يستمر اعتصام السودانيين أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم، ولا يزال السؤال المطروح هو ذلك المتعلق بتعاطي المجلس العسكري الانتقالي بإيجابية مع مطالبهم بتنفيذ أهداف الثورة الشعبية وبناء مرحلة انتقالية مدنية تتولى الجوانب السيادية والتنفيذية، وتؤسس بسلاسة وطمأنينة للمرحلة القادمة في البلاد بعيدًا عن كل ذي صلة بالنظام المُطاح به.
لا تزال طبيعة الجهة التي ستقود المرحلة الانتقالية بعد عزل عمر البشير نقطة الخلاف الرئيسية بين قادة الجيش والقوى السياسية المنظمة للاحتجاجات. وبينما شكَّل قادة الجيش مجلسًا انتقاليًا من 10 عسكريين – رئيس ونائب و8 أعضاء – لقيادة مرحلة انتقالية حدد مدتها بعامين كحد أقصى، طارحًا على القوى السياسية إمكانية ضم بعض المدنيين له، مع الاحتفاظ بالحصة الغالبة، تدفع الأخيرة باتجاه ما تسميه مجلسًا مدنيًا رئاسيًا تكون فيه الغلبة للمدنيين.
مدّ وجزر بين مدنية السلطة وحكم العسكر
أمواج بشرية تطوق مقر القيادة العامة وترفع مطلبها الأوحد الذي تدعو فيه المجلس العسكري إلى تسليم السلطة لحكم مدني دون تأخير، ويدعو قادة الحراك الشعبي إلى تصعيد “العمل الثوري” لحراسة مكتسبات الثورة ومنع المجلس العسكري من الانفراد بالسلطة كممثل شرعي للثوار.
تأتي هذه التطورات بعد لقاء وفد من تحالف “إعلان الحرية والتغيير” الذي يضم تجمع المهنيين السودانيين وقوى معارضة أخرى، مساء السبت بالقصر الجمهوري، مع اللجنة السياسية بالمجلس العسكري بقيادة الفريق أول عمر زين العابدين، لبحث مسألة الترتيبات الانتقالية.
لم تبدد كلمات البرهان مخاوف المعتصمين بقدر ما زادتهم إصرارًا على الاستمرار في حراكهم
وعقب فشل المباحثات بين الطرفين، أعلن التحالف تعليق مفاوضاته مع المجلس العسكري، إلى حين تحقيق مطالبه. أمَّا مجلس السيادة الذي كان من المقرّر أن تُعلن أسماء المرشحين لعضويته، فقد تأجل البت فيه بقرار من قوى الحرية والتغيير لضرورة إخضاع الأمر لمزيد من التشاور.
في هذا السياق، قالت في مؤتمر صحفي عُقد مساء الأمس إنها ماضية في التهيئة للمجلس وستكشف عنه خلال أيام.يذكر أن المجلس المذكور كان يمثل رأس الدولة قي فترات معينة من تاريخ السودان، وحكم إلى جانب الحكومة بعد نهاية الحكم الثنائي الإنجليزي المصري للسودان في عام 1956.
قبل ذلك، قطع رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبدالفتاح البرهان -في أول حوار تليفزيوني بُثَّ في التليفزيون الحكومي- بوجود كل رموز النظام المعزول في سجن كوبر، مؤكدًا أن مجلسه تلقى أكثر من مئة مقترح من القوى السياسية تتعلق بحل الأزمة السودانية.
حاول البرهان في المقابلة طمأنة السودانيين وتجاوز حالة التوجس والإحباط السائد حاليًا في الشارع بقوله: “المجلس ملتزم تمامًا بما ورد في بيانه الأول، وأنه جاء مكملاً لأهداف الثورة وليس ضدها، ومطالب الثوار تجد كل المتابعة لتنفيذها، ويعمل المجلس على ترتيب كل ما يتعلق بنقل السلطة”.
