ترجمة وتحرير: نون بوست
أثناء انسحاب وحدتهم من شمال غزة أواخر العام الماضي، قام جنود احتياط من الكتيبة 9208 التابعة للواء النقب في الجيش الإسرائيلي بقصف منطقة سكنية بقذائف الدبابات ونيران الرشاشات.
ونشر جندي من الوحدة مقطع فيديو على فيسبوك يُظهر القصف الذي استمر أربع دقائق، وكتب في المنشور “قصف الوداع”، مصحوبًا بأربعة رموز تعبيرية للنيران.
“من الآن فصاعدًا، سيفهم أي شخص يريد العبث معنا أن هذه هي النتيجة”، هكذا يحذر صوت في الفيديو قبل إعطاء الأمر بإطلاق النار.
على مدار 14 شهرًا منذ أن بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه على غزة، أظهرت مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية قيام قواته مرارًا وتكرارًا بهدم مبانٍ بأكملها، بما في ذلك المنازل والمدارس، بالإضافة إلى نهبها وإحراقها، وتظهر صور أخرى الجنود الإسرائيليين يقفون بجانب جثث القتلى ويوجهون الدعوات إلى إبادة الفلسطينيين وطردهم.
يتخلل العديد من هذه الصور موضوع الانتقام من غزة بسبب هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 الذي قادته حماس، وهو اليوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل، حيث نشرت حماس مقاطع فيديو للهجوم الذي شنته مقاتلوها على إسرائيل.
ونشر الجنود الإسرائيليون آلاف الصور ومقاطع الفيديو من ساحة المعركة، وسجلوا ممارساتهم وبثّوها على وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم أن الجيش الإسرائيلي أمر قواته بعدم تصوير ونشر مقاطع الفيديو “الانتقامية”، إلا أنها استمرت في الظهور على الإنترنت طوال فترة الحرب. والنتيجة هي مخزون هائل يقدم صورة نادرة ومقلقة عن سلوك بعض عناصر الجيش الإسرائيلي خلال واحدة من أكثر الحروب فتكًا وتدميرًا في الذاكرة الحديثة.
تحققت صحيفة واشنطن بوست من أكثر من 120 صورة ومقطع فيديو للحرب في غزة نُشرت بين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وأكتوبر/ تشرين الأول 2024، ومعظمها صور التقطها جنود أو نشروها على حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، وتظهر هذه الصور جنودًا يفجرون أو يشعلون النار في المباني – وغالبًا ما يحتفلون بالتدمير – ويحتلون المباني المدمرة، ويسخرون من الفلسطينيين ويدعون إلى إعادة الاستيطان الإسرائيلي في غزة، كما أجرت الصحيفة مقابلات مع سبعة جنود حول تجاربهم في غزة ودققت في تصريحات المسؤولين.
تشير الصور وروايات الشهود مجتمعةً إلى ارتكاب بعض الجنود تجاوزات في ساحة المعركة، وقال الجنود في بعض الحالات – مثل إحراق المنازل – إنهم كانوا ينفذون أوامر مباشرة.
وقال آسا كاشر، وهو بروفيسور ساعد في كتابة مدونة أخلاقيات الجيش الإسرائيلي التي تنص على أن الجنود يجب أن يتصرفوا بمهنية وانضباط، والذي شاهد مقاطع الفيديو التي تحققت منها صحيفة واشنطن بوست: “إنه انهيار ليس فقط في الانضباط العسكري، بل في فهم ما يتطلبه تمثيل الجيش الإسرائيلي وإسرائيل”.
أرسلت الصحيفة مقاطع الفيديو التي تم التحقق منها إلى الجيش الإسرائيلي، وأكد أنه اتخذ “إجراءات تأديبية” مع بعض الجنود المتورطين بسبب الحوادث التي “انحرفت عن قيم ومبادئ الجيش الإسرائيلي وتعارضت مع اللوائح”، ولم يقدم المزيد من التفاصيل. وقال الجيش الإسرائيلي إنه إذا كان هناك اشتباه في سوء سلوك جنائي، يتم إحالة الجنود إلى الشرطة العسكرية، واصفاً مثل هذا السلوك بأنها “حوادث معزولة”.
