بالنسبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، باتت الـ100 مليون دولار التي أقرتها جامعة الدول العربية في عام 2010، لدعم موازنة السلطة شهريًا، هي قشّته الوحيدة والأخيرة التي يتعلق بها لإنقاذ سلطته في ظل الأزمة المالية الطاحنة التي تعصف بها منذ شهور.
السلطة الفلسطينية، وبعد احتجاز “إسرائيل” أموال الضرائب الخاصة بها وقدّرت بـ138 مليون دولار، وتخلّي الكثير من الدول المانحة (العربية-الأوروبية) عن دعم موازنتها السنوية التي تخطى العجز فيها الـ80%، والتهديد الأكبر بما يقترب من “صفقة القرن” الأمريكية، باتت في موقف ضعيف وقد تنهار في أي لحظة.
نداء الرئيس عباس الأخير في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة الأحد، ومطالبته بضرورة توفير الدعم المالي للسلطة، وإطلاق سراح قرار شبكة الأمان المالية التي قدرت بـ100 مليون$ المجمد منذ أكثر من 9 سنوات، جاء لمواجهة الضغوط السياسية والمالية التي يتعرض الفلسطينيون لها من قبل القريب والبعيد، وقبل وقوع الكارثة الكبرى.
الاجتماع العربي في بيانه الختامي أعرب عن دعمه للسلطة الفلسطينية ومطالبها، والاستجابة كذلك لنداء الرئيس عباس بتوفير شبكة الأمان المالية التي أقرت في قمة سرت الليبية، لكنه لم يحدد موعد وحتى آلية تنفيذ هذا قرار، الأمر الذي يضع الشكوك حول تنفيذه، ومن يقف خلف التعطيل ومحاولة ابتزاز الفلسطينيين.
الابتزاز العربي للفلسطينيين لمصلحة من؟
مسؤول مصري رفيع المستوى، كشف لمراسل “نون بوست”، عن كثير من العقبات التي تعترض طريق تنفيذ شبكة الأمان المالية العربية، ومنح السلطة الفلسطينية الـ100 مليون دولار شهريًا.
قال المسؤول المصري: أن فكرة تقديم الأموال للسلطة الفلسطينية لإنقاذها من أزماتها المالية الطاحنة، دون موافقة على المفاوضات مع “إسرائيل” والتعامل مع “صفقة القرن”، سيُغضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وستوتر علاقات مع الرياض وأبو ظبي وهذا ما لا تريدانه تلك الدول
وأكد أن هذا القرار رغم موافقة بعض الدول العربية عليه، إلا انه يواجه معارضة شديدة من قبل المملكة العربية السعودية وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، اللتان تعطلان تنفيذ هذا القرار منذ أكثر من 9 سنوات على صدوره.
وأوضح المسؤول المصري، أن السعودية والإمارات تريدان أن يترافق دفع هذا المبلغ مع جهود تبذلها السلطة الفلسطينية للتجاوب مع المساعي الأمريكي الجديدة في عملية السلام وعدم الاعتراض على “صفقة القرن” الأمريكية، وإعطاء واشنطن فرصة لتحريك عملية السلام المتوقفة منذ العام 2014.
وذكر أن فكرة تقديم الأموال للسلطة الفلسطينية لإنقاذها من أزماتها المالية الطاحنة، دون موافقة على المفاوضات مع “إسرائيل” والتعامل مع “صفقة القرن”، سيُغضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وستوتر علاقات مع الرياض وأبو ظبي وهذا ما لا تريدانه تلك الدول.
ولفت المسؤول المصري ذاته، أن الدعم المالي العربي الذي يقدم للسلطة وخف تدريجيا الشهور الأخيرة، وكذلك شبكة الأمان المالية، كلها مرهونة برضا السعودية والإمارات، وهذه الأموال باتت تستخدم لابتزاز الفلسطينيين، وتصب في مصلحة “إسرائيل” التي تسعى لأن تكون جزءً في المنطقة العربية وحليفًا جديدًا فيها.
الجدير ذكره أن الدول العربية في قمة 2010، أقرت بــ”شبكة الأمان المالي”، بـ100 مليون دولار، لمساعدة السلطة على مواجهة تأخير “إسرائيل” المتكرر، دفع أموال الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة، لكن حتى اللحظة بقي هذا القرار مجمد وحبسي درجه.
وتعاني السلطة من أزمة مالية حادة إثر قرار “إسرائيل” خصم 182 مليون دولار من عائدات الضرائب (المقاصة)، كإجراء عقابي على تخصيص السلطة الفلسطينية مستحقات للأسرى وعائلات الشهداء.
وإيرادات المقاصة هي ضرائب تجبيها “إسرائيل” نيابة عن وزارة المالية الفلسطينية، على السلع الواردة للأخيرة من الخارج، ويبلغ متوسطها الشهري نحو 188 مليون دولار.
مصير رواتب موظفي السلطة بات مجهولاً بسبب الأزمة المالية
وردًا على القرار الإسرائيلي، أعلنت الحكومة الفلسطينية رفضها استلام أموال المقاصة من “إسرائيل”، مخصومًا منها أية مبالغ غير متفق عليها مسبقًا، فيما تصرف السلطة ما قيمته 170 مليون دولار شهريًا على رواتب الموظفين والنفقات التشغيلية.
أزمات طاحنة ومصير مجهول
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ووزير التنمية الاجتماعية، أحمد مجدلاني، يقول إن “شبكة الأمان المالية كفيلة بدفع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية”.
وأضاف مجدلاني أن اجتماع الوزراء العرب قدم 4 التزامات رئيسية، وهي توفير شبكة أمان عربية، وعدم التعاطي مع ما يسمي بــ “صفقة القرن”، والالتزام بمبادرة السلام العربية لأي حل، والدفاع عن عروبة القدس، والتمسك باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا.
يرى المحلل السياسي تيسير محسين, أن شبكة الأمان العربية المخرج الوحيد للسلطة لتجاوز الأزمة المالية الحادة التي تُعاني منها
وأشار مجدلاني إلى أن 100 مليون دولار من الدول العربية، بالإضافة إلى الإيرادات المحلية وبعض المساعدات المختلفة، ربما بدون شك سيمكن الحكومة من توفير الحد الأدنى لتتمكن من الالتزام بواجباتها تجاه فاتورة الرواتب أولاً، والنفقات التشغيلية ثانياً، معربا عن أمله بتفعيلها بشكل سريع قائلا: “إن الوضع لا يحتمل”.
وبدوره يرى المحلل السياسي تيسير محسين, أن شبكة الأمان العربية المخرج الوحيد للسلطة لتجاوز الأزمة المالية الحادة التي تُعاني منها، إثر قرار “إسرائيل” خصم أموال المقاصة، وغياب الدعم الدولي خاصة الأمريكي.
وقال “السلطة قائمة على عدة مرتكزات رئيسة من ضمنها المال، بمعني أن تماسك السلطة وبقاءها حية قادرة على الإيفاء بالتزاماتها بنظر الشارع الفلسطيني مُعتمد على المال لديها، والعكس يضعها أمام حافة الانهيار والسقوط كمنظمة، الأمر الذي لا ترغب به أمريكا و”إسرائيل” وبعض الدول العربية”.
وتوقع أن تبقي السلطة الفلسطينية قائمة في حال تفعيل شبكة الأمان العربية أو عدم تفعيله، لكون الطرفين “الأمريكي والإسرائيلي” الأساسيين المتحكمين بكينونة السلطة وبقائها بالكيفية المرغوب بها، يدعمها بشكلٍ غير مباشر عن طريق بعض الدول العربية وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية بالتعامل مع الحالة الفلسطينية وتحديداً عنوانها الرئيس “السلطة “.
قال المحلل السياسي تيسير محسين كشف أن السلطة الفلسطينية تسعي لبقائها حية مُستغلة الدعم المالي العربي، وفي ذات الوقت تُحاول التماسك لأجل تحسين شروط ما يسمي بصفقة القرن وليس التصدي لها
وأضاف:” طالما لا يزال الاحتلال ينظر إلى السلطة بأنها يجب ان تبقي وتقوم بدورها المطلوب منها والإيفاء بالتزاماتها وفق ما حدده اتفاق أوسلو، وأمريكا تنظر الى بقائها بأنه ضروري لتمرير صفقة القرن، فإنها ستبقي قائمة و سيبقي الضغط عليها باتجاه إقحامها بإطار القبول الطوعي بمساعدة النظام العربي بما هو مطروح من رؤية أمريكية بشأن اغلاق ملف القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتطبيع الكامل مع الاحتلال وجعله دولة ذات سيادة”
وكشف أن السلطة الفلسطينية تسعى لبقائها حية مُستغلة الدعم المالي العربي، وفي ذات الوقت تُحاول التماسك لأجل تحسين شروط ما يسمي بصفقة القرن وليس التصدي لها، لأن دورها لا يتعدى الاستنكار والإدانة، أما على أرض الواقع لا يوجد خطوات عملية، وهذا يُدلل على أنها تقول “نعم” منقوصة لصفقة القرن فهي ترغب بتحسين شروطها وليس إنهاءها.
مٌطالبة السلطة الفلسطينية وزراء العرب بتفعيل شبكة الأمان المالية، يأتي في إطار مُحاولاتها تجاوزَ أزمتها المالية التي تعصف بها، فهل سيلبّي العرب تطلعاتها؟ أم ستبقى مرهونة بـ”صفقة القرن”؟. هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.