وركز البرهان على أن دور المجلس مكمل للثورة الشعبية، وخياره استمرار الفترة الانتقالية لمدة سنتين، لكنه تحدث أيضًا عن تسليم السلطة وبشكل فوري لكن في ظل توافق بين القوى السياسية كافة، مشددًا على أن التوافق السياسي ضروري لبدء المرحلة الانتقالية، والمجلس ليس متمسكًا بالسلطة.
حديث البرهان الذي تناول أيضًا مجموعة من القضايا الساخنة التي تكتنف الواقع السياسي السوداني حاليًا، جاء في وقت تتزعزع فيه ثقة أطياف واسعة من الحراك الشعبي في المجلس العسكري الانتقالي.
لم يقرر تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الاستمرار في الاعتصام فحسب، بل اتهم المجلس العسكري أيضًا بمحاولة الانفراد بالسلطة وعدم تسليمها للمدنيين وإعادة إنتاج النظام المعزول في جوانب كثيرة
لم تبدد كلمات البرهان مخاوف المعتصمين بقدر ما زادتهم إصرارًا على الاستمرار في حراكهم، فقد تعهد قادة المحتجين في السودان يوم الأحد بتصعيد المظاهرات لمواجهة المجلس العسكري، في إطار حملة أوسع نطاقًا للضغط من أجل تسليم السلطة للمدنيين.
كذلك لم يقرر تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الاستمرار في الاعتصام فحسب، بل اتهم المجلس العسكري أيضًا بمحاولة الانفراد بالسلطة وعدم تسليمها للمدنيين وإعادة إنتاج النظام المعزول في جوانب كثيرة.
أحد أهم هذه الجوانب هو وقوع البلاد مجددًا في براثن محاور لها أهدافها، فالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات توَّجتا تقاربهما مع المجلس العسكري الذي كان واضحًا منذ الإطاحة بالنظام السابق بإعلانهما تقديم حزمة مشتركة من المساعدات للسودان، يصل إجمالي قيمتها إلى 3 مليارات دولار، منها 500 مليون وديعة في البنك المركزي السوداني “لتقوية مركزه المالي وتخفيف الضغوط على الجنيه السوداني وتحقيق مزيد من الاستقرار في سعر الصرف”.
نــداء عاجــل
تتواصل محاولات الالتفاف لسرقة مكتسبات ثورتنا المجيدة التي قدمت قرابة الـ100 شهيد والمئات من الجرحى والمصابين، اليوم يعمل المجلس العسكري للحيلولة دون تسليم السلطة للمدنيين والانفراد بالسلطة كممثل شرعي للثوار وإعادة إنتاج النظام السابق.#السلطه_المدنيه_الانتقاليه
— تجمع المهنيين السودانيين (@AssociationSd) April 21, 2019
وكما توجهت أصابع قوى الإعلان والثورة إلى نوايا المجلس العسكري، اتهم كذلك تجمع المهنيين السودانيين المجلس الحاكم بالحيلولة دون تسليم السلطة للمدنيين، وقال التجمع في تغريدة “محاولات الالتفاف لسرقة مكتسبات ثورتنا المجيدة ما زالت متواصلة”، داعيًا كذلك الشعب السوداني إلى مواصلة الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش حتى اقتلاع النظام السابق.
عسكر السودان يماطل بتسليم السلطة
يأتي هذا في الوقت الذي جدد فيه المجلس العسكري الانتقالي التزامه بتسليم السلطة لحكومة “مدنية يوافق عليها الشعب”، وأكد المجلس ممثلاً في الفريق أول ركن طيار صلاح الدين عبد الخالق خلال لقائه مع الأئمة والدعاة في ولاية الخرطوم أن حرمة الدماء كانت سببًا في انحياز الجيش إلى الثورة، وأن القوات المسلحة ظلت طوال تاريخها “جزءًا أصيلاً من الشعب تحمي قيمه ومكتسباته، كما طالبهم بتوطيد قيم التسامح واتباع منهج الوسطية.