حاول الجيش فرض قيود صارمة على نشر مقاطع الفيديو المثيرة للجدل وسط مخاوف من أنها قد تدعم التحقيقات الجارية ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وفي رسالة إلى قيادات الجيش في فبراير/ شباط، حث رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي الجنود على عدم النهب أو “تصوير مقاطع فيديو انتقامية“.
وظهر عدد أقل من المنشورات التي تحتوي على مثل هذه الصور على الإنترنت في الأشهر الأخيرة، لكن صورا ومقاطع جديدة مازالت تُنشر.
وقال بعض الجنود الذين تحدثوا إلى الصحيفة إن تصرفات زملائهم جعلتهم غير مرتاحين؛ حيث قال يوفال غرين، وهو مسعف عسكري يبلغ من العمر 26 عامًا تم تجنيده في خان يونس لمدة شهرين في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إنه رأى جنودًا يدفعهم التعصب الديني أو الرغبة في الانتقام، وفي كثير من الأحيان، كانوا على علاقة بأشخاص قُتلوا على أيدي مقاتلي حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
وقال المسعف إن تلك العوامل “كانت تدفعهم إلى تخريب غزة، كانوا يريدون إحداث الدمار”، مضيفًا أن تلك الممارسات كان يُفترض أن تخدم أهدافًا عسكرية، ولكن “كل شيء اختلط” بالعاطفة.
هذا ما أكده أيضا ميخائيل زيف، 29 عامًا، الذي خدم كجندي احتياط في لواء القدس الملحق بوحدة متمركزة في محور نتساريم، وهو الخط الفاصل الذي يقسم غزة إلى قسمين، وقال: “تشعر بهذه الرغبة القوية جدّا في الانتقام من الجميع”.
وأضاف أن لوائح الانضباط التي من المفترض أن تحاسب الجنود “لا تعمل”، وقال كل من زيف وغرين إنهما لن يعودا إلى الخدمة العسكرية في غزة بعد السلوك الذي شاهداه هناك، وقال غرين إنه يعتقد أن مثل هذا السلوك شيء مرفوض، تماما مثل عنف مسلحي حماس.
وقال الخبراء القانونيون الذين راجعوا مقاطع الفيديو التي جمعتها الصحيفة إنه في الحالات الأكثر فظاعة يقوم الجنود بتسجيل أدلة على انتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي.
قالت شانتال ميلوني، أستاذة القانون في جامعة ميلانو ومستشارة الجرائم الدولية في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، والتي راجعت الصور بناءً على طلب الصحيفة، إن من بين المخاوف التي تثيرها مقاطع الفيديو تدمير البنية التحتية المدنية بشكل غير مبرّر.
وتؤكد إسرائيل والولايات المتحدة أن حركة حماس تحتمي بالفلسطينيين في العديد من المناطق السكنية، وهو ما ذكرته إسرائيل كمبرّر لضرباتها التي أسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف المدنيين.
لم يستجب العديد من الجنود الذين نشروا مقاطع الفيديو والصور على وسائل التواصل الاجتماعي إلى طلبات التعليق، واعتبر البعض الآخر أنه لا توجد أي إهانات أو سخرية في تلك المقاطع. وقال شمعون زوكرمان، وهو جندي نشر مقاطع فيديو تظهر تفجير ما لا يقل عن عشرين مبنى في غزة العام الماضي، إن الجيش طلب منه التوقف عن نشر المقاطع على الإنترنت في وقت سابق من هذا العام.
وأضاف: “لقد نشرت هذه المقاطع لرفع الروح المعنوية لشعبنا في الداخل، ولست نادماً على ذلك للحظة”.
حرق المنازل
تحققت الصحيفة من العديد من مقاطع الفيديو والصور التي أظهرت جنودًا يحرقون المباني أو يقفون أمام المنازل المشتعلة، وهي حوادث امتدت من بيت حانون في الشمال إلى خان يونس في الجنوب.
تتفق الأدلة المرئية مع شهادات جنود أكدوا أنهم تلقوا تعليمات بحرق منازل المدنيين، وشهادات فلسطينيين قالوا إنهم عادوا إلى الأحياء السكنية ليجدوا أن شققهم قد أُحرقت.
