كشفت لجنة الانتخابات المركزية بأوكرانيا، فوز الممثل الكوميدي فولوديمير زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية على الرئيس المنتهية ولايته بترو بوروشنكو، ما يعتبر انتصارًا مهمًا للشعبوية في أوروبا وتقهقرًا للنخب السياسية التقليدية، لكن كيف ينظر هذا الرجل للقضية الأبرز في البلاد، وهي العلاقات مع روسيا؟
فوز ساحق
حصد الممثل الكوميدي زيلينسكي البالغ 41 عامًا، نسبة تصويت وصلت إلى 73.15% من الأصوات في دورة الاقتراع الثانية مقابل 24.52% من أصوات الناخبين للرئيس المنتهية ولايته بترو بوروشنكو صاحب الـ53 عامًا، وفق النتائج التمهيدية، فيما تم إبطال 2.32% من الأصوات، وأوضحت اللجنة أنه حتى الآن تم فرز 98% من أصوات الناخبين.
وأكدت لجنة الانتخابات أن زيلينسكي يتصدّر في كل المناطق الأوكرانية، باستثناء منطقة لفوف، حيث أيّده 33.22% من الناخبين فقط. من جانبه صرّح نائب رئيس لجنة الانتخابات المركزية يفغيني رادشينكو، أن إعلان النتائج الرسمية للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا سيتم في الـ30 من أبريل الحاليّ تقريبًا.
وقال زيلينسكي في كلمة متلفزة ألقاها عند إعلان نتائج استطلاع الرأي: “لقد حققنا ذلك معًا، إن كل مواطني دول ما بعد العهد السوفيتي يتطلعون إلينا! كل شيء ممكن.. شكرًا لكم. شكرًا لكم”، وكان زيلينسكي قد أعلن ترشحه في ليلة رأس السنة عبر قناة تليفزيونية خاصة قررت استبدال كلمة الرئيس بوروشنكو للعام الجديد بكلمته، ما أعطى لونًا استعراضيًا لحملته منذ بدايتها.
يشتهر زيلينسكي بتقديمه شخصية رئيس الجمهورية في المسلسل التليفزيوني الكوميدي “خادم الشعب”
في مقابل ذلك، أقر الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو بهزيمته الساحقة أمام منافسه، وقال إنه سيتصل به ويهنئه، وأضاف أمام حشد من أنصاره: “الأوكرانيون لا يستسلمون أبدًا”، مؤكدًا أنه سيترك منصبه في الشهر المقبل، لكنه أوضح أنه لا يعتزم اعتزال الحياة السياسية.
حصد زيلينسكي في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا التي أجريت نهاية شهر مارس/آذار الماضي، أكثر من 30% من الأصوات مقابل نحو 18% فقط للرئيس المنتهية ولايته بترو بوروشنكو، فيما حلّت رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشنكو ثالثة بنسبة 14%.
أتى هذا الممثل من بلدة كريفي ريخ الصناعية، قرب مدينة دنيبرو، في وسط أوكرانيا، وهو أب لولدين، ويحمل شهادة في الحقوق لكن مهنته الحقيقية كانت على خشبة المسرح. ويتولى الإدارة الفنية لشركة إنتاج “كفارتال 95″، وهو المؤسس المشارك لتكتل شركات متخصصة بالترفيه معروفة في أوكرانيا وروسيا ببرامجها وعروضها، وينحدر زيلينسكي من أسرة يهودية يعمل أغلب أفرادها في البحث العلمي.
خبرة سياسية ضعيفة
ضعف الخبرة السياسية، استبدله زيلينسكي، بدور الرئيس الذي تقلده في إحدى المسلسلات، حيث يشتهر زيلينسكي بتقديمه شخصية رئيس الجمهورية في المسلسل التليفزيوني الكوميدي “خادم الشعب”، إذ يؤدي دور مدرس تاريخ بات رئيسًا للجمهورية بعد انتشار فيديو له ينتقد فيه الفساد، ويعمل هذا الرئيس على محاربة الفساد وهدم مراكز البيروقراطية ورموز السلطة الفاسدة.
ينتهي هذا المسلسل التليفزيوني، الذي بدأ عرضه في مارس/آذار الماضي، بسجن شخصية الرئيس التي يقدمها زيلينسكي وسيطرة القوميين المتشددين ورموز النظام القديم على الدولة التي تنقسم لاحقًا إلى 28 ولاية.
استثمر زيلينسكي هذا الدور في حملته الانتخابية، ليؤكد قدرته على قيادة البلاد والقيام بإصلاحات ومكافحة الفساد والقضاء عليه، ووضع حد للنخب السياسية التقليدية، حتى تنهض أوكرانيا وتتقدم وتسترجع وحدتها الترابية.
ارتأى الممثل الكوميدي في هذه الحملة الانتخابية، تقديم عروض كوميدية مجانية يسخر فيها من منافسيه، ولجأت حملته إلى الدعاية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أساسي، حيث تجنب أي حوارات تليفزيونية سياسية أو أي نقاشات سياسية مع المنافسين.
خلال العروض الكوميدية، ردّد زيلينسكي دائمًا جملة ساخرة من منافسه الأبرز الرئيس المنتهية ولايته بوروشينكو وهي “لماذا يترشح بوروشينكو لفترة رئاسية ثانية؟ حتى لا يقضي هذه الفترة في السجن”، في إشارة إلى تورط بوروشينكو في ملفات فساد.
