أسابيع قليلة ويعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عودة تشي بكثير من المتغيرات التي ستشهدها السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما ملف العقوبات على إيران، وتهديد الرئيس الأمريكي الجديد بالعودة إلى سياسة “الضغط القصوى”.
وبالعودة إلى الدورة الأولى من حكم الرئيس الأمريكي ترامب، شهدت إيران قطع خطوط الإمداد المالي وإنهاء الاتفاق النووي ومحاصرة تصدير النفط والتجارة الإيرانية، في إطار سياسة “الضغط القصوى” التي تهدف إلى محاصرة طهران ماليًا واقتصاديًا.
الضغوط الاقتصادية بين إيران والعراق
عند النظر إلى تطورات الشرق الأوسط بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2013 وحرب الكيان الإسرائيلي على غزة واندلاع حرب لبنان بعدها، ثم تدخلات ما يