غادر السفير الإماراتي بالرباط علي سالم الكعبي، الأسبوع الماضي، المغرب، عائدًا إلى بلاده بشكل مفاجئ، وفق ما تناقلته وسائل إعلام مغربية مساء أمس الإثنين، ما يؤكد صحة تقارير تتحدث عن وجود أزمة صامتة بين البلدين نتيجة المحاولات الإماراتية المتكررة للتدخل في الشؤون الداخلية المغربية والتحكم في السياسة الخارجية للمملكة.
الأزمة تظهر للعلن
غادر السفير الإماراتي الذي لم يمض على تعيينه عام واحد، الرباط، بناءً على طلب سيادي مستعجل من أبو ظبي، وفق الإعلام المغربي، من دون توضيح الأسباب، وكان قد عُيّن سفيرًا للإمارات في المغرب شهر فبراير/شباط 2018، خلفًا للسفير السابق سهيل مطر الكتبي، وشغل الكعبي إلى حين تعيينه ممثلاً لأبو ظبي في الرباط، منصب مدير مكتب وزير شؤون الرئاسة في دولة الإمارات، إلى جانب ترؤسه مجلس أمناء مؤسسة التنمية الأسرية التي يوكل إليها تدبير القطاع الاجتماعي بالإمارات.
يعتزم العاهل المغربي الملك محمد السادس، القيام بجولة رسمية في بعض الدول الخليجية، الأسبوع المقبل، يستثني منها دولة الإمارات العربية المتحدة
قبل نحو شهرين من الآن، استدعت الرباط سفيرها من أبو ظبي محمد أيت وعلي للتشاور، وذلك بالتزامن مع استدعاء سفيرها في السعودية مصطفى المنصوري، عقب بث قناة “العربية” المقربة من الدوائر الحاكمة في السعودية، تقريرًا مصورًا ضد الوحدة الترابية للمغرب، كرد فعل على ظهور وزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة في برنامج حواري مع قناة “الجزيرة” القطرية.
جولة خليجية تستثني الإمارات
استدعاء أبو ظبي لسفيرها بالرباط، تزامن مع تأكيد جهات رسمية مغربية، اعتزام العاهل المغربي الملك محمد السادس، القيام بجولة رسمية في بعض الدول الخليجية، الأسبوع المقبل، يستثني منها دولة الإمارات العربية المتحدة.
ومن المنتظر أن يحل الملك محمد السادس في كل من المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وسلطنة عمان والأردن وقطر، لكنه لن يزور الإمارات العربية المتحدة. فيستهل العاهل المغربي جولته بزيارة السعودية، حيث سيجري محادثات مع نظيره السعودي الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومن ثم ينتقل إلى الأردن من أجل التوقيع على عدة اتفاقيات تعاون ثنائية تهدف إلى تعزيز شراكة المغرب مع هذه الدولة الشقيقة.
العاهل المغربي محمد السادس
كما أجرى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في 8 من أبريل/نيسان الحاليّ جولة خليجية، شملت الكويت والبحرين وقطر ولم تشمل الإمارات، وتسلم خلال هذه الجولة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، رسالة من العاهل المغربي الملك محمد السادس، بشأن “العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية”، كما سلّم بوريطة رسالة مماثلة إلى كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وأمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، وحمد بن عيسى آل خليفة عاهل مملكة البحرين.
ضغط إماراتي على المغرب
كثفت الإمارات في الفترة الأخيرة ضغوطها الممارسة على المغرب في محاولة من حكام أبو ظبي التحكم في السياسة الخارجية للمملكة المغربية بما يخدم مصالحها في المنطقة العربية ودول المغرب العربي بشكل خاص لما للمغرب من مكانة كبرى هناك، فضلاً عن توجيه سياسته الداخلية بما يخدم حلفاءها في المملكة.
وذكرت مصادر مغربية، يتعذّر ذكر اسمها، لـ “نون بوست”، أن الإمارات تسعى إلى الضغط على المغرب لإقصاء حزب العدالة والتنمية الذي يعتبر امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين في المغرب، وهي الجماعة التي تعاديها الإمارات وتسعى إلى اجتثاثها من الوطن العربي ومن كل مكان توجد فيه بشتى الطرق.
يرفض المغرب، وفق المحلل السياسي المغربي عمر مروك، تدخل الإمارات في شؤونه المحلية وشؤون المنطقة
فضلاً عن ذلك، تعمل أبو ظبي على الضغط على الرباط، لإجبارها على الاصطفاف في الحلف المناهض لدولة قطر، خاصة أن المغرب اختار خلال الأزمة الخليجية، التزام الحياد، كما عرض القيام بوساطة بين الأطراف المتنازعة وأرسل طائرة محملة بالمواد الغذائية إلى قطر، وزار العاهل المغربي الدوحة لاحقًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والتقى بأميرها، ما فهمه الإماراتيون أنه تحالف مغربي مع قطر.
ضمن أساليب الضغط التي اعتمدتها الإمارات، تقليص الهبات الممنوحة للمملكة، وكان من المفترض أن تكمل الإمارات السنة الماضية الهبات المتبقية التي تعهدت بتقديمها للمغرب، غير أنها لم تلتزم بوعودها كما أنها لم تجدد الاتفاق الذي تقدم بموجبه منحًا للمغرب، وانتهى سريانه العام الماضي.
امتعاض إماراتي
يعتبر استدعاء أبو ظبي لسفيرها في المغرب، أحد أساليب التعبير عن امتعاضها من سياسات الرباط، وفق المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق الذي قال في تصريح لـ “نون بوست”: “استدعاء السفير، إجراء له مدلول دبلوماسي في العلاقات بين الدول، فهو تعبير عن امتعاض الدولة من سياسات ومواقف دولة أخرى”.
وأوضح لزرق، أن هذا الإجراء هو “إجراء من إجراءات عديدة للتعبير عن الاحتجاج، حيث تستدعي الدولة سفيرها لدى دولة، بالإرادة المنفردة أي دون تشاور مع الطرف الثاني، وكذلك بمغادرة السفير لمدة طويلة بشكل متعمد ومفهوم سببه، كاعتراض على سياسات غير مقبولة، ويمكن أن يكون هذا الإجراء مجرد طلب تفسيرات بشأن موضوع معين أو إبلاغ السفير احتجاجًا واضحًا”.
تسعى الإمارات للسيطرة على السيادة المغربية
يعبّر استدعاء السفير الإماراتي من المغرب، وفق رشيد لزرق، عن “التوتر في العلاقات المغربية الإماراتية كجزء من تداعيات النزاع مع قطر، ومواجهة تنظيم الإخوان المسلمين الذي ينتمي إليه الحزب الذي يقود الحكومة المغربية (العدالة والتنمية)، الذي تعتبره الإمارات تنظيمًا إرهابيًا”.
ويرى المحلل المغربي أن بلاده اتخذت موقفًا سياديًا يعارض التوجه الخليجي، حرصًا منه على وحدة الصف العربي ومحاولته لعب دور الوساطة لطي الخلاف مع قطر، كما أن المغرب، وفق رشيد، واجه بحدة محاولة الإعلام السعودي والإماراتي توظيف قضية الصحراء المغربية للضغط على المغرب ورفض التدخل في شؤونه الداخلية، ما أدى إلى امتعاض الإمارات.
ويرفض المغرب، وفق المحلل السياسي المغربي عمر مروك، تدخّل الإمارات في شؤونه المحلية وشؤون المنطقة، من ذلك رفضه التدخل الإماراتي في النزاع المسلح بليبيا الذي أضر بالجهود المغربية لتوحيد الصف الليبي، وكذا تدخل الإمارات في الشأن الداخلي لمجموعة من الدول العربية من قبيل تونس وسوريا والسودان وغيرها، سواء بالدعم الخفي أو العلني لقوى الثورة المضادة أو بتمويل الميليشيات، في خرق سافر للمواثيق الدولية الداعية لعدم التدخل في شؤون الغير واحترام سيادة الدول.
سبق أن وضع المغرب 4 ضوابط لاستمرار التنسيق مع السعودية والإمارات، وإلا فإنه سيبحث عن بدائل أخرى
أشار المروك أيضًا إلى استهداف الإمارات للمغرب ببرنامج تجسسي والخروج عن الأعراف الدبلوماسية جراء لقاء دبلوماسيين إماراتيين لفاعلين سياسيين وإعلاميين مغاربة دون المرور بالخارجية المغربية، وعدم تقبل الإمارات للتقارب المغربي الأردني خصوصًا توحيد المواقف فيما يخص القضية الفلسطينية، في الوقت الذي تسعى فيه أبو ظبي بصحبة الرياض إلى تمرير صفقة القرن خدمة للتقارب والتعاون المعلن مع الاحتلال الإسرائيلي.
المغرب يرفض أن يكون تابعًا
يرى المحلل المغربي عمر المروك أن هذه القضايا عمقت الفجوة بين الرباط وأبو ظبي خصوصًا أن الأخيرة باتت تمارس ضغوطًا لفرض أجندتها الأحادية عوض تغليب منطق الحوار والندّية في العلاقات.
ويضيف: “السياسة الجديدة لإمارات محمد بن زايد تقوم على التدخل في شؤون الغير وزعزعة الاستقرار عوض مساعي الوساطة لحلحلة الأزمات العربية، وهو ما ينافي السياسة الخارجية للمغرب التي تقوم على الندية واحترام سيادة الغير وتنويع الشركاء الإستراتيجيين وهو ما ينم عن حنكة وتبصر يُشهد به للمغرب”.
ويؤكد عمر أن هذه الضغوط الإماراتية لن تجدي نفعًا مع الموقف المغربي الساعي للسلام واستقرار المنطقة، في ظل مشهد جيوسياسي متوتر وجد حساس يحتاج للحنكة والتريث وليس للرعونة والتسرع كما تفعل الإمارات.
العاهل المغربي في زيارة لقطر
من جهته، يؤكد رشيد لزرق أن المغرب لن يقبل التعامل معه كتابع، لهذا فإن السلوك الإماراتي فيه تهديد للعلاقات والثقة المتبادلة بين البلدين، رغم موقف المغرب الداعم للإمارات وتأييده اللامشروط في استعادة جزرها المحتلة من إيران.
بدورها تقول المحلّلة السياسية المغربية شريفة لومير، “الضغط الذي تحاول الإمارات أن تلعبه تجاه المغرب لا يمكن أن يؤثر على استقلالية قراره، فالواضح أن الجانب الإماراتي-السعودي ينتهج منطق الاملاءات في التعامل مع البلدان الأخرى”
وترى لومير في تصريحها لنون بوست، “هذا المنطق يتعارض مع الاستقلالية في المواقف التي يتبناها المغرب والتي تظهر أن المغرب يملك قراره وحده ولا يقبل الابتزاز بالسياسة، وهو ما يتضح جليا في مواقف المغرب من الأزمات في المنطقة العربية التي يحكمها منطق الاستقلالية والقناعة”.
ويرفض المغرب، وفق شريفو، “أي ضغوطات يمكن أن تمارس عليه لاستصدار مواقف معينة، كما حصل مع دول عربية عديدة أعلنت بشكل مثير للاستغراب انخراطها في حصار قطر، دون أن يكون لها مشكل مع هذه الأخيرة.”
وختمت لومير بقولها، “الضغط الذي تحاول الإمارات فرضه تجاه المغرب لن يفضي إلا إلى انعدام الثقة بين البلدين و يعمق شرخ الأزمة بين الطرفين، خاصة وأن المغرب يتبنى سياسة الاستقلالية والحياد تجاه مختلف القضايا العربية، عكس ما تسعى إليه الإمارات العربية المتحدة.
وسبق أن وضع المغرب 4 ضوابط لاستمرار التنسيق مع السعودية والإمارات، ويتمثل الضابط الأول في أن السياسة الخارجية مسألة سيادة بالنسبة للمغرب، وأن يكون التنسيق مع دول الخليج – خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة – وفق رغبة من الجانبين، فيما يؤكد المحدد الثالث أن التنسيق بين الطرفين يجب ألا يكون حسب الطلب، وأن تكون الرغبة في الحفاظ على هذه العلاقة من الجانبين ومتقاسمة، وإلا فسيكون من الطبيعي عدم استثناء أي من البدائل”، وفق قول وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في المغرب ناصر بوريطة.