أعاد أمر العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بتنظيم الانتخابات في صفوف الهيئات التمثيلية للجماعات اليهودية المغربية التي تعنى بأوضاع فقراء وأوقاف معتنقي هذه الديانة السماوية، يهود المغرب إلى الواجهة، فماذا تعرف عنهم؟
انتخابات بعد 50 عامًا
أمر الملك الأخير جاء بعد 50 سنة من انتخابات الطائفة اليهودية بالمغرب سنة 1969، وقال بلاغ وزارة الداخلية: “أمير المؤمنين الملك محمد السادس أعطى تعليماته السامية لوزير الداخلية قصد تنظيم انتخابات الهيئات التمثيلية للجماعات اليهودية المغربية التي لم تجر منذ سنة 1969”.
وأوضح البلاغ أن العاهل المغربي طالب وزير الداخلية بأن يحرص مستقبلاً على ضمان احترام تجديد هذه الهيئات بشكل دوري طبقًا لمقتضيات ظهير (قانون يصدره الملك) 7 من مايو/أيار 1945 المتعلق بإعادة تنظيم لجان الجماعات اليهودية.
يتوزع اليهود بين أكبر المدن التاريخية المغربية كمراكش والصويرة، كما عمّروا العديد من المدن الصغرى مثل صفرو
يقضي الظهير المتعلق بإعادة تنظيم لجان الجماعات اليهودية، في فصله الأول، بأن “اختصاصات لجان الجماعات الإسرائيلية المغربية هي مساعدة الفقراء، وإن اقتضى الحال تدبير الأوقاف الإسرائيلية ويمكن لتلك اللجان ما عدا ذلك السهر على تدبير الشؤون الدينية وإبداء آراء في ذلك مؤيدة بأسبابها وتقدير اقتراحات في جميع المسائل التي تهم جماعتها”.
فيما يتطرق الفصل الثاني إلى تأليف لجان الجماعات الإسرائيلية المغربية، حيث تتألف من “رئيس المحكمة الإسرائيلية أو من الحاخام المفوض المحلي ومن أعيان إسرائيليين مغربيي الأصل يقع تعيينهم بعد انتخاب سري يقع تنظيمه تحت مراقبة الولاة الإداريين المحليين”.
وتتشكل هذه الهيئات التمثيلية للجماعات اليهودية المغربية من الحاخام المفوض المحلي وأعيان يهود مغاربة الأصل يتم تعيينهم بعد انتخابات سرية يقع تنظيمها تحت مراقبة الولاة الإداريين المحليين، ويشارك فيها الأعيان الذين يتبرعون بهبات لصندوق اللجنة الخيري ومدبرو أماكن الصلاة اليهودية بالمغرب، ولا يمكن أن يشارك في هذه الانتخابات إلا اليهود مغاربة الأصل.
تاريخهم وتوزيعهم الجغرافي
بدأ قدوم اليهود إلى المغرب، وفق مراجع تاريخية، مباشرة عقب خراب الهيكل الأول عام 586 قبل الميلاد، وتوالت بعد ذلك الهجرات، وكانت أقواها ما حصل بعد ظهور علامات النفي والترحيل والطرد لليهود والمسلمين من الأندلس في 1492 والبرتغال في 1497.
احترف اليهود عند قدومهم للمغرب أغلب المجالات الاقتصادية والتجارية خاصة تجارة الرفاهيات والرقيق، ولم يكن الاستقرار اليهودي مسألة عابرة بل إن ملاحقة القوى الأجنبية لهم جعلتهم يعددون مواطن استقرارهم واختلطوا مع القبائل الأمازيغية بالمغرب في الجبال حتى تهوّد أفراد بعض هذه القبائل.
ويتوزّع اليهود بين أكبر المدن التاريخية المغربية كمراكش والصويرة، كما عمّروا العديد من المدن الصغرى مثل صفرو (ضواحي فاس) ودمنات (شرق مراكش) ووزان وتنغير (قرب الراشيدية)، وكانوا يتجمعون في أحياء سكنية خاصة يطلق عليها اسم الملاح.
يضم المغرب العديد من المزارات اليهودية
في العقود الأخيرة، عرف وجود اليهود في المغرب تراجعًا كبيرًا، حيث هاجر الكثير منهم إلى “إسرائيل”، فيما فضّل بعضهم الاستقرار في فرنسا، وهاجرت فئة إلى كندا وأخرى أقل إلى إسبانيا، وهو ما جعل عدد الباقين منهم يتراجع إلى نحو 20 ألف نسمة بداية ثمانينيات القرن الـ20، وهم اليوم أقل من 6 آلاف نسمة (المقيمين بشكل دائم)، ومع ذلك فإن يهود المغرب ما زالوا يشكلون أكبر تجمع يهودي في البلدان العربية.
واعترف دستور 2011 في مقدمته لأول مرة بالعنصر اليهودي كأحد مكونات الثقافة المغربية، وجاء في تصديره “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة (…)، وغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”.
تديّن ومزارات عديدة
يتسم غالبية اليهود المغاربة بتديّنهم والتزامهم بمعتقدات التوراة والتلمود، وقد أصدر صامويل يوسف بنعيم في 1980 دراسة مفصلة عن مراسم ما يزيد على 50 هيلولة مرتبطة بمواسم الأولياء اليهود في المغرب التي تبرز حالة السعي اليهودي في المغرب للتماهي مع القديسين وتجديد هذا السعي سنويًا.
و”الهيلولة” تحريف عامي لإحدى اللازمات كثيرة الورود في مزامير داوود، وهي “هاليلو يا” ومعناها “سبحوا لله”، إذ إن مُجمل اليهود المغاربة كانوا أميين يرددون تعبيرات عبرانية في بعض المناسبات دون أن يفقهوا معانيها، فيحرّفون لفظها أحيانًا كما يفعل غالبة الأميين.
فيما أحصت دراسات بن عامي إسشار التي ركزت على ظاهرة أولياء وقديسي اليهود المغاربة، وجود 652 وليًا ضمنهم 126 مشتركًا بين المسلمين واليهود و15 وليًا مسلمًا يقدسه اليهود و90 وليًا يهوديًا عند المسلمين، ويتنازعون في 36 وليًا كل ينسبه إليه.
لليهود المغاربة مزارات عديدة ومدافن مقدسة ومعابد في عدد من القرى والمدن المنتشرة في المملكة، من تنفو في ضواحي زاكورة (جنوب شرقي المغرب) إلى أوريكة (جنوب مراكش) إلى وجان (ضواحي أغادير)، والصويرة.
من أهم الشخصيات التي يعتمد عليها المغرب، فضلاً عن أندري أزولاي مستشار الملك نجد بتريك درايي الذي يعتبر المالك الجديد لشركة “إس إف أر” (SFR) للاتصالات الفرنسية
يحجّ اليهود المغاربة إلى موسم “رابي حايم بينتو” (أحد أشهر الحاخامات اليهود السفرديم في مدينة الصويرة المغربية في القرن 18 الميلادي)، فضلاً عن موسم ضريح “أولاد بن زميرو” في آسفي، وموسم “دافيد بن باروخ” الواقع في مدنية تارودانت جنوب المغرب، وموسم “رابي عمران بن ديوان” في مدنية وزان شمال المملكة، وهيلولة إسحاق بن الوليد (مدينة تطوان) الذي يلقب بـ”العادل”.
تتميز أغلب هذه المواسم الدينية بتلاوة التوراة، كما تتميز أيضًا بتنظيم مزاد علني لبيع الشمع، يصل فيه سعر الشمعة الواحدة لآلاف الدولارات، اعتقادًا منهم أنها تحتوي على بركة أولئك الأولياء، وتخصص عائدات المزاد لتشييد منازل وفنادق لإيواء زوار الأضرحة.
متحف لحفظ الذاكرة اليهودية
تضم مدينة الدار البيضاء متحفًا يهوديًا تابعًا لـ”مؤسسة التراث اليهودي المغربي”، أسسه الكاتب والسياسي المغربي اليهودي الديانة شمعون ليفي (1934 – 2011) على أنقاض دار لليتامى اليهود، مع شخصيات يهودية أخرى.
ويعمل القائمون على المتحف منذ تأسيسه سنة 1996 على جمع كل ما يرتبط بالثقافة اليهودية في خصوصيتها المغربية، وبإمكان زائر هذا المتحف اكتشاف هذه الثقافة عبر أروقة متنوعة، حيث يعرض المتحف صورًا لأهم الأديرة اليهودية التي تم ترميمها في مدن شمال ووسط وجنوب المغرب إضافة إلى محاريب خشبية خاصة بالصلاة اليهودية.
كما يضم أيضًا أروقة للحلي والألبسة التقليدية ولفافات التوراة وأغطيتها القديمة المطرزة بالذهب، إلى جانب مختلف أدوات الصلاة اليهودية والحرف التقليدية وتقاليد الزواج والزينة اليهوديين، فضلاً عن المعروضات المادية.
لوبي يهودي مغربي في فرنسا
يمتلك المغرب نفوذًا كبيرًا في فرنسا، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى اللوبي اليهودي المغربي المقيم هناك، ويعتبر يهود المغرب من خلال جمعيتهم المسماة “ودادية يهود المغرب” من أقوى التنظيمات التي تسيطر على “المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية” بفرنسا (الكريف) من حيث اللوبي المالي والسياسي فيها، حيث يعتبر أندري أزولاي مستشار ملك المغرب محمد السادس، أحد أقوى رجالات الجمعية بسبب تمويله بنسبة معتبرة من الأموال لخزينة المنظمة.
يتمتع يهود المغرب بمكانة كبيرة في فرنسا
من أهم الشخصيات التي يعتمد عليها المغرب، فضلاً عن أندري أزولاي مستشار الملك نجد بتريك درايي الذي يعتبر المالك الجديد لشركة “إس إف أر” (SFR) للاتصالات الفرنسية وهي من أكبر الشركات الفرنسية ولها تأثير قوي على رجال السياسة، وباتريك درايي يهودي من أصول مغربية (لديه الجنسية المغربية والإسرائيلية ) ويعتبر خامس كبار الأثرياء في فرنسا، وساهم في نقل فروع شركة (إس إف أر) إلى المغرب.
ونجد أيضًا، بارنارد موراد، وهو يهودي من أصول مغربية، يعمل في مجال الإشهار والنشر، وكان له دور كبير إلى جانب باتريك دراي في الحملات الانتخابية للحزب الاشتراكي ودور في الإشراف على تسيير حملة الرئيس الفرنسي السابق هولاند خلال ترشحه في الرئاسيات، ولهما علاقات كبيرة مع مانويل فالس رئيس الحكومة الفرنسية السابق.
شخصيات يهودية مغربية
أبرز هؤلاء في الوقت الحاليّ هو أندري أزولاي الذي ينحدر من مدينة الصويرة، ويعمل مستشارًا خاصًا للملك محمد السادس، كما عمل مستشارًا للملك الحسن الثاني، ونجد أيضًا الكاتب والسياسي شمعون ليفي الذي توفي في ديسمبر/كانون الأول 2011، الرباط.
ومن أهم الشخصيات اليهودية المغربية، أيضًا، المناضل اليساري إبرهام السرفاتي، من مدينة الدار البيضاء، ومن مدينة مكناس السياسي البارز سيرج بيرديغو الذي يشغل منصب السفير المتجول للملك محمد السادس، ويعمل أيضًا أمينًا عامًا لمجلس الطائفة اليهودية بالمغرب والعالم.
يتهم الكيان الإسرائيلي المغرب باضطهاد اليهود وطردهم من مساكنهم وممتلكاتهم، حتى إنه طالب في الفترة الأخيرة المملكة المغربية بدفع أموال بدعوى “طرد اليهود والاحتفاظ بممتلكاتهم”
من الشخصيات اليهودية التي هاجرت إلى “إسرائيل” نجد عمير بيرتس الذي شغل منصب وزير الجيش ونائب رئيس الوزراء بين 2006–2007، ويشغل منذ سنة 2013 منصب وزير حماية البيئة، ولد بيرتس بمدينة أبي الجعد بالمغرب، وكان والده يقود الطائفة اليهودية.
كما فضّل شلومو بن عمّي الذي ولد في مدينة “أصيلة” سنة 1943، الهجرة إلى “إسرائيل”، وأصبح سفيرًا للاحتلال الإسرائيلي في إسبانيا، وفي سنة 1996 انتخب عضوًا في الكنيست الإسرائيلي ضمن قائمة حزب العمل، وفي 1999 عُين وزيرًا للأمن الداخلي في حكومة إيهود باراك كمسئول عن الشرطة الإسرائيلية، وفي سنة 2000 أصبح وزيرًا للخارجية.
ضمن هذه الشخصيات نجد أيضًا دافيد ليفي الذي وُلد في مدينة الرباط بالمغرب سنة 1937، وهاجر إلى “إسرائيل” عام 1957، وشغل مناصب وزارية عديدة منها وزارة الخارجية ونائب رئيس الوزراء الإسرائيلي استمر نشاطه السياسي منذ الستينيات حتى عام 2006.
اتهامات إسرائيلية للمغرب
يتهم الاحتلال الإسرائيلي المغرب باضطهاد اليهود وطردهم من مساكنهم وممتلكاتهم، حتى إنه طالب في الفترة الأخيرة المملكة المغربية بدفع أموال بدعوى طرد اليهود والاحتفاظ بممتلكاتهم، غير أن هذا الأمر جوبه بالرفض من اليهود المغاربة القاطنين في المملكة إلى اليوم.
عقب هذا الطلب راسل سام بنشريتي رئيس الاتحاد العالمي لليهود المغاربة، ما يطلق عليه “وزارة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية” مطالبًا إياها بـ”الكف عن الترويج للأكاذيب”، معتبرًا أن الأمر يتعلق بادعاءات لا أساس لها من الصحة.
هاجر عشرات آلاف اليهود المغاربة إلى “إسرائيل”
طالب بنشريتي من “إسرائيل” حذف المغرب من قائمة البلدان التي تقول تل أبيب إنها طردت اليهود واستولت على ممتلكاتهم، موضحًا “اليهود المغاربة لطالما كان مرحبًا بهم في المملكة، ومئات آلاف الإسرائيليين زاروا المغرب بالفعل كسياح واستقبلوا بالدفء والضيافة”.
وأضافت الرسالة “المغرب لم يطرد اليهود من بلادهم ولم يستول أبدًا على ممتلكاتهم، بل إن نحو 300 ألف يهودي غادروا البلاد عام 1960 وتركوا وراءهم آلاف الأماكن مثل المعابد والمقابر وأرشيف مهم، وتعمل السلطات المغربية إلى حد اليوم على حماية ذلك على حسابها”.
يتأكد من خلال هذه الرسالة رفض يهود المغرب للادعاءات والاتهامات الإسرائيلية ضد بلادهم، إلا أن العديد من المراقبين يرون أن هذا لا يعدو أن يكون مجرّد كلام فقط، فولاؤهم تام للكيان الإسرائيلي ويتجلى ذلك من خلال إشرافهم على عمليات التطبيع بين “إسرائيل” والمغرب.