بعد مرور ستين سنة، وبعد تأليف عشرات الكتب والبحوث عن العملية TPAJAX التي خطط لها عميل وكالة المخابرات المركزية كيرمت روزفلت بأمر من الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور بالتنسيق مع السطات البريطانية للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مُصدق، نشرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وللمرة الأولى وثائق رسمية تثبت إدارة الوكالة للانقلاب على مصدق سنة 1953.
تتمثل الوثائق المنشورة اليوم في جزء ثالث من تقرير داخلي مفصل كتبه أحد المؤرخين العاملين داخل وكالة المخابرات المركزية عن العملية بكل فصولها نشر منقوصا قبل سنوات، ويتحدث هذا الجزء عن العملية الانقلابية في حد ذاتها وعن التحركات الميدانية في شوارع طهران، وفي الوقت الذي تحدثت فيه الأقسام المنشورة سابقا عن عملية انقلابية حدثت في ايران دون اعطاء أي أدلة عن دور وكالة المخابرات الأمركية، كشفت الأجزاء المنشورة اليوم عن الدور الذي لعبه روزفلت والمخابرات الأمريكية في الاطاحة بمصدق.
وأكدت الوثائق المنشورة اليوم، تحليلات وروايات نشرت سابقا واعترافات لكل من الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما والرئيس الأسبق بيل كلينتون، تفيد بأن وكالة المخابرات الأمريكية قامت ب”إعداد وتنفيذ خطة الانقلاب للإطاحة بمحمد مصدق” وذلك لخشيتها من توجه ايران نحو الانفتاح على الاتحاد السوفياتي حينها.
ويرى خبراء مقربون من وكالة المخابرات الأمريكية أن الوكالة أقدمت على نشر هذه الوثائق وعلى إعلان مسؤوليتها عن الانقلاب دون الالتفات إلى المضار الديبلوماسية التي قد تلحق بأمريكا لتجنب خروج هذه المعلومات من خلال تسريبات قد تضع الإدارة الأمريكية كاملة في موقف حرج أمام حلفائها وأمام الرأي العام الأمريكي والدولي.
وفي الوقت الذي تعلن فيه أمريكا رسميا مسؤوليتها عن عملية TPAJAX لازالت المملكة المتحدة في بريطانيا تتجنب الحديث عن أي دور لها أو لجهاز المخابرات البراطاني MI6 في الإعداد أو في تنفيذ هذا الانقلاب، رغم أن وثائق مسربة قبل سنوات تتطابق مع تحليلات تقول بأن انزعاج بريطانيا من قيام مصدق بتأميم صناعة النفط التي كانت شركة النفط الانجلو ـ ايرانية والتي أصبح اسمها الآن برتش بتروليوم (BP) تحتكرها بالكامل، جعلها تحرض الإدارة الأمريكية على اعداد خطة الانقلاب وتشارك في تنفيذه من خلال نفوذها داخل ايران في تلك الأيام.
ويذكر أن حكما ديكتاتوريا استمر طيلة 20 سنة في ايران تلى العملية الانقلابية TPAJAX، حيث حدثت مواجهات دامية في طهران راح ضحيتها أكثر من 300 شخص انتهت بمرسوم أصدره الشاه يقضي بعزل محمد مصدق وسجنه وتعيين الجنرال فضل الله زاهدي خلفا له في رئاسة الوزراء.
ويشبه كثيرون المشهد الذي سبق انقلاب 1953 في ايران بما عاشته مصر طيلة سنة من حكم الرئيس المصري محمد مرسي من توظيف لوسائل الإعلام لشيطنة التيار الحاكم ودعم لمعارضين مصطنعين لصناعة حالة من الاحتقان والتململ تهيئ عامة الناس للقبول باسقاط السلطة المنتخبة واستبدالها بأخرى معيّنة بحجة انقاذ البلاد.
وكان الدكتور حسام أبو البخاري تكلم قبل أسابيع من على منصة اعتصام ميدان رابعة العدوية المعارض للانقلاب العسكري في مصر عن تشابه وتطابق لما تعيشه مصر في هذه الأيام لما عاشته ايران سنة 1953 عند تنفيذ عملية TPAJAX في ايران.