هل هو حقًا من خارج النظام السياسي الحاليّ؟
ركّز زيلينسكي خلال حملته الانتخابية على الحاجة إلى مرشح من خارج النظام السياسي الحاليّ، يقود ثورة ضد مؤسسات الدولة والنظام القضائي في البلاد، أي أنه روّج لفكرة معاقبة النخبة السياسية التقليدية وانتخاب مسؤولين جدد في البلاد يقطعون مع الماضي، لكن علاقته برجل الأعمال إيغور كولومويسكي تطرح أكثر من سؤال.
يرتبط زيلينسكي بعلاقة وثيقة برجل الأعمال إيغور كولومويسكي الذي يمتلك قناة 1+1 التليفزيونية التي تعرّض مسلسل “خادم الشعب”، كما أنهما شركاء في عدد من المشروعات التجارية، ما زاد من الشكوك التي تحوم حول هذا الكوميدي وعلاقته بالنخب السياسية في البلاد.
يرتبط زيلينسكي بعلاقات وثيقة مع إيغور كولومويسكي
بدأت العلاقة بين محافظ مقاطعة دنيبروبيتروفسك السابق كولومويسكي والرئيس المنهية ولايته، بعد أن أدخل مجلس الرادا الأعلى (البرلمان الأوكراني)، مطلع سنة 2015، تعديلات على قانون الشركات المساهمة، أدت إلى فقدان كولومويسكي سيطرته على شركة “أوكر نفط” النفطية الرئيسية في البلاد، كما ازدادت الخلافات شدة بعد تنحية ألكسندر لازوركو المقرب من كولومويسكي عن منصب رئيس مجلس إدارة شركة “أوكر ترانس نفط” المملوكة للدولة.
كما سبق أن طالب مالك أكبر المجموعات المصرفية التجارية في أوكرانيا، بتقليص صلاحيات السلطات المركزية في كييف وخاصة رئاسة الجمهورية وكذلك الحكومة، متوعدًا صراحة بأن تواجه كييف تمردًا من أهالي المناطق الأوكرانية الكبرى مثل مقاطعات دنيبروبيتروفسك وأوديسا وخاركوف في وسط البلاد وجنوب شرقها، حال عدم تلبية هذه المطالب المشروعة، في نظره.
رغم إنكار كولومويسكي تدخله في الانتخابات بأي شكل أو تمويله لزيلينسكي، فإن العديد من السياسيين في البلاد يخشون أن يكون زيلينسكي “دمية” في يد الملياردير كولومويسكي، وأن يتحول هذا الأخير إلى المتحكم الفعلي في السياسة الداخلية والخارجية للبلاد.
تواصل مع الغرب وانفتاح على روسيا
خلال حملته الانتخابية، أكد الممثل الكوميدي الداخل إلى عالم وأروقة السياسة بقوة، نيته الإبقاء على الاتجاه الغربي لبلاده ومواصلة المسار الموالي للغرب الذي اتخذته أوكرانيا قبل خمس سنوات من الآن، وضرورة وحدة البلاد.
وطالب الغرب بتكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع مع روسيا، كما تعهد كذلك برعاية جيل شاب من الساسة الأوكرانيين والاستمرار في سياسات الاندماج مع الغرب، أي أنه لا يختلف عن الرئيس المنتهية ولايته في هذه المسألة.
تشهد العلاقات بين أوكرانيا وروسيا، توترًا كبيرًا منذ انتفاضة عام 2014 التي أطاحت بالرئيس الموالي للكرملين
إلا أن الاختلاف يتمثل في العلاقة مع روسيا، فزيلينسكي لم يكتف بتأكيد الاستمرار في سياسة الاندماج مع الغرب فقط، بل أبدى أيضًا رغبته في إطلاق مفاوضات مع روسيا، بمشاركة الولايات المتحدة، لحل النزاع القائم بين البلدين.
وفي أول رد فعل لمسؤول روسي كبير عقب الفوز، كتب رئيس الوزراء الروسي مدفيديف على صفحته في فيسبوك: “لقد صوتت أوكرانيا وأظهرت نتائج الانتخابات بوضوح أن الناخبين يتوقون إلى مقاربات جديدة لحل مشاكل أوكرانيا، من الواضح أن الرئيس الجديد سيتعين عليه توحيد البلاد مع الأخذ في الاعتبار الواقع الذي نشأ خلال السنوات الماضية”.
وأضاف “لا يساورني شك في أن الزعيم الجديد لأوكرانيا سوف يتمسك بالخطاب تجاه روسيا التي استخدمها خلال الحملة، مكررًا نفس المبادئ الإيديولوجية التي نعرفها جيدًا، وتستهدف مختلف الفئات الاجتماعية، ليس لدي أي أوهام على الإطلاق في هذا الصدد. في الوقت نفسه لا تزال هناك فرصة لأوكرانيا لتحسين علاقاتها مع روسيا”.
بدورها، أكدت وزارة الخارجية الروسية، أن نتائج الانتخابات أظهرت أن الشعب يسعى إلى التغيير، وقال مساعد نائب وزير الخارجية الروسي جريجوري كاراسين: “نتائج استطلاعات الرأي عند الخروج من مراكز الاقتراع، تظهر أن المواطنين الأوكرانيين صوتوا لصالح التغيير”، مشيرًا إلى أنه حان دور الإدارة الجديدة للبلاد لتفهم آمال ناخبيها وتحقيقها.
وتشهد العلاقات بين أوكرانيا وروسيا، توترًا كبيرًا منذ انتفاضة عام 2014 التي أطاحت بالرئيس الموالي للكرملين، حيث أعقب ذلك قيام روسيا بضم شبه الجزيرة الأوكرانية “القرم” واستندت القيادة الروسية في ذلك إلى نتائج استفتاء مثير للجدل حصل في شبه الجزيرة تحت مراقبة الجيش الروسي، كما دعمت انفصاليين في نزاع بالشرق الأوكراني أودى بحياة نحو 13 ألف شخص.