يزيد تأخر الاتفاق على نقل السلطة إلى حكم مدني أو على كيفية إدارة الفترة الانتقالية من تعقيدات المشهد السوداني الذي يعاني أصلاً من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية تهدد استقراره
بدورهم طالب الدعاة المجلس العسكري بالإسراع في تشكيل حكوم مدنية، وشدَّدوا على موقفهم المؤيد لمبدأ الشعب السوداني في تطبيق الشريعة الإسلامية وعدم المساس بهوية الإسلام في السودان، وحث الأئمة والدعاة المجلس على العمل في رفع الظلم والمحاسبة وتعزيز دولة القانون التي تحترم كرامة الإنسان وتسليم السلطة بنهج سلمي للشعب السودان.
كما انتقد عدد من الدعاة الهجوم غير المبرر للشباب المعتصمين من بعض قادة الواجهات الدينية للنظام السابق, ودعوا إلى حل هيئة العلماء والذكر والذاكرين وكل الأوجه الدينية التي كانت تفتي للنظام بتحليل القروض الربوية والصمت على قتل الأبرياء، وتعاهدوا على اختيار القوي الأمين لولاية الشأن العام.
في هذه الأثناء، تستمر المشاروات واللقاءات الرسمية بين رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي والقوى السياسية في محاولة لنقل السلطة إلى مدنيين، حيث تباينت الآراء بين مطالب خاصة بنقل السلطة فورًا إلى مجلس سيادي مدني وحكومة مدنية يضطلعان بمهام التحول الديمقراطي.
بيان قوى الحرية والتغيير حول تعليق التفاوض مع المجلس العسكري
ولم يفلح رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي الذي وصل إلى العاصمة السودانية الخرطوم مجددًا يوم السبت في زيارة رسمية تستغرق يومين، حتى الآن في تقريب وجهات النظر، بينما تزداد حدة التوتر بين قوى الحرية والتغيير المعتصمة في الميدان وقوى أخرى ترفض أن تنفرد بالسلطة جهة بعينها دون غيرها.
كان “مجلس السلم والأمن” التابع للاتحاد الإفريقي قد أعلن يوم الإثنين الماضي إمهال “المجلس الانتقالي” بالسودان 15 يومًا لتسليم السلطة لحكومة مدنية، ولوَّح بأنه سيطبق المادة السابعة من ميثاق الاتحاد، وتعليق عضوية السودان في جميع أنشطة الاتحاد، وجاء هذا القرار في ختام اجتماعات المجلس بمقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا لبحث تطورات الأوضاع في السودان.
ورغم رفض الاتحاد قرار الجيش قيادة المرحلة الانتقالية وتنديده بتأسيس سلطة وصفها بغير الشرعية، يبدو أن عسكر السودان يحترمون مهلة الاتحاد الإفريقي لكن لا يتقيدون بها، فقد قال عضو المجلس العسكري الانتقالي الفريق جلال الدين الشيخ الطيب – وهو نائب جهاز الأمن والمخابرات الوطني – في مؤتمر صحفي بسفارة بلاده في إثيوبيا إن المجلس في نيته تسليم السلطة للمدنيين، لكن بما يناسب الوضع وبعد الحوارات.
تعيين الجنرال البرهان كرئيس للمجلس العسكري والجنرال حميدتي نائبًا له يدل على أن الدولة العميقة ومؤيديها الأجانب ليسوا على استعداد حتى الآن للاستجابة لمطالب المتظاهرين والسماح للانتقال السلس إلى الحكم المدني
وفي مسعى آخر، قال الناطق باسم المجلس العسكري الانتقالي في السودان شمس الدين كباشي إن قمة إفريقية ستعقد في مصر غدًا الثلاثاء لبحث الوضع في السودان، مؤكدًا أن المجلس العسكري شرح لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي أن ما تم ليس انقلابًا بل انحيازًا إلى الشعب، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من نقاط الاتفاق مع القوى السياسية السودانية، والمجلس يأمل في تجاوز نقاط الاختلاف.
في هذا السياق، يزيد تأخر الاتفاق على نقل السلطة إلى حكم مدني أو على كيفية إدارة الفترة الانتقالية من تعقيدات المشهد السوداني الذي يعاني أصلاً من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية تهدد استقراره، كما يعطي الفرصة للمجلس الانتقالي العسكري لكسب مزيد من الوقت.
الحسابات السياسية لعسكر السودان
الفترات الزمنية التي حكم فيها العسكر السودان فاقت بكثير الفترات التي استلمت فيها حكومات مدنية السلطة في البلاد، فبعد استقلال السودان في عام 1956، لم تهنأ البلاد بحكم مدني لأكثر من عامين، حيث نجح أول انقلاب عسكري عام 1958 بقيادة إبراهيم عبود ضد حكومة ائتلاف ديمقراطية بين حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي التي كان يرأسها مجلس السيادة المكون من الزعيم إسماعيل الأزهري وعبد الله خليل.
توالت بعد ذلك الانقلابات والثورات، حتى أُجبر عمر البشير في 11 من أبريل/نيسان، بعد 30 عامًا في الحكم، على الخروج من السلطة من قِبل ذراعه الأيمن ووزير الدفاع ونائب الرئيس، الفريق أول ركن أحمد عوض بن عوف.
تم الترحيب بالإطاحة بالبشير باعتباره انتصارًا كبيرًا للمتظاهرين السودانيين الذين كانوا في شوارع الخرطوم وغيرها من المدن الكبرى منذ ديسمبر الماضي، ومع ذلك، لا يزال الكثيرون حذرين من انتقال السلطة المشكوك فيه الذي قامت به القيادة العسكرية السودانية.
العديد من القوى الإقليمية لا تهتم برؤية أسس الديمقراطية التي يتم وضعها في السودان ومستعدة لفعل كل ما يلزم لتقويض أي انتقال ديمقراطي سلمي
عندما اشتبكت الطموحات السياسية وتدخلت قوى خارجية، تولى الجنرال ابن عوف تأمين خروج البشير والحفاظ على الوضع الراهن داخل النظام، ومع ذلك، افتقر الجنرال إلى الكاريزما، ولم يكن يحظى باحترام كبير في صفوف الجيش، وكان ملطخًا أيضًا بالدور الذي لعبه في تجنيد قوات التدخل السريع (ميليشيا الجنجويد) في دارفور وقيادة القوات المسلحة التي ارتكبت جرائم حرب عام 2007.
كان من الواضح أنه لن يتم قبوله كقائد انتقالي لا من الشعب السوداني ولا من مختلف اللاعبين الدوليين، وبينما يمكن اعتبار استقالته بمثابة انتصار آخر للحركة الاحتجاجية في السودان، فإن تعيين الجنرال البرهان رئيسًا للمجلس العسكري والجنرال حميدتي نائبًا له يدل على أن الدولة العميقة ومؤيديها الأجانب ليسوا على استعداد حتى الآن للاستجابة لمطالب المتظاهرين والسماح للانتقال السلس إلى الحكم المدني.
حقيقة أن الجنرالان المسؤولان (البرهان وحميدتي) مرتبطان بالأدوار الرئيسية التي لعبوها في حربي دارفور واليمن ليس من قبيل الصدفة، فقد سارعت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى الاعتراف بالمجلس العسكري، في حين رفض الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي ذلك، وأعلن الجنرال حميدتي بدوره أن القوات السودانية ستفي بالتزاماتها تجاه التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
الفريق محمد حمدان حمدتي يتحدث خلال مؤتمر صحفي في مقر قوات الدعم السريع خارج الخرطوم
لا شك أن الإطاحة بالبشير وزمرته الفاسدة والوحشية من السلطة هي تطور إيجابي، لكن ما يجري حاليًا في رأي الكثير من السودانيين المستمرين في الاحتجاج ليس ثورة كاملة، مثل تلك التي حدثت في أكتوبر/كانون الأول 1964 وأبريل/نيسان 1985، فثمة استراحة مع النظام القديم.
صحيح أن اللواء البرهان أطلق نغمة تصالحية وقبِل على ما يبدو المطالب الشعبية بالحرية والسلام والعدالة، كما قدم بعض الوعود بالابتعاد عن النظام القديم، ومضى في إجراءات إصلاحية بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ومحاربة الفساد، لكن هناك أيضًا الكثير من الشكوك بشأن نواياه الحقيقية وأجندته.
بوادر اصطدام بين الجيش والمحتجين
كذلك هناك مخاوف حقيقية من أن يكون المجلس العسكري الانتقالي الجديد مجرد دمية للنظام القديم، الذي تم إنشاؤه لشراء الوقت وضمان استمرارية الوضع الراهن. حتى الآن، ليس من الواضح ما هو مصير شخصيات النظام القديم، بما في ذلك البشير، وكيف سيتعامل المجلس العسكري مع الدولة العميقة وميليشياتها وأمنها ومواردها المالية.
في الوقت نفسه، لا تزال التوترات داخل النظام نفسه قائمة، فتعيين حميدتي، قائد إحدى الميليشيات، الذي لم يتخرج من أكاديمية عسكرية سودانية، إلى هذا المنصب الرفيع داخل الدولة، يمثل سابقة مروعة ويمكن أن يلعب دورًا ضارًا في السياسة السودانية.
يبقى الاختبار الحقيقي لنيات المجلس العسكري في الإفصاح عن رأيه القاطع والغائب حتى الآن فيما يتعلق بجميع مطالب الشارع السوداني العريض
هناك أيضًا مخاوف حقيقية من أن المعارضة الشعبية يمكن أن تتفتت على امتداد الأجيال والأيديولوجية والجغرافية والعرقية، فقد بدأ الخلاف بين الشباب والقوى السياسية التقليدية في الظهور بشأن كيفية التعامل مع المجلس العسكري، وما الأولويات السياسية التي يجب اتباعها.
في هذه الحالة يمكن استغلال هذه الانقسامات من المجلس العسكري والنظام القديم لتنفيذ ثورة مضادة كاملة، فالعديد من القوى الإقليمية لا تهتم برؤية أسس الديمقراطية التي يتم وضعها في السودان ومستعدة لفعل كل ما يلزم لتقويض أي انتقال ديمقراطي سلمي.
علاوة على ذلك، يخشى الشعب السوداني أيضًا انزلاق بلده إلى فوضى وحرب شاملة، إذا لم يحدث التغيير قريبًا، لذلك يبقى الاختبار الحقيقي لنيات المجلس العسكري في الإفصاح عن رأيه القاطع والغائب حتى الآن فيما يتعلق بجميع مطالب الشارع السوداني العريض، وعلى رأسها تشكيل مجلس سيادي انتقالي، خاصة أن رئيس المجلس ذكر فقط أن الأمر مطروح للنقاش.
ولا يستبعد كثيرون إذا استمرت حالة الضبابية والغموض أن يجد المجلس نفسه في مواجهة واضحة مع الشارع المعتصم والرافع لتلك المطالب التي يعبر عنها الآن تحالف إعلان قوى الحرية والتغيير، الذي يمكن أن يمضي في هذا الصدد تحت سمع وبصر المعتصمين أمام مبنى قيادة الجيش.
هناك العديد من الدروس التي يجب تعلمها من مصير ما بعد استقلال السودان، وثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985 وفصل جنوب السودان، حيث تتمتع حركة الاحتجاج الشعبية بفرصة فريدة لعدم تكرار أخطاء الماضي، والسعي إلى الوحدة الوطنية والمواطنة المتساوية لجميع المجموعات العرقية والمصالحة، ولا يمكن إلا لجبهة شعبية قوية وموحدة أن تصمد أمام الثورة المضادة التي سيطلقها الجنرالات السودانيون والدولة العميقة والقوى الأجنبية من أجل تقويض الحركة الثورية.