كانت تركيا وخاصة بعد لقاء وزير الخزانة والمالية التركي بيرات البيرق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي تأمل أن يتم تمديد الإعفاء الأمريكي الذي منح لها لاستيراد النفط من إيران خلال المرحلة الثانية من العقوبات التي بدأتها إدارة ترامب، لكن السياسة التي يسير عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمبنية على الغموض والمفاجآت أسفرت عن قرار جديد لواشنطن يقضي بعدم تجديد الإعفاء لتركيا ومجموعة أخرى من الدول منها الصين والهند واليونان وإيطاليا وذلك في إطار سعي واشنطن لتصفير صادرات النفط الإيرانية، وهو أمر ترفضه تركيا خاصة أنها أكثر المتأثرين سلبًا من هذا القرار، وجاءت هذه الخطوة بعد أيام من تصنيف واشنطن لمؤسسة الحرس الثوري الإيراني كمؤسسة إرهابية وهو ما رفضته تركيا أيضًا.
ترفض تركيا ابتداءً طريقة العقوبات الأمريكية لدول المنطقة وخاصة للتأثير على إيران، كما ترفض كل أشكال العقوبات المفروضة عليها، وكان لها دور في تخفيف العقوبات في المرحلة السابقة، لكن هذه المرة فإن قرار عدم التجديد سيؤثر على تركيا التي تستورد كميات كبيرة من الطاقة من إيران وخاصة في مرحلة تركز فيها على إصلاح الاقتصاد من جهة والتنسيق المستمر مع إيران في عدة قضايا منها الموقف في شمال سوريا والمواجهة مع حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى.
بالنظر إلى العلاقات الإيرانية التركية في مجال الطاقة أيضًا نجد أن إيران ثالث أكبر مصدر للواردات النفطية من حيث الحجم لتركيا، حيث تشكل الصادرات النفطية الإيرانية 12% من الواردات التركية
ترفض تركيا العقوبات على إيران كسبيل للحل وترى أن الحوار والمفاوضات الطريق الأنسب، ولكن بالنظر إلى العلاقات الإيرانية التركية في مجال الطاقة أيضًا نجد أن إيران ثالث أكبر مصدر للواردات النفطية من حيث الحجم لتركيا حيث تشكل الصادرات النفطية الإيرانية 12% من الواردات التركية، وعلى صعيد الغاز الطبيعي فإن 14% من الغاز التركي يأتي من إيران، وهذه النسب ليست بالقليلة، وفي حال قررت تركيا إيجاد بدائل فلمن ستتجه؟ علمًا أن تركيا تستورد بقية موارد طاقتها من النفط والغاز من روسيا والجزائر والعراق وأذربيجان.
لقد كان الاستثناء الأمريكي للدول مشروطًا بعمل هذه الدول على تقليل وارداتها النفطية من إيران والبحث عن موردين آخرين، ولو كان هذا الأمر يصلح مع أغلب هذه الدول فإن تركيا المجاورة لإيران سيكون موقفها مختلفًا وسيكون تقييمها مختلفًا خاصة أنها تنتظر تحسينًا لشروط الأسعار بينها وبين إيران وتتطلع إلى أن تكون مركز نقل للطاقة من إيران وغيرها للقارة الأوروبية.
وعلى كل الأحوال ووفقًا للكاتب أوميد كاليهصار فقد تراجعت واردات الطاقة التركية من إيران من يناير 2018 إلى يناير 2019 إلى النصف تقريبًا، كما يشير الكاتب إلى مشكلة أخرى بين تركيا وإيران تتعلق بتسعير الغاز، حيث احتجت تركيا على إيران أكثر من مرة لخفض أسعار الغاز التي تراها باهظة وتم خفضها بنسبة 13% عام 2016، وعند هذه النقطة يمكن القول إن تركيا تتوقع أن تحصل على أسعار مميزة من إيران حال استطاعت إقناع الإدارة الأمريكية بالحصول على استثناء أو في حال تحدت الإدارة الأمريكية وامتنعت عن الامتثال للعقوبات الأمريكية، وعلى كل الأحوال لا بد لإيران أن تقدم حوافز لتركيا لأن الاتفاقية السارية بينهما تنتهي في 2026.
تعيق العقوبات الأمريكية طموح تركيا في أن تصبح مركزًا للطاقة من إيران وأذربيجان وروسيا إلى القارة الأوروبية كما تعيق التحالفات الشرق أوسطية الأخرى
وتعتقد تركيا أن سياسة العقوبات ستؤثر على إيران والتوازنات الإقليمية والدولية وبشكل مباشر على أسواق النفط خاصة بعد وجود مشاكل في العرض لدى فنزويلا وليبيا ونيجيريا وتأمل واشنطن في تعويضه من السعودية والإمارات.
وهنا نجد أن التنافس الإقليمي أو التوتر الإقليمي الجاري بين تركيا من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى هو عامل يجعل تركيا غير مطمئنة من هذا المسار ورافضة له خاصة في ظل التحرك الجاري في المنطقة وتحديدًا في ليبيا والسودان التي عاد التنافس فيه ليأخذ وتيرة أكثر سخونة.
وتعيق العقوبات الأمريكية طموح تركيا أن تصبح مركزًا للطاقة من إيران وأذربيجان وروسيا إلى القارة الأوروبية، كما تعيق التحالفات الشرق أوسطية الأخرى التي ترعاها واشنطن بين السعودية والإمارات و”إسرائيل” وقبرص واليونان من ناحية البحر المتوسط وهو ما يجعل تركيا أقرب إلى التوافق مع جبهة روسيا وإيران.
ترى تركيا أن هذا النمط من القرارات أحادية الجانب خطير ويمكن أن يشجع عددًا من الدول الأخرى على القيام بأعمال أحادية الجانب مخالفة للقوانين الدولية
كما أن تركيا ترفض من ناحية أخرى اتخاذ دولة قرارًا أحاديًا وفرضه على باقي البلدان للامتثال له وترى أن ذلك “حركة لا تليق بالنضج الدبلوماسي”، في ذات السياق ترفض تركيا القرارات أحادية الجانب التي ارتفعت وتيرتها لدى الإدارة الأمريكية من قبيل قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وقرار الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان وحاليًّا الضغط على الدول للانصياع للآلية الأمريكية للعقوبات على دولة أخرى حتى لو كانت تلك العقوبات تسبب أضرارًا لهذه الدول.
ترى تركيا أن هذا النمط من القرارات أحادية الجانب خطير ويمكن أن يشجع عددًا من الدول الأخرى على القيام بأعمال أحادية الجانب مخالفة للقوانين الدولية وإن لم يحدث ذلك على المدى القريب فسيحدث على المدى المتوسط مما يفتح بوابة الفوضى في الساحة الدولية.
على الصعيد الإيراني ورغم تبني نفس الطرف في الحرب في سوريا فإن الثقة بين روسيا وإيران ليست كافية بالنظر إلى غض الطرف الروسي عن الهجمات الإسرائيلية ضد إيران في سوريا ودعم روسيا لخروج إيران من سوريا وتوافق روسيا مع السعودية على تهدئة أسعار النفط والعمل على أخذ حصص إيران من السوق الدولية.
الثقة بين تركيا وإيران ليست كبيرة وتحتاج تركيا لاتخاذ موقف لصالح إيران أن يكون لديها عرض قوي من إيران يتعلق بأسعار طاقة مميزة وبعرض يضمن إنهاء وجود قوات وحدات الحماية في شمال سوريا
ولهذا فإن إيران من المحتمل أن تلجأ إلى تركيا لإيجاد مخرج لأزمتها وربما كان لقاء وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف مع أردوغان هذا الأسبوع في ذات السياق، وقد تقدم إيران مبادرات لتركيا من قبيل التنسيق مع نظام الأسد لإيجاد حل ما، فقال ظريف: “لقد أجريت مقابلة مطولة مع بشار الأسد. سأقدم تفاصيل هذه المناقشات إلى السيد أردوغان”، وهو الأمر الذي سيواجه بالموقف الروسي الأكثر تأثيرًا على الأسد، وأما الأمر الآخر فهو التنسيق بين تركيا وإيران في مواجهة حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا وهو الملف الذي قد يشهد تحركًا في الأيام والأسابيع المقبلة.
ولكن مع ذلك فإن الثقة بين تركيا وإيران ليست كبيرة وتحتاج تركيا لاتخاذ موقف لصالح إيران أن يكون لديها عرض قوي من إيران يتعلق بأسعار طاقة مميزة وبعرض يضمن إنهاء وجود قوات وحدات الحماية في شمال سوريا، كما أن الولايات المتحدة تحتاج إلى أن تكون تركيا جزءًا من العقوبات على إيران لتكون عقوبات فعالة، وقد يكون على سبيل المثال السماح لتركيا بشراء نظام إس 400 الروسي دون أي عقوبات مع تسهيلات تجارية وسياسية أخرى لتركيا ولهذا فإن تركيا أمام موقف صعب لاتخاذ قرارها.