قال غرين: “كنا نغادر منزلًا وطُلب منا أن نحرقه عندما نخرج منه”، وروى أنه عندما سأل قائده عن الغرض من هذه السياسة، قيل له إن السبب هو أن المعدات العسكرية التي يتركها الجنود وراءهم يمكن أن تعطي معلومات للعدو.
وقال غرين واصفًا الطريقة التي يشعل بها الجنود الحرائق: “قليل من البنزين على تلك المراتب وستحترق، سيستغرق الأمر بعض الوقت، لكن كل شيء سيحترق”. أخبر غرين قائده أنه سيغادر إذا استمر الحرق، وأضاف: “غادرت في اليوم التالي”.
تحدث جندي آخر يبلغ من العمر 22 عامًا، بشرط عدم الكشف عن هويته خوفًا من انتقام السلطات الإسرائيلية، وشرح بالتفصيل كيف كان الجنود يشعلون النيران في المنازل، وهي ممارسة قال إنها حدثت “منذ بداية” الحرب.
وأضاف: “قيل لنا أن نحرق كل منزل يحمل لافتات حماس، لكن حماس هي القوة الرئيسية في غزة، ومعظم المنازل عليها علم حماس وصورة هنية”، في إشارة إلى إسماعيل هنية، أحد المسؤولين السياسيين السابقين في حماس الذي اغتالته إسرائيل في يوليو/ تموز الماضي. وقال الجندي الإسرائيلي إن المنازل التي كانت تحمل صور ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني الذي توفي قبل عقدين من الزمن، كان الجنود يُمنحون “خيار” إحراقها، مضيفًا أن وحدته أضرمت النار في ما لا يقل عن عشرين منزلاً على مدار فترة تجنيده التي استمرت خمسة أشهر.
وأكد الجيش الإسرائيلي أن “هناك ضرورة عسكرية في بعض الأحيان للعمل في مبانٍ وضعت فيها المنظمة الإرهابية بنيتها التحتية”، وأضاف أن “إحراق المباني دون ضرورة عسكرية يتعارض مع أوامر الجيش الإسرائيلي وقيم الجيش الإسرائيلي”، وأن مثل هذه الحوادث ستتم مراجعتها ومعالجتها.
وقال الجندي الذي رفض الإفصاح عن اسمه إن الجنود كانوا يكدسون الأثاث في منتصف الغرفة ويغمرونه بمواد قابلة للاشتعال ويشعلون النار، بدءًا من الطوابق العليا وصولا إلى الأسفل. وأضاف: “لقد استمتعوا كثيرًا بفعل ذلك. عندما تقضي الكثير من الوقت هناك، تتوقف عن التفكير في الفلسطينيين الذين يعيشون في هذا المنزل، والفلسطينيين الذين سيعيشون فيه في المستقبل”.
يُظهر مقطع فيديو نُشر في فبراير/ شباط منزلًا يحترق من الداخل، ويقول أحد الجنود من خلف الكاميرا: “كل شيء سيحترق”، مضيفًا أن الموقع كان “منزل إرهابي” في “قلب خان يونس”.
وردًا على السؤال حول ما إذا كان حرق منازل المدنيين مسموحًا به في غزة، قال الجيش الإسرائيلي إنه ينفذ عمليات هدم “البنية التحتية لحماس وأهداف عسكرية أخرى باستخدام وسائل متعارف عليها ومناسبة”.
وأضاف أنه “ستتم مراجعة الادعاءات المتعلقة بالسلوكيات التي لا تندرج ضمن التوجيهات والبروتوكولات المعتمدة من الجيش الإسرائيلي”.
الدمار
على مدار العام الماضي، تم تحويل مساحات واسعة من غزة إلى ركام، سواء من خلال القصف الجوي المكثف أو عمليات الهدم التي نفذتها القوات البرية بمساعدة الجرافات الإسرائيلية المدرعة.
وقال أحد الجنود في مقطع فيديو نُشر في يناير/ كانون الثاني، قبل أن ينفجر المبنى متعدد الطوابق خلفه مخلفًا سحابة من الغبار: “هناك حل واحد فقط لغزة”.
