ترجمة وتحرير: نون بوست
إن شامبالا، التي تعني في اللغة السنسكريتية “مكان السلام” أو “مكان الصمت”، هي أرض أسطورية ذُكرت ووُصفت في العديد من النصوص القديمة، وخاصة في تلك التي شكلت الثقافة البوذية التبتية. وحسب الأسطورة، إن شامبالا مملكة صوفية وغامضة مخبأة تحت الضباب الكثيف في أعلى قمم جبال الهيمالايا، وهي مكان لا يستطيع الوصول إليه سوى ذوي أصحاب القلوب القوية.
على مر التاريخ، سافر العديد من المستكشفين والمغامرين بحثا عن جنة شامبالا المفقودة. وفي حين ادعى الكثيرون أنهم كانوا هناك بما في ذلك بعض جنود جيش هتلر، لم يقدم أحدٌ دليلا على وجودها، ولم يتمكن أحد أيضًا من تحديد موقعها الفعلي على الخريطة.
في سنة 2003، أنشأت شركة “كي هول” التي يقع مقرها في سان فرانسيسكو برنامجا قادرا على دمج صور الأقمار الصناعية والصور الجوية للأرض في نماذج ثلاثية الأبعاد
كان البشر دائما تواقين للبحث عن العوالم التي تتجاوز عالمنا الخاص، مثل الاعتقاد بأن مدينة أطلانطس تقع خلف أعمدة هرقل، أو أن جزيرة أفالون موجودة في الضباب البريطاني. وكلما كان الهدف بعيد المنال وأكثر غموضا، أصبح لا يُقاوم. واليوم، تقدم لنا التكنولوجيا صورة فوتوغرافية كاملة عن الكوكب، ولكننا مع ذلك نواصل تأليف الأساطير والخرافات حول تلك القطع القليلة من الأرض التي لا يمكن رؤيتها عبر جوجل ستريت فيو، الذي يعد من إحدى الخاصيات المتوفرة على خرائط جوجل.
في سنة 2003، أنشأت شركة “كي هول” التي يقع مقرها في سان فرانسيسكو برنامجا قادرا على دمج صور الأقمار الصناعية والصور الجوية للأرض في نماذج ثلاثية الأبعاد. ويمكن استكشاف هذه النماذج كما في لعبة الواقع الافتراضي. لقد كان هذا الأمر عبارة عن منتج ثوري سمح لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت بالسفر إلى أي مكان تقريبا في العالم.
لسوء الحظ، كانت تلك سنوات انفجار “فقاعة الدوت كوم” وكانت شركة “كي هول” على وشك الإفلاس. لكن تم إنقاذ الشركة من خلال صندوق رأس المال الاستثماري لشركة سيليكون فالي المسمى “إن كيوتل”، حيث كانت وكالة المخابرات المركزية هي صاحبة الصندوق. بعد ذلك ببضعة أشهر فحسب، كان البرنامج في الخدمة بالفعل، وجاهزا لدعم القوات الأمريكية خلال حرب تحرير العراق، الحملة العسكرية التي كانت تهدف إلى الإطاحة بصدام حسين.
المبنى العسكري بمدريد مخفي في جوجل ستريت فيو
على مدار خمسة عشر سنة، تمكنّا من استكشاف حتى أكثر الزوايا البعيدة في الكوكب ونحن مستلقون على الأريكة. ومع الأقمار الصناعية والسيارات إلى جانب ما يسمى “بجوجل تراكرز”، تقوم الشركة الأمريكية بتصوير المزيد والمزيد من المناطق على الأرض يوميا. وبذلك، تمكن جوجل من الوصول حتى إلى أعماق المحيط وكهف باتمان.
لكن ذلك لا ينفي أن هناك أماكن لا يمكن أن يدخل فيها حتى ثابت الجاذبية، وهذه هي المناطق التي إذا تم البحث عنها في جوجل ستريت فيو تظهر مخفية أو منقّطة أو مشوّهة، علما بأن موسوعة ويكيبيديا نشرت قائمة لها. وفي معظم الحالات، هذه الأماكن هي قواعد ومنشآت عسكرية، وسجون تخضع لتدابير أمنية قصوى ومحطات لتوليد الطاقة، وجميع الهياكل التي لديها مفهوم سري للغاية.
ساهمت العلاقات الوثيقة بين جوجل ووكالات الاستخبارات الأمريكية في تأجيج نار المؤامرة، وأدت بعض الأماكن إلى تحفيز الخيال الشعبي بطريقة معينة
مع مرور الوقت، انتهى الأمر بالكشف عن العديد من المناطق المخفية، لكن ذلك لم يحدث إلا بعد توليد النظريات الأكثر غرابة، انطلاقا من احتلال الحياة خارج الأرض وصولا إلى وجود قواعد لتطوير أسلحة الدمار الشامل. وبالطبع، ساهمت العلاقات الوثيقة بين جوجل ووكالات الاستخبارات الأمريكية في تأجيج نار المؤامرة، وأدت بعض الأماكن إلى تحفيز الخيال الشعبي بطريقة معينة.
قد يكون برنامج الشفق النشط عالي التردد المعروف باسم “هارب”، هو أفضل مثال في هذا السياق. إنه عبارة عن قاعدة عسكرية تقع في ألاسكا وقع تكييفها من قبل حكومة الولايات المتحدة في تسعينيات القرن الماضي للبحث العلمي في الغلاف الجوي والغلاف الأيوني. ويقول البعض إن حوالي 150 محطة جوية متواجدة بداخله تُستخدم لتوليد ما يسمى بغاز الكيمتريل. ويعتقد البعض الآخر أن بعض الزلازل قد أثيرت من ذلك المكان من قبل الحكومة حتى يتهموا البيت الأبيض باستخدام هذه المعدات الغامضة للسيطرة على العقول من خلال انبعاث موجات الراديو القوية.
قاعدة برنامج الشفق النشط عالي التردد “هارب” في ألاسكا
إن الأسباب التي دفعت تشيلي إلى أن تطلب من جوجل إيرث تشويش منتزه تنتاوسكو الوطني كانت أكثر واقعية، حيث كانت تهدف أساسا إلى تعقيد حياة الصيادين. في المقابل، إن السبب وراء إخفاء المنطقة القريبة من الحفريات الأثرية في بابل بالعراق لا يزال غير معروف. وكما هو الحال دائما، فإنه في حالة عدم وجود معلومات يتم اختراعها، حيث يؤكد البعض أنهم بصدد إجراء تحقيقات مرتبطة بما يسمى بالأمور الخارقة للطبيعة ومصادر الطاقة الروحانية.
لقد تبين أن بعض الجزر في شمال روسيا مغطاة بطبقة بيضاء لم تكن ثلجا، إذ أن هناك من يعتقد أنها تستضيف محطات رادار. وفي إسبانيا، وقع إخفاء قصر مونتجويك في برشلونة منذ فترة. وفي الأثناء، لا يزال حصن إيزابيل الثانية في مينوركا مغطى، شأنه شأن مطار مروحيات سانتا آنا في مدينة كارتاخينا. والأمر سيان بالنسبة لساحة بلازا دي لوس نارانخوس في مدينة ألمرية وبعض المباني العسكرية في مدريد.
تجدر الإشارة إلى أن المدينة المحرمة في بكين في جوجل ايرث غير محظورة على الإطلاق، كما هو الشأن بالنسبة للمنطقة 51 الشهيرة التي يكفي أن تبحث عن بحيرة غروم في نيفادا للعثور عليها. ومنذ سنة 2013، أصبحت مدينة بيونغيانغ مرئية من الأعلى بألوان زاهية، إلى جانب بقية كوريا الشمالية. وكما قال آرثر كونان دويل نقلا عن شيرلوك هولمز: “من الخطأ أن نخلط بين الغريب والغامض”.
غيرت الكثير من المدن من وضعها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. في المقابل، ظلت الكثير منها مخفية مثل فلاديفوستوك، ومنها التي كانت مخفية تماما ولكن يقع تحديدها من خلال رقم على غرار مدينة أوزايورسك الحالية
أصبحت بعض المدن التي كانت مخفية منذ عقود مرئية على جوجل ايرث، وهي أساسا “المدن المغلقة” التي أنشأها الاتحاد السوفيتي، التي يطلق عليها اسم “زاتو” اختصارا لتسمية “التشكيلات الإدارية الإقليمية المغلقة”. وقد غيرت الكثير من المدن من وضعها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. في المقابل، ظلت الكثير منها مخفية مثل فلاديفوستوك، ومنها التي كانت مخفية تماما ولكن يقع تحديدها من خلال رقم على غرار مدينة أوزايورسك الحالية، التي كانت لسنوات عديدة “المدينة 40”.
عموما، إن هذه الأماكن هي عبارة عن مدن وقع بناؤها في وقت وجيز جدا لأغراض عسكرية أو في مناطق حدودية أو حول مواقع خاصة بالبحث أو تطوير الصناعة النووية. وفي كثير من الحالات، ظلت هذه الأماكن مستبعدة من أي خارطة حتى لا تتعرض للهجوم في حال اندلاع نزاعات مسلحة. كما أن سكان هذه المناطق لم يقع تسجيلهم في سجلات الإقامة أو الميلاد.
لكن الخدمات التي يتمتع بها هؤلاء المواطنون أعلى بكثير من الخدمات التي توفرها بقية المناطق، إذا تحتوي على المسارح والمكتبات والجامعات والمدارس عالية الجودة والغذاء والخدمات التي لا يمكن العثور عليها في المدن السوفيتية الأخرى. وبالنسبة لهؤلاء السكان، كان الثمن التخلي عن الحرية، وفي كثير من الحالات، عن الصحة أيضا.
مدينة أوزايورسك الحالية المسمّاة لسنوات عديدة “المدينة 40″، في روسيا
إلى جانب ذلك، تسببت المنشآت النووية في تلويث الأراضي والأنهار والهواء والبحيرات، ورغم كثرة الحوادث لم يتم إجلاء السكان. ويوجد أيضا مدن مغلقة في بلدان أخرى بما في ذلك الولايات المتحدة تأسست خاصة أثناء مشروع مانهاتن، واليوم لم يتبق الكثير منها. ومن بين هذه المدن، واحدة بنيت من قبل الصين في صحراء جوبي وتسمى المنطقة 404، وربما يوجد عشرات المدن الأخرى في روسيا، بالإضافة إلى أربعة وأربعين منطقة تم الكشف عنها بالفعل.
منطقة في شمال التبت مخبأة في جوجل ستريت فيو
على الرغم من أن الفيلسوف والعالم جوتفريد ليبنيز أكد أننا “نعيش في أفضل العوالم الممكنة”، إلا أن الطبيعة البشرية تقودنا إلى الاعتقاد بأن هناك شيئا ما خلف أعمدة هرقل يستحق الاستكشاف، حتى لو كان ذلك فقط من وحي الخيال. ففي شمال بحيرة مانا ساروفار في منطقة التبت، هناك فضاء كبير مغطى في جوجل إيرث، لذلك سيكون من الجميل الاعتقاد بأن مملكة شامبالا الرائعة تختبئ هناك.
المصدر: لافانغوارديا