لإيران بالوصول إلى مياه الأبيض المتوسط.
من جانبها حكومة النظام وافقت على إعطاء المرفأ لطهران وتشغيله، بموجب اتفاقية بينهما، في محاولة للعب على الحبلين الروسي والإيراني، وإعطاء طهران امتيازات خاصة للمساهمة في إعمار سوريا، بعد أن أعربت عن انزعاجها من تقديم دمشق تسهيلات لموسكو لهذا الخصوص.
تسعى طهران إلى تثبيت موطئ قدم عسكري دائم لها في سوريا إلى جانب سعيها المستمر إلى تشغيل الشركات الإيرانية في سوريا، رغم تدهور اقتصادها
من جانب آخر تشهد مناطق سيطرة النظام في حلب اشتباكات مسلحة بين ميليشيا تدعمها إيران، وأخرى تدعمها روسيا في إطار بسط النفوذ الذي يسعى إليه كلا الجانبين في سوريا، وبدأت الاشتباكات قبل يومين، وما زالت مستمرة، مما أدى إلى وقوع قتلى من كلا الطرفين، إضافة إلى مقتل ستة مدنيين الأحد الفائت في شارع النيل، جراء سقوط قذيفة مصدرها الميليشيات الإيرانية والروسية.
فيما شهد السبت 20 من أبريل/نيسان، اشتباكات في المطار الذي تتخذه الشرطة الروسية قاعدةً لها شرق حلب، بعد أن امتدت الاشتباكات التي جرت داخل أحياء المدينة إلى المطار، ويرى ناشطون أن الاشتباك يعود لمحاولة ميليشيات إيرانية السيطرة على المطار.