تشهد الجزائر في الفترة الأخيرة حملة اعتقالات كبيرة في صفوف رجال أعمال مقربين من الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة وعائلته، بتهم تتعلق بالفساد، استجابة لمطالب الشعب وفق قول البعض، غير أن العديد من الجزائريين يرون أن هذه الحملة لا تعدو مجرد محاولة من الجيش لتبييض صورته أمام المحتجين، فضلاً عن سعيه لإيجاد كبش فداء لتحمل أخطاء الماضي، استعدادًا لتصدر المشهد في المرحلة المقبلة.
رجال أعمال في السجون
هذه الحملة طالت أغنى رجل في البلاد، وهو أسعد ربراب الذي وضع في الحبس الاحتياطي، ويشغل ربراب منصب المدير التنفيذي لشركة “سيفيتال” المملوكة لأسرته التي تستورد السكر الخام من البرازيل وتصدر السكر الأبيض إلى تونس وليبيا ودول أخرى في الشرق الأوسط (أكبر مجموعة خاصة في الجزائر).
أمر قاضي التحقيق لدى محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة، بإيداع ربراب الحبس المؤقت وذلك بعد مثوله، الإثنين، أمام وكيل الجمهورية (النائب العام) للاستماع إلى أقواله في إطار التحقيق معه للاشتباه في تورطه بقضايا فساد.
وتم توقيف رجل الأعمال أسعد ربراب، الإثنين، من فصيلة الدرك الوطني بالجزائر العاصمة للاشتباه بتورطه في “التصريح الكاذب المتعلق بحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج وتضخيم فواتير استيراد تجهيزات واستيراد عتاد مستعمل رغم الاستفادة من الامتيازات الجمركية الجبائية والمصرفية”.
فضلاً عن ذلك، أصدر قاضي التحقيق لدى محكمة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة أمس الأربعاء أمرًا بوضع رجال الأعمال الأخوة كريم ونوح طارق ورضا كونيناف، المقربين من عبد العزيز بوتفليقة، قيد الحبس الاحتياطي بتهمة “استغلال النفوذ”.
لم تقتصر حملة الاعتقالات على المدنيين فقط، بل طالت أيضًا جنرالات سابقين في الجيش
نُسبت لرجال الأعمال تهم “عدم الوفاء بالالتزامات التعاقدية عند إنجاز مشاريع عمومية وكذا استغلال نفوذ الموظفين العموميين للحصول على مزايا وتحويل عقارات وامتيازات عن مقصدها الامتيازي“، ومثل في نفس القضية 8 إطارات من وزارة الصناعة.
وأوقف الأخوة كونيناف مساء الأحد وأحيلوا الثلاثاء إلى قاضي تحقيق في العاصمة الجزائرية، وفي ختام جلسة الاستماع صدر الأمر بحبسهم، وتملك هذه العائلة مجموعة “كو جي سي” المختصة في الهندسة المدنية والموارد المائية والبناء والأشغال العامة وتستفيد منذ سنوات من عقود عامة مهمة.
إلى جانب هؤلاء الخمس، تم توقيف العشرات من رجال أعمال آخرين نهاية الأسبوع الماضي، بتهم تتعلق أغلبها بالفساد وتبديد المال العام واستغلال النفوذ، وفق ما أكدته تقارير لوسائل إعلام محلية، وتم إيداعهم السجن.
بالتزامن مع ذلك، وجهت محكمة بالعاصمة أوامر استدعاء لكل من رئيس الحكومة الجزائري السابق أحمد أويحيى، ووزير المالية الحاليّ ورئيس بنك الجزائر سابقًا محمد لوكال للمثول أمامها للتحقيق معهما في تبديد المال العام ومنح امتيازات غير مشروعة.
فضلاً عن ذلك، تم إحالة ملفين خاصين بمتابعة وزير الطاقة الأسبق محمد شكيب خليل ومن معه إلى المحكمة العليا بسبب أفعال تتعلق بـ”مخالفة القانون الخاص بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج”، وفق الإذاعة الجزائرية.
الاعتقالات تطال جنرالات في الجيش
لم تقتصر حملة الاعتقالات على المدنيين فقط، بل طالت أيضًا جنرالات سابقين في الجيش، حيث أمر قاضي التحقيق لمجلس الاستئناف العسكري في البليدة جنوب الجزائر العاصمة بإيداع القائد السابق للناحية العسكرية الثانية (تشمل غرب البلاد بما في ذلك المناطق الحدودية مع المغرب) اللواء باي سعيد الحبس المؤقت.
كما أمر بالقبض على اللواء الحبيب شنتوف القائد السابق للناحية العسكرية الجزائرية الأولى (تشمل العاصمة ومدن وسط البلاد)، بتهم تبديد أسلحة وذخيرة حربية ومخالفة التعليمات العامة العسكرية، جاء ذلك في بيان لمجلس الاستئناف العسكري بمدينة البليدة جنوب العاصمة نشرته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية مساء الأحد.
الجيش في الطريق الصحيح؟
تهمة الفساد بالنسبة للأشخاص المعتقلين تكاد تكون ثابتة في حقهم، وفق أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الجزائرية حسام حمزة الذي قال في تصريح لنون بوست: “هؤلاء أشخاص اغتنوا غنى فاحشًا في ظرف قياسي ودون مقدمات، وكل ما حققوه هو قروض من الخزينة العمومية وأموال الشعب دون أن يستفيد الاقتصاد الوطني الجزائري منهم، بدليل أن مداخيل الجزائر ما زالت لحد الساعة رهينة أسعار النفط ويبقى الأخير المصدر شبه الوحيد للعملة الصعبة بالنسبة للبلاد”.
ويرى حسام حمزة أن “علاقة هؤلاء الوطيدة برجالات السلطة وجنرالات الدم الذين أفسحوا لهم الطريق وحطموا كل من كانت لديهم نية لمنافستهم، تدل أيضًا على تورطهم في قضايا تتعلق بالفساد في انتظار أن يدينهم القضاء”.
حملة مكافحة الفساد طالت عديد رجال الأعمال
بدوره أكد الصحفي الجزائري فاروق حركات “أن متابعة قضايا الفساد ونهب المال العام ومحاسبتهم مطلب شعبي، لا يسعى من خلاله الجيش للبحث عن كبش فداء لتبييض صورته لأن قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، سبق أن أشار إلى أن العدالة استرجعت صلاحياتها كافة، وستعمل بكل حرية ودون قيود ولا ضغوطات ولا إملاءات، على المتابعة القضائية لكل العصابة”.
وأشار حركات إلى تأكيد قايد صالح على “ضرورة قيام العدالة بمحاسبة المتورطين في قضايا الفساد”، وقوله أيضًا “ننتظر من الجهات القضائية المعنية أن تسرع من وتيرة معالجة مختلف القضايا المتعلقة باستفادة بعض الأشخاص، بغير وجه حق، من قروض بآلاف المليارات وإلحاق الضرر بخزينة الدولة واختلاس أموال الشعب”.
الجيش يعزز مكانته
فساد هؤلاء الموقفين على ذمة القضاء وعلاقتهم الوثيقة بعائلة بوتفليقة، كلها عوامل تعزز موقف الجيش الذي التزم بتوفير الشروط الضرورية لعمل القضاء وحمايته دون أن يتدخل في صلاحياته أو يمارس ضغطًا عليه، وفق حسام حمزة.
وعن سؤاله عن إمكانية سعي الجيش لاستغلال هذا الملف لتبييض صورته أمام الجزائريين، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الجزائرية، إن هذا الأمر منافٍ للصواب، وعلى الذين يعتبرون ذلك تبييض صورة أو تصفية حسابات أن يأتوا بالدليل.
رغم كون متابعة قضايا الفساد ونهب المال العام ومحاسبتهم مطلبًا شعبيًا، فإن تحرك جهاز القضاء في هذا الوقت بالذات قد يبدو للعيان وكأنه انتقام، وفق فارق حركات
يؤكد حسام حمزة في حديثه أن على الجميع أن يفهم كون “قيادة الجيش الجزائري في الوقت الراهن، التي لا يجب أن تختزل في شخص أحمد قايد صالح، ليست هي قيادة الجيش في التسعينيات، سواء في توجهها الوطني أم في علاقتها بالشعب، فالأمر مختلف تمامًا الآن”.
واستدرك بقوله “هناك ما كان يعرف بدائرة الاستعلام والأمن التي كان يديرها الجنرال توفيق، هذا الجهاز هو الذي بنى دولة داخل الدولة الجزائرية وهو الذي مارس القمع وهو الذي فكك كل الثقة بين الجيش والشعب، وقد تم حله”.
ويرى حسام حمزة أن الاعتقالات لن تتوقف عند المدنيين فقط، فهناك إرهاصات تؤكد ذلك من قبيل توقيف السعيد باي، وأصدار بطاقة جلب في حق الحبيب شنتوف، وهو ما يؤكد قرب القبض على قيادات في الجيش عملت في فترة التسعينيات وإلى غاية وقت قريب لمحاسبتها على ما اقترفته في حق الشعب والدولة، وفق قوله.
التحضير للمرحلة المقبلة
رغم كون متابعة قضايا الفساد ونهب المال العام ومحاسبتهم مطلبًا شعبيًا، فإن تحرك جهاز القضاء في هذا الوقت بالذات قد يبدو للعيان وكأنه انتقام، وفق فارق حركات، الذي قال لنون بوست: “كان من الأجدر إصدار أوامر منع سفر لكل من يشتبه في تورطه في قضايا الفساد، إلى غاية انتخاب رئيس جديد أو تأسيس عدالة انتقالية لمحاسبة المتورطين”.
بدوره، يرى مدير موقع طريق نيوز الجزائري لمين مغنين، أن من أهداف الحراك الذي انطلق نهاية شهر فبراير/شباط الماضي في بلاده، الحرب ضد الفساد، لكنه يعتقد أيضًا أن “لكل مقام مقال ونحن في بداية الطريق ولم تتضح الصورة ومطالب الشعب ما زالت عالقة ولم تتحقق”.
يطالب الجزائريون باستبعاد رجال النظام السابق
ما يحصل في الأيام الأخيرة من اعتقالات، يمثل وفق لمين مغنين “مجرد ذر الرماد على العيون لامتصاص غضب الشارع وصناعة أصنام جديدة والترويج لها على أساس أنها أمل الجزائر في التغيير خلال الفترة المقبلة”.
كما يعتقد مدير موقع طريق نيوز الجزائري أن ما حصل “تصفية حسابات بين مجموعات متناحرة، لنجد أنفسنا أمام منطق عدالة انتقامية في وقت نحن في أمس الحاجة لعدالة انتقالية وفترة انتقالية تطوى بها مرحلة حكم بوتفليقة نهائيًا”.
ويعتقد محدثنا أن “التخطيط للمرحلة القادمة أكبر من منطق كبش الفداء، فقايد صالح يريد أن يدفع بالأمور للوصول إلى موعد الانتخابات خاصة أنه على يقين بعدم القدرة على تنظيمها لرفض الشعب لها، ما يجعل الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح مجبرًا على تفعيل المادة 107 لإعلان حالة الاستثناء وتعليق الدستور ثم الذهاب وتسليم المفاتيح لمجلس أو لجنة يترأسها ربما قائد الأركان، خدمة للبلاد والعباد ولملئ الفراغ الدستوري المترتب على تعنت المعارضة والشارع سطحيًا”.