هذه المرة يختلف الأمر عن كل مرة أكتب فيها عن صديقي “عبدالله الشامي”، مراسل الجزيرة المعتقل في حبس احتياطي مستمر منذ منتصف أغسطس الماضي، والمضرب عن الطعام كليًا منذ 114 يومًا كاملاً.
هذه المرة أكتب بعد أن علمت أن “عبدالله” يُعاني من تداعيات خطيرة، قبل أن يُختطف من زنزانته إلى جهة غير معلومة بعد 111 يومًا من إضرابه الذي أدى به لأن يعاني فقرًا شديدًا في الدم واختلالاً في وظائف كُليتيه وانخفاض في عدد كرات الدم الحمراء، وهو ما ينذر بخطر شديد يهدد حياته.
هذه المرة أكتب بعد أن علمت أن “جهاد خالد” عروسه التي لم تجتمع معه منذ زواجهما سوى ثلاثة أشهر قبل عام ونصف تخللها انقلاب وعمل مضنٍ واعتقال وإضراب، قد نُقلت إلى المستشفى بعد أن شاركت زوجها إضرابه لستين يوما كاملة بدأتها في الرابع عشر من مارس الماضي!!
“عبدالله” مراسل الجزيرة في غرب أفريقيا والذي يرى نفسه أهلاً للعمل في مواطن النزاع، عمل في ليبيا إبان الثورة ضد ديكتاتورها معمر القذافي، وعمل في مالي وقت الغزو الفرنسي، وعمل في نيجيريا حيث محل إقامته متابعًا “إرهابيي نيجيريا” جماعة بوكو حرام وعمليات الجيش ضدهم وعملياتهم ضد الجيش، وسافر إلى تركيا ليعمل على الحدود السورية قبل أن يعود إلى مصر ليغطي الانقلاب الذي قاده الجيش. “عبدالله” الذي لم يخش أن يمارس عمله بمهنية ورباطة جأش يُحسد عليها في أخطر بقاع العالم -حرفيًا-، على وشك أن يموت في سجون الحاكم العسكري المصري.
يمكننا الحديث طويلاً عن عمل “عبدالله” الصحفي، وعن عدم جواز اعتقال الصحفيين أو تعذيبهم، لكن الأمر لا يتعلق بالعمل الصحفي أبدًا هذه المرة. إن الاعتقال هذه المرة هو أمر مرتبط ارتباطًا شرطيًا بحكم العسكر، وبفساد منظومة العدالة المصرية وانهيارها عن بكرة أبيها، إن اعتقال عبدالله وأمثاله ليس لأن عبدالله صحفي، أو لأنه ينقل الحقيقة، أو لأنه كان صوتًا لمن لا صوت له في وقت غاب فيه العقل، لقد اعتُقل عبدالله ببساطة لأن هذا هو ما يفعله العسكر، اعتقال الناس -تحديدا- هو ما تعرف الدولة العسكريه أن تفعله.
إن مؤسسات الدولة المصرية التي تتحكم فيها طائفتي الشرطة والجيش تدركان أن الإفراج عن “عبدالله” سيكون هزيمة لهم، هزيمة أمام الحقيقة، هزيمة الدبابة أمام الأعزل، تراجع “أبو الدبورة والنسر والكاب” أمام “أبو الكاميرا والمايكروفون”، إن الإفراج عن عبدالله يعني سقوط الرواية التي حشتها السلطات في عقول المصريين على مدار الأشهر السابقة، إن الإفراج عن عبدالله – باختصار – يعني سقوط حكم العسكر.
الغريب أن “عبدالله الشامي” ليس متهمًا بشيء ذي بال، وكل الاتهامات ضده سهلة التفنيد وسريعة الدحض أمام أي نظام قضائي عادل غير منحاز، وهو ما لا ينطبق على قضاء مصر وقضاتها. هذا هو سبب حبس عبدالله الاحتياطي وعدم عرضه على القضاء -رغم سيطرة العسكر على المنظومة العدلية من أدناها لأعلاها- طوال هذه المدة التي تدخل -اليوم- شهرها العاشر!
يمكنني أن أهتف “الحرية لمعتقلي الجزيرة”، أو “الحرية للصحفيين”، أو “الحرية لعبدالله”، لكن هذا النظام يعلم يقينًا أن الإفراج عن عبدالله هزيمة له، ومع ذلك فإن هذا النظام لابد أن يعلم أن عبدالله قد انتصر بالفعل! عبدالله في آخر رسائله إليها كتب يقول “يا جهاد ، لقد أصبحت شخصًا تخشاه دولة، وهذه أولى علامات الانتصار”.
أما نحن، أصدقاء المعتقلين ورفاقهم، فسواء خرج “عبدالله الشامي” قريبًا أم لا، فإننا سنعمل على أن نُتم انتصار عبدالله وهزيمة هذا النظام. سنهزمه، إنها مسألة وقت فقط .. ككل شيء آخر.