ترجمة وتحرير: نون بوست
تُعتبر سلطنة عُمان من الدول المميزة في منطقة الخليج، نظرًا لابتعادها عن الأزمات الإقليمية ولحفاظها على موقفها السياسي المحايد. وقد نجح النظام الحاكم في عُمان باحتضان التنوع المذهبي للشعب العماني، الذي تعيش جميع أطيافه بأمن وسلام. كما حظيت مجالات الطاقة والإنتاج والسياحة والمصادر البحرية باهتمام بالغ من سلطان عُمان، وانعكس ذلك أيضًا على المجال التعليمي الذي تقدّم وتطوّر بصورة كبيرة.
كان التعليم في سلطنة عُمان قبل 1970 منحصرًا تقريبًا على المجموعات الإسلامية وأنشطتها، ولهذا كانت الدولة حتى هذا التاريخ تضم 3 مدارس فقط في عمومها، وتضم 909 طالب فحسب من الذكور. لكن التطورات السياسية اللاحقة لهذا التاريخ انعكست بوضوح على التعليم في السلطنة، وذلك منذ وصول السلطان قابوس لسدة الحُكم، حيث قام بإصلاحات واسعة، وارتفعت نسبة الذين يتقنون القراءة والكتابة بصورة سريعة، لتصل إلى 31.4 بالمئة من البالغين، وتبلغ في سنة 1990، 54.7 بالمئة في أوساط البالغين، و97.3 بالمئة في أوساط الشباب.
تشكل نفقات التعليم في عُمان 5.01 بالمئة من مجمل الإنفاقات العامة في الدولة، والتي تُقدم التعليم بصورة مجانية للجميع
تزامن هذا التقدم الهائل في المجال التعليمي في سلطنة عُمان، مع ارتفاع دخل الدولة من مصادر الطاقة لديها، أُسوة ببقية دول الخليج في تلك الفترة، حيث دعمت الدولة العُمانية نظام التعليم الحديث، من أجل زيادة مستوى الثقافة والتعليم، وكذلك تلبية حاجة الدولة من موظفين مؤهلين لتقديم الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية وغيرها. وتجسّد دعم الدولة العُمانية لنظام التعليم في بناء عدد كبير من المدارس حتى 1995، لكن السلطان قابوس لم يكتف بهذا بل بدأ بحملة في 1995 تحت شعار “لنعلّم أبنائنا حتى لو تحت ظل شجرة”. وبدأ باستقطاب المعلمين الوافدين من مختلف الدول من أجل تعليم أبناء السلطنة، وتطوير مستوياتهم التعليمية، وتجهيزهم لقيادة الوظائف العمومية والخاصة في البلاد.
تشكّل نفقات التعليم في عُمان 5.01 بالمئة من مجمل الإنفاقات العامة في الدولة، والتي تُقدم التعليم بصورة مجانية للجميع. وحسب إحصائيات 2015، بلغت نسبة انتظام الأطفال في الروضات والحضانات والمرحلة التعليمية ما قبل المدرسة 75.4 بالمئة، ووصل عدد الطلبة في المدارس الابتدائية إلى 350.544 طالب وطالبة، في حين بلغ عدد طلبة المدارس الإعدادية 286.900 طالب. ويوجد في عموم السلطنة 1647 مدرسة، يبلغ عدد المدرسين فيها 67.901 معلمًا، منهم 9 آلاف معلم أجنبي. ويبلغ مجموع الطلبة فيها 724.395 طالبا وطالبة، بينما يدرس 65 ألف طالب في المدارس الخاصة.
ترى وزارة التربية والتعليم العمانية أنّ رسالتها وأهدافها الأساسية تكمن في إنشاء وحماية الهوية الخاصة بأهل عُمان، والمحافظة على الوحدة الوطنية، وتعزيز مبادئ الانتماء للوطن، وتحقيق العدالة المجتمعية، ودعم وتحفيز السلام العالمي، وتلبية حاجات العالم المتحضر، وتجاوز الصعاب، وتطوير المجتمع العماني، ودمج ذلك بمفاهيم الإيمان الإسلامي وتقديم الإضافة والمنفعة للعالم الإسلامي.
تضم سلطنة عُمان ما يزيد عن 50 مؤسسة خاصة وعامة من مؤسسات التعليم العالي
شملت عملية إصلاح النظام التعليمي في السلطنة التي قادها السلطان قابوس، إعادة تشكيل النظام الإلزامي ليُصبح من مرحلتين؛ الأولى التعليم الابتدائي ومدته 4 سنوات، والثاني التعليم الإعدادي ومدته 6 سنوات، بما مجموعه 10 سنوات من التعليم الإلزامي، على أنْ يشمل التعليم الابتدائي دروس اللغة العربية والانجليزية والعلوم، والعلوم الإسلامية والرياضيات والاجتماعيات والتربية البدنية والفنون وغيرها. ومنذ العام التعليمي 1998-1999، أصبحت اللغة الإنجليزية مادة إلزامية في جميع المدارس الابتدائية. وامتازت المدارس في عهد السلطان قابوس بتجهيزات مميزة من المختبرات العلمية ومختبرات الحاسوب والصالات وغيرها.
التعليم العالي
تضم سلطنة عُمان ما يزيد عن 50 مؤسسة خاصة وعامة من مؤسسات التعليم العالي. ومعظم هذه المؤسسات تُدار عبر وزارة التعليم العالي، لكن بعضًا منها يُدار عبر وزارة الصحة. ويوجد في عُمان 5 جامعات حكومية على رأسها جامعة السلطان قابوس. وتضم السلطنة أيضًا بعض المعاهد التي تعتبر فروعًا معترفًا بها لكليات ومعاهد في الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وغيرها من الدول. وتُقدم هذه الكليات التعليم الجامعي في مجالات الهندسة والطب والعلوم والتكنولوجيا.
كما حرصت وزارة التعليم العالي على ابتعاث طلبة عُمانيين إلى دول أستراليا ونيوزلندا وأمريكا وفرنسا وانجلترا وألمانيا. وتُقدم الدولة التغطية المالية للجامعات التابعة لها، وتُساهم في دعم موازنات الجامعات الخاصة بما لا يزيد عن 50 بالمئة من موازناتها العامة. ونظام التعليم في الجامعات والكليات في سلطنة عُمان هو نظام تعليمي مختلط، غير أنّ الدولة العُمانية أنشأت بعض المعاهد والكليات، وخصوصًا في ولايتي عبري والرستاق، لتكون للإناث فقط، وذلك بهدف تحفيز الأهالي لتعليم البنات في المدارس، ذلك أن هناك معاهد غير مختلطة بإمكانهن تكملة مسيرتهن التعليمية فيها.
تضم السلطنة عددا من المدارس والكليات والمعاهد والجامعات الأجنبية، لا سيما من دول الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وكندا، وغيرها من الدول الغربية
ارتفعت أعداد الجامعات والكليات الأجنبية في السلطنة، وحفزت السلطنة الكثير من الدول لإنشاء المعاهد والكليات في بادئ الأمر. لكن ذلك قد يدفع السلطنة لاحقا لاختيار موظفي الدوائر الرسمية فيها من خريجي هذه الكليات، أكثر من اختيارهم لخريجي المعاهد والكليات والجامعات العُمانية. وهذا يعني أنّ الإصلاحات التي أطلقها السلطان قابوس في السلطنة قد تقود البلاد في المستقبل إلى مكان مُختلف.
تضم السلطنة عددًا من المدارس والكليات والمعاهد والجامعات الأجنبية، لا سيما من دول الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وكندا، وغيرها من الدول الغربية. ويصل مجموع عدد الطلبة الذين يدرسون فيها إلى نحو 65 ألف طالب. كما أنّ العلاقات الخاصة التي تربط سلطنة عُمان بإيران جعلت الأخيرة تحظى بمكانة خاصة في التعاون المتبادل في مجال التعليم.
برنامج “التعمين”
سعت الدولة في عُمان بعد الاستقلال إلى قيادة مشاريع عدة من أجل تعزيز هويتها وبناء هويتها الوطنية، مثلما فعلت الكثير من الدول الخليجية الأخرى. ورغم استقطاب الدولة للكثير من الوافدين في مجالات الصحة والتعليم وغيرها، غير أنّ السلطنة أيضًا اتجهت في السنوات الأخيرة لمواجهة الأعداد الكبيرة من العمالة الأجنبية فيها، من أجل فتح الطريق أمام العمالة العُمانية للحصول على الوظائف، وخصوصًا في قطاع التعليم. وقد بدأت السلطنة في اتخاذ تعديلات وإجراءات تتعلق بزيادة أعداد المعلمين العمانيين.
كما قرر السلطان قابوس البدء بمشروع “التعمين” الذي يستمر 20 عامًا من أجل مواجهة أعداد السكان الكبير من الوافدين والأجانب. وقد طُبق هذا المشروع أيضًا على القطاع الخاص، وذلك بعد أن كان الوافدون الأجانب يعملون في جميع دوائر الدولة العمانية بما فيها طواقم العمل رفيعة المستوى في الدولة، ولهذا قرر السلطان قابوس منح الموظفين العمانيين الأولوية للتدريس في الجامعات والمدارس وغيرها.
تمخضت نتائج مشروع “التعمين” إلى أن أصبح على الأقل 90 بالمئة من الموظفين في القطاع المصرفي والمالي من العُمانيين، كما أصبح 80.46 بالمئة من المعلمين في النظام التعليمي من العُمانيين أيضا
تهدف خطة السلطان قابوس إلى تحسين الموارد البشرية العُمانية وتطويرها حتى 2020، والعمل بعد ذلك على تحقيق خطة تنمية تستمر لمدة 5 سنوات، والهدف النهائي من هذا المشروع هو استبدال الموظفين الأجانب ذوي المؤهلات العليا بآخرين من مواطني سلطنة عُمان بعد أن يكتسبوا المؤهلات والخبرات ذاتها. ومن أجل تحقيق ذلك، تم تطوير العديد من آليات العمل التي تهدف إلى زيادة القوى العاملة من الشعب العُماني، وخصوصًا من العنصر النسوي.
يضم المشروع أيضًا العمل بعد ذلك على تحقيق التنمية في القطاعات الأخرى غير قطاع البترول، مثل قطاع السياحة وغيره، وتوسيع عملية التخصيص التي بدأت عام 1994، وتقليل النفقات العامة، وزيادة فرص العمل للأيدي العاملة من المواطنين العمانيين، وتقديم الدعم للطلبة، وتقليل أعداد الموظفين من الوافدين والأجانب. ولهذا، فإنّ حملة الإصلاحات التي قادها السلطان قابوس في مجال التعليم، وخصوصًا منذ 1998، دفعت لوجود موظفين عمانيين مؤهلين للقيام بالأعمال في مختلف القطاعات، وهذا دفع بضرورة إيجاد إصلاحات جديدة تلبي حاجات هذه الأيادي العاملة.
عملت السلطنة على إنشاء مراكز التعليم الشعبي، وذلك لتدريس المدنيين من كبار السن وغير الحاصلين على التعليم
تمخضت نتائج مشروع “التعمين” إلى أن أصبح على الأقل 90 بالمئة من الموظفين في القطاع المصرفي والمالي من العُمانيين، كما أصبح 80.46 بالمئة من المعلمين في النظام التعليمي من العُمانيين أيضًا. كما أعلنت وزارة الصحة العالمية أن سلطنة عُمان تحتل المرتبة الثامنة في العالم من حيث الخدمات الطبية. وتشير إحصائيات 2007 إلى أن كل 1000 مواطن عُماني لديه 1.8 طبيب، وهذه النسبة تُعتبر من أفضل النسب في المنطقة. وقد كانت نسبة العمالة الأجنبية في المجال الطبي مرتفعة جدا في السلطنة، لكن تحفيز الطلبة العُمانيين على الدراسة في المجال الطبي، من خلال إرسالهم للتحصيل الجامعي في أمريكا وانجلترا وأستراليا وكندا، جعل هذه النسبة تقل.
التعليم الشعبي
تعمل سلطنة عُمان أيضًا على تعزيز التعليم لمختلف فئات الشعب، فبالإضافة للجامعات والمداس والمعاهد، عملت السلطنة على إنشاء مراكز التعليم الشعبي، وذلك لتدريس المدنيين من كبار السن وغير الحاصلين على التعليم. وتعمل هذه المدارس على تعزيز الانتماء للسلطنة وللسلطان قابوس، بالإضافة لتقديم دروس التاريخ والجغرافيا والإدارة وغيرها. وتهدف هذه المراكز أيضًا لتعزيز وعي المواطنين حول احترام القوانين، واحترام حق المواطنة والقيام بواجباتها، بالإضافة لتعزيز الانتماء للوطن العربي والإسلامي، وزيادة الوعي فيما يتعلق بالمجتمع الدولي والعلاقات الدولية.
المصدر: مركز هيئة الإغاثة الإنسانية للبحوث الإنسانية والاجتماعية (إنسامر)