العلاقات الأردنية السورية تتعثر بسبب مصير المعتقلين الأردنيين

ترجمة وتحرير: نون بوست
تبدّدت الآمال في إعادة إحياء العلاقات بين الأردن وسوريا، التي تدهورت إثر اندلاع الأزمة السورية سنة 2011، بسبب مصير المواطنين الأردنيين الذين اعتقلتهم السلطات السورية منذ إعادة فتح الحدود البرية خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وفي التاسع من أبريل/ نيسان، أعلنت وزارة الخارجية الأردنية أنها تلقت تأكيدات من سفارتها في دمشق بأن السلطات السورية ستطلق سراح ثمانية أردنيين. وجاء هذا الخبر بعد خمسة أيام من استدعاء القائم بالأعمال السوري في عمان للمرة الرابعة احتجاجًا على احتجاز الأردنيين الذين عبروا الحدود في وقت سابق. وفي العاشر من أبريل/ نيسان، أكدت الوزارة أنه وقع إطلاق سراح أربعة من أصل 55 أردنيًا محتجزين في سوريا.
تجدر الإشارة إلى أن آلاف الأردنيين قد عبروا الحدود في اتجاه سوريا منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في الوقت الذي تبادل فيه البلدان زيارات وفود برلمانية كمؤشّر إيجابي على تحسن العلاقات الثنائية بين البلدين. في الواقع، زار وفد برلماني مكّون من تسعة أعضاء العاصمة السورية دمشق، خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، والذي استقبله لاحقًا الرئيس، بشار الأسد. وفي 27 شباط/ فبراير، وصل وفد سوري من المشرعين إلى عمان للمشاركة في مؤتمر برلماني عربي. وكانت هذه أول زيارة يقوم بها مسؤولون سوريون للمملكة الهاشمية منذ سنة 2011.
يعتقد مراقبون أن عمان كانت تعمل بشكل سرّي للبحث في إمكانية عودة سوريا إلى الجامعة العربية قبل انعقاد القمة العربية في تونس في آذار/ مارس الماضي
فضلًا عن ذلك، هناك مؤشرات أخرى تعكس تحسّن العلاقات الأردنية السورية، بما في ذلك زيارة وفود تمثل رجال أعمال أردنيين لدمشق سعيًا لتوطيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، في حين أعلنت عمان في شهر كانون الثاني / يناير أنها تعمل على تعزيز وجودها الدبلوماسي في دمشق. وفي هذا الإطار، سمحت هيئة الطيران المحلية السورية في شهر شباط/ فبراير للطائرات المدنية الأردنية باستخدام المجال الجوي السوري.
في الأثناء، يعتقد مراقبون أن عمان كانت تعمل بشكل سرّي للبحث في إمكانية عودة سوريا إلى الجامعة العربية قبل انعقاد القمة العربية في تونس في آذار/ مارس الماضي. ويُعتقد أن اجتماعًا قصيرًا مرتجلًا استضافته المملكة الأردنية في 31 كانون الثاني/ يناير بحضور وزراء خارجية كل من مصر والسعودية والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة، للبحث في عودة سوريا المحتملة إلى الجامعة العربية، إلى جانب قضايا أخرى. لكن، في ظلّ وجود خلافات حول هذه القضية، فشلت المفاوضات للتوصّل إلى اتفاق لإيجاد حل لها.
على صعيد آخر، تسبب احتجاز الحكومة السورية لعدد من المواطنين الأردنيين الذين زاروا البلاد، في ممارسة ضغوط على الحكومة الأردنية، التي حاولت في البداية حل القضية بشكل سري. لكن، إثر تعرضها لضغوط شديدة من قبل الرأي العام، أصدرت وزارة الخارجية الأردنية بيانا شديد اللهجة، في الرابع من أبريل/ نيسان، دعت فيه نظيرتها إلى الإفراج الفوري عن أكثر من 30 أردنيًا محتجزًا. وحيال هذا الشأن، قال متحدث باسم وزارة الخارجية إنه في حال كانت الحكومة السورية تملك تحفظات بشأن أي مواطن أردني يرغب في دخول أراضيها، فيتعيّن عليها إعادته إلى الأردن، لكن السماح له بدخول البلاد ثم إلقاء القبض عليه يعتبر أمرًا غير مقبول على الإطلاق، خاصة وأن عدد المحتجزين آخذ في الارتفاع.
يعمل الأردن مع روسيا لوضع حد لمحنة الآلاف من اللاجئين المحاصرين في منطقة الركبان على الجانب السوري من الحدود مع المملكة الهاشمية
كما أكّد بيان الوزارة حقيقة أن العلاقات الأردنيّة السوريّة لا زال أمامها طريق طويل لتصبح طبيعيّة. الجدير بالذكر أن ما زاد الطين بلّة، هو رد فعل مشرع أردني موالٍ لسوريا، ويدعى طارق خوري، الذي هاجم حكومته في السابع من أبريل/نيسان، حين قال إن الحكومة السورية كانت على وشك إطلاق سراح 28 معتقلًا، لكن بيان الوزارة، الذي وصفه بأنه “غير دبلوماسي وسام”، قد أخّر هذه الخطوة.
علاوة على ذلك، قال خوري إن بعض المعتقلين، من بينهم أعضاء تابعون لتنظيم الدولة وآخرون يعملون أيضًا في قناة الجزيرة الإخبارية القطرية. في الحقيقة، لم ترِد أخبار عن مصير بقية المعتقلين الأردنيين منذ التاسع من أبريل/نيسان. لكن المحللين يعتقدون أن وضع العلاقات الثنائية مع دمشق قد تمت مناقشته خلال الزيارة التي أداها وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في السابع من أبريل/نيسان إلى عمان.
في الأثناء، يعمل الأردن مع روسيا لوضع حد لمحنة الآلاف من اللاجئين المحاصرين في منطقة الركبان على الجانب السوري من الحدود مع المملكة الهاشمية. كما يسعى الأردن للحصول على مساعدة موسكو لتسهيل عودة أكثر من 600 ألف سوري لجأوا إلى المملكة. من جانبهم، يأمل رجال الأعمال الأردنيين في الحصول على حصة من العقود التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لإعادة إعمار سوريا في المستقبل.
ذكر الكاتب السياسي، ماهر أبو طير، في جريدة “الغد” اليومية في 11 أبريل/ نيسان، أن الأردن يتحمل مسؤولية عدم تحذير مواطنيه من المخاطر المترتبة على زيارة سوريا
ينتظر الأردن إشارة إيجابية من الجانب السوري بشأن قضية المعتقلين. وفي هذا الشأن، صرّح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأردني، نضال الطعاني، لموقع “المونيتور” أن المملكة تتطلع إلى إقامة علاقات خاصة في جميع المجالات مع سوريا، لا سيما في هذه المرحلة الحساسة. مع ذلك، أكد على موقف الحكومة التي تعتبر قضية احتجاز الأردنيين بمثابة حجر عثرة رئيسي. كما أضاف أن عدد المعتقلين قد ارتفع منذ إعادة فتح الحدود.
من جانبه، ذكر الكاتب السياسي، ماهر أبو طير، في جريدة “الغد” اليومية في 11 أبريل/ نيسان، أن الأردن يتحمل مسؤولية عدم تحذير مواطنيه من المخاطر المترتبة على زيارة سوريا. وأضاف أبو طير أن النظام السوري لا يهتم بمصير أكثر من مليون سوري يعيشون في الأردن، فلماذا سيزعج نفسه بقضية بعض الأردنيين المحتجزين في سجونه؟ وقال الكاتب: “تتمثل الحقيقة في أن سوريا تكُن ضغينة ضد الأردن لاعتقادها أننا أيدنا الفوضى هناك … وتريدنا أن نركع طلبا للمغفرة”. واختتم أبو طير كلامه بالتأكيد على أن الأزمة تثبت أن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين سيستغرق وقتًا طويلاً.
المصدر: المونيتور