تضرر أكثر من 66 بالمئة من المباني في غزة، فيما يقدر بـحوالي 227,591 منزلاً، وفقاً لتقييم أجرته الأمم المتحدة بالاعتماد على صور الأقمار الصناعية، ونُشر في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وقال زوكرمان، وهو عضو في طاقم هندسي تابع للجيش الإسرائيلي مكلف بالتفجيرات الخاضعة للسيطرة، إن المباني لم يتم تفجيرها إلا إذا كانت مفخخة أو تعتبر “بنية تحتية إرهابية”.
لكن الجنود الآخرين الذين تحدثوا إلى صحيفة “واشنطن بوست” قالوا إنهم لم يفهموا في كثير من الأحيان الهدف العسكري من التفجيرات. وقال غرين، الذي تحدث أيضًا عن مشاجرات مع زملائه في الكتيبة بسبب تركهم كتابات على الجدران في المنازل الخاصة وتدمير الممتلكات الشخصية للعائلات: “حتى عندما كانت التفجيرات بالقرب منا، لم أتمكن أبدًا من معرفة سبب القيام بذلك”.
وتُظهر صور أخرى تحققت منها الصحيفة جنودًا يقيمون معسكرًا في منازل مهجورة ويخربون الممتلكات ويقفون لالتقاط الصور بملابس داخلية مسروقة من نساء فلسطينيات. وفي بعضها، يسخر الجنود من الدمار الواسع النطاق.
تُظهر ستة مقاطع على الأقل تحققت منها صحيفة “واشنطن بوست” جنودًا يطرقون الأبواب أو يقرعون الأجراس، ثم يستديرون نحو الكاميرا ليسألوا عن سكان تلك المنازل، ثم يبتعدون لإظهار أن المنزل قد دُمّر.
وفي منشورات أخرى، يقوم الجنود بجولات ساخرة بين المباني المدمرة والمهدمة. ففي منشور بتاريخ أكتوبر/ تشرين الأول، نشر الجندي إريل نيستل صورة له وهو يحمل لافتة لشركة العقارات التي يعمل فيها، ويقف أمام منزل مدمر، وكتب في المنشور “حصريا منزل جديد للبيع في النصيرات، مخيم اللاجئين”. وقال نيستل، الذي فقد العديد من أصدقائه في هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، للصحيفة إن الصور كانت “مجرد فكرة تسويقية لإثارة الاهتمام والضجة” ولم يتم التقاطها ومشاركتها “بدافع الانتقام”.
تُظهر صور أخرى فصلاً دراسياً مدمّرًا ولوحة مكتوب عليها “لكل فعل ردة فعل” مع نجمة داود، وعلق الجندي على المنشور “لن تكون هناك مدرسة غدًا”. ويُظهر مقطع فيديو مرفق بالمنشور تفجير رقعة كبيرة من المباني بالقرب من المدرسة.
لم يعلق الجيش الإسرائيلي على مدى مخالفة تلك التفجيرات للإرشادات التوجيهية للجيش، ولم يقدم تفاصيل عن أي ضرورة عسكرية في الصور والمقاطع التي قدمتها صحيفة “واشنطن بوست”.
في بعض الحالات، أهدى الجنود التفجيرات إلى أحبائهم الذين قُتلوا في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أو ربطوا التدمير بخسائرهم الشخصية.
ونشر إليشاف ليبمان، وهو جندي قُتل شقيقه مع مئات آخرين في مهرجان نوفا الموسيقي، مقطع فيديو في أكتوبر/ تشرين الأول تم تصويره من نافذة سيارة يُظهر الدمار في شوارع غزة، قائلا: “راقبونا من الأعلى وسننتقم من الأسفل”. وفي مقطع آخر، كُتب على أحد الجدران: “نريد الانتقام”.
عندما تم إرساله لأول مرة إلى غزة، كان ليبمان يعتقد أن شقيقه قد اختُطف، حيث لم تحصل العائلة على تأكيد بأن الشاب البالغ من العمر 23 عامًا قد قُتل إلا بعد سبعة أشهر. وأكد ليبمان أنه لم يتصرف في غزة بدافع “الانتقام الشخصي”.
القانون الدولي
استخدمت جنوب أفريقيا بعض مقاطع الفيديو التي صورها جنود الجيش الإسرائيلي في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. قد يستغرق الأمر سنوات قبل صدور الحكم النهائي.
ويقول الخبراء إن مقاطع الفيديو التي تظهر إساءة معاملة المعتقلين والجثث تثير أيضًا مخاوف بموجب القانون الدولي.
وفي أوائل ديسمبر/ كانون الأول، تم اعتقال عدد كبير من الفلسطينيين في حملة اعتقالات جماعية في بيت لاهيا شمال غزة، وقد تم توثيق الاعتقالات في عدة مقاطع فيديو.
في إحدى هذه اللقطات، يجثو أكثر من 100 فلسطيني على ركبهم في الطريق وأيديهم خلف رؤوسهم في برد الشتاء. يقول جندي إسرائيلي للفلسطينيين إن الجيش الإسرائيلي “يدمّر غزة” ويعمل على احتلالها بالكامل، ويحذرهم عبر مكبر الصوت: “هل هذا ما تريدونه؟ هل تريدون حماس؟”.
وقال مارك إليس، الخبير في قانون الجرائم الدولية والمدير التنفيذي لرابطة المحامين الدوليين، إن الفيديو “مؤلم جدا”، مشيرًا إلى أنه بموجب قوانين الحرب يجب حماية المعتقلين من أعمال العنف والمعاملة المهينة، بما في ذلك التعرض للإهانات و”السلوك الفضولي”.
وفي أحد مقاطع الفيديو التي تم تصويرها بعد أيام فقط من بدء الغزو البري، يظهر جنود يسحبون جثمان أحد القتلى خلف مركبة. وفي فيديو آخر نُشر مطلع هذه السنة، يظهر جندي يعلن بشكل ساخر عن مشروع تجاري عائلي بالقرب مما يبدو أنها جثث فلسطينيين.
يحمل جندي لافتة لصالون “همرغيش” للحلاقة بالقرب من تل أبيب، وبجواره ثلاث جثث هامدة بملابس مدنية ممددة على الطريق، ولم تتضح هوياتهم وظروف وفاتهم. يلوح الجندي باللافتة على أنغام أغنية الراب العبرية “هاربو داربو“، التي تدعو إلى القصاص من هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
قال فرناندو ترافيسي، المدير التنفيذي للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، إنه يبدو أن الفيديو ينتهك القوانين الإنسانية الدولية التي تلزم المقاتلين بالتعامل مع الرفات البشرية باحترام.
لم يستجب صاحب صالون الحلاقة لطلبات التعليق، لكنه تمسك بموقفه في مواجهة الانتقادات: “جنودنا الأعزاء، ستحصلون على خصم 20 بالمائة في صالوننا”، جاء ذلك في منشور على حساب صالون الحلاقة على إنستغرام في 8 فبراير/ شباط، ردًا على انتقادات من إحدى المنظمات الحقوقية الإسرائيلية.
ويؤكد الخبراء أن مقاطع الفيديو المصوّرة في ساحة المعركة لا يمكن أن تقدم سوى “لقطات عابرة” وتتطلب المزيد من التحقيق، لكنهم قالوا إن شهادات الجنود – وفي بعض الحالات التصريحات العلنية للمسؤولين – تُظهر تجاهلًا للقانون الدولي.
وقال المقدم إسرائيل بن بازي لإذاعة إسرائيلية في فبراير/ شباط: “من وجهة نظرنا، فإن كل من كان موجودًا هناك عدو”، مشيرًا إلى أن المنطقة تم تصنيفها كمنطقة قتال. وأضاف: “سواء كان يحمل سلاحًا أم لا، فهذا لا يهم”.
وقال بازي لـ”واشنطن بوست” إنه لا يستطيع التعليق على هذا الأمر دون إذن من الجيش الإسرائيلي، وقد رفض الجيش السماح له بإجراء مقابلة.
وقال مارك إليس إن التصريح يظهر “عدم الالتزام” بالقانون الدولي الذي يفرض على القوات العسكرية التمييز بين المقاتلين والمدنيين.
وقال زيف، الذي خدم كضابط مراقبة للوحدات داخل غزة، وهو دور يتضمن محاولة تجنب حوادث إطلاق النيران الصديقة بين القوات الإسرائيلية، إن القوات البرية في وحدته التي كانت تعمل بالقرب من الممر الإنساني تعاملت مع الجميع على أنهم مقاتلون، حيث كانت المنطقة شبه “خالية”. وأضاف: “لم يكن مطلوبا منهم أن يبرروا سبب إطلاق النار. كان عليهم فقط أن يخبرونا أنهم قاموا بذلك”.
“الطرد والاستيطان”
في مقاطع فيديو أخرى من ساحة المعركة، دعا الجنود إلى عودة المستوطنين الإسرائيليين إلى غزة، أو طرد الفلسطينيين. كانت إسرائيل قد احتلت غزة بعد حرب 1967، وسحبت قواتها وأخلت مستوطناتها في 2005، لكنها أبقت على حصار بري وبحري جزئي.
وقال آسا كاشر إن تصريحات وزراء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، من المرجح أن تعزز الانطباع بأن مثل هذه الممارسات مقبولة في ساحة المعركة، خاصة أن بعض الجنود يضعون الدين فوق قواعد السلوك التي يفرضها الجيش، على حد قوله.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان له إن الجنود ممنوعون “بشكل قاطع” من الانخراط في الأنشطة السياسية أو التعبير عن الآراء السياسية خلال خدمتهم العسكرية. وأضاف البيان: “تتعامل قيادات الجيش مع هذه الحوادث بشكل صارم وحازم”.
وقال رام فرومن، رئيس المنتدى العلماني في إسرائيل، إن هذا المحتوى هو انعكاس لمعركة طويلة الأمد بين القوى الدينية والعلمانية داخل الجيش. وأضاف: “طالما أن المزيد من الجنود في الرتب العليا تحرّكهم رؤية قومية ودينية، فإن ذلك يؤثر على الطريقة التي يتصرف بها الجنود في المعركة”.
في مقطع فيديو من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، يتعهد أحد الجنود بأن كتيبته لن تتوقف حتى تكمل مهمتها بـ”الاحتلال والطرد والاستيطان”. ويتحدى الجندي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: “هل سمعت يا بيبي؟ احتل واطرد واستوطن”، لم تتمكن الصحيفة من التعرف على هوية الجنود في الفيديو.
عُرض مقطع من هذا الفيديو خلال حفل افتتاح “مؤتمر انتصار إسرائيل” في يناير/ كانون الثاني، وهو مؤتمر دعا إلى هجرة الفلسطينيين بشكل طوعي من غزة، وتضمن مداخلات من أقطاب اليمين المتطرف وقادة المستوطنين، بمن فيهم سموتريتش.
كما يظهر الجندي في صورة من غزة تحققت منها صحيفة “واشنطن بوست” وهو يحمل علمًا إسرائيليًا كُتب عليه عبارة “العودة إلى الوطن”، وهو شعار حركة إعادة التوطين.
في يناير/ كانون الثاني، أدانت وزارة الخارجية الأمريكية شخصيات سياسية يمينية متطرفة مثل حليف سموتريتش، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بسبب “دعوته إلى إعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة”.
استمرت منشورات الجنود خلال الأسابيع الأخيرة تزامنا مع إطلاق القوات الإسرائيلية عملية جديدة في شمال غزة وأوامرها بإخلاء مساحات واسعة من المنطقة. وفي مقطع فيديو نُشر على إنستغرام تحت وسم “موقع جباليا” في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، تم تصويره من داخل جرافة، يظهر عدد من السكان وهم يفرون بشكل جماعي، بينما تحيط بهم الدبابات الإسرائيلية. وكُتب في التعليق: “أسبوع جيد”.
تحدث جنود آخرون للصحيفة عن رغبتهم في إعادة التوطين في القطاع. وقال أفيخاي ليفي، 41 عامًا، وهو جندي احتياط وسائق جرافة أُرسل إلى رفح: “الحل الأفضل بالنسبة لي هو المستوطنات.. الانتصار الحقيقي هو أن يعرفوا أنه في كل مرة يقومون فيها بعمل عنيف، سننتزع المزيد من الأراضي”.
المصدر: واشنطن بوست