ترجمة وتحرير: نون بوست
في مقابلة لها مع صحيفة “لوموند”، نُشرت في العاشر من أبريل/ نيسان، صرّحت كاتبة الدولة الفرنسية المسؤولة عن مجال الاتصالات، آنياس بانييه روناشار، أن “هواوي تُمثّل شركة مثل أية شركة أخرى” مضيفة: “يسرّني أن شركة هواوي تستثمر في أسواقنا”. لكن، أليس من الغريب أن يصدر مثل هذا التصريح عن مسؤول فرنسي رفيع المستوى في الوقت الذي يحاول فيه رئيس الجمهورية إقناع الصين بأن تكون أكثر انفتاحًا على الشركات الأوروبية وإعادة التوازن في العلاقات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي؟ بناء على ذلك، يجدر بكاتبة الدولة أن تدرك جيدًا أن هواوي “لا تعتبر مثل غيرها من الشركات”.
لنتغاضى لبرهة عن البعد الأمني، الذي سبق وإن كان محل نقاشات واسعة النطاق. في الحقيقة، لا تتشابه شركة هواوي مع منافسيها الأوروبيين على غرار نوكيا أو سيمنز. وقد تكون هواوي بصدد الاستثمار بكثافة بهدف التسويق لمنتجاتها في السوق العالمية، وقد يُنظر إليها الآن على أنها علامة تجارية مثل بقيّة العلامات، إلا أنها تظلّ مصدرًا أساسيًا لقوة رأسمالية الدولة الصينية. تجدر الإشارة إلى أن مؤسس الشركة، رن تشانغ فاي، كان قد قال في سنة 2012: “دون حماية حكومية، لن تنجح هواوي في الاستمرار”.
في ظل حماية مماثلة داخل سوق يضمّ 1.4 مليار مستهلك، لا يوجد خيار آخر أمام شركة هواوي سوى أن تنمو بسرعة فائقة
لقد نجحت شركة هواوي في توسيع نطاق نشاطها مرورًا بثلاث مراحل رئيسية. ففي البداية، أقام تشانغ فاي، بصفته جنديًا سابقًا، علاقات مميزة مع القوات المسلحة الصينية، ما مهّد الطريق لتوقيع العقود الأولى في تاريخ الشركة. وفي المقام الثاني، عمل تشانغ فاي على إقناع الحكومة بالحد من حضور الشركات الأوروبية في السوق الصينية، ما دفع بكين بالفعل إلى تغيير لوائح الاستثمار. وفي سنة 2000، سيطرت الشركات الأجنبية على أكثر من 50 بالمئة من سوق الهواتف المحمولة الصينية. أما خلال سنة 2010، فقد تقلّصت هذه النسبة لتصبح 10 بالمئة فقط، في حين سيطرت شركة هواوي على 45 بالمئة من السوق.
خطر أمني
في ظل حماية مماثلة داخل سوق يضمّ 1.4 مليار مستهلك، لا يوجد خيار آخر أمام شركة هواوي سوى أن تنمو بسرعة فائقة. بالإضافة إلى ذلك، تلقّت الشركة دعمًا ماليًا غير مسبوق. ومن الناحية الرسمية، لا تعتبر هواوي مؤسسة حكومية، غير أن تركيبة ملكية الشركة لا تزال غير واضحة. وفي سنة 2009، ضخّ المساهمون الصينيون أموالًا طائلة بلغت قيمتها حوالي 4.5 مليار يورو، وظلت هويات هؤلاء المستثمرين مجهولة إلى حد الآن.
من جهتها، قدّمت الحكومة ما لا يقل عن 870 مليون يورو من الدعم، بالإضافة إلى القيود المفروضة على المستثمرين الأجانب، التي ساهمت في تعزيز قدرة هواوي الإنتاجية وتخفيض أسعار منتجاتها مقارنة بمنافسيها. وفي وقت لاحق، قررت الحكومة توسيع نطاق نجاح شركة هواوي على المستوى الدولي، حيث طلبت من بنوكها إقراض مليارات اليوروهات لعملاء هواوي حول العالم.
، لا يزال الخطر الأمني حاضرا حيث ينبغي أن تلتزم هواوي بالقانون الصيني الذي يقتضي مشاركة جميع الشركات المملوكة للدولة لبياناتها مع حكومة بكين
خلال 2004 و2009، اتفقت كل من هواوي وبنك التنمية الصيني على فتح خطّي ائتمان موجهين لتمويل صفقات التصدير بقيمة إجمالية قدرها 35.6 مليار يورو. وكان رئيس مجلس إدارة البنك، تشن يوان، قد صرح في سنة 2011، أن “بنك التنمية الصيني أصبح السبب الرئيسي وراء توسع هواوي دوليًا”. وقد تمكنت شركة هواوي من إطلاق معركة استنزاف مالي ضد منافسيها حتى خارج نطاق السوق الصينية الوحيدة. وبفضل دعم البنوك التابعة للدولة، تمتلك شركة هواوي موارد هائلة تخوّل لها رعاية المشاريع الرياضية والتعليمية والثقافية والترويج لصورتها بين المستهلكين الغرب.
من المحتمل أن تسير القطاعات الأخرى على غرار الطيران والقطارات فائقة السرعة وغيرها، على خطى مجال الاتصالات. في المقابل، لا يزال الخطر الأمني حاضرًا حيث ينبغي أن تلتزم هواوي بالقانون الصيني الذي يقتضي مشاركة جميع الشركات المملوكة للدولة لبياناتها مع حكومة بكين، كما تظهر المشكلة ذاتها مع عمالقة الولايات المتحدة. لكن، في حال كانت أوروبا تواجه بالفعل صعوبات في إدارة خطر مماثل مع شركات على غرار غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون، فيجدر بها تجنّب خطر إضافي مع الشركات الصينية.
المصدر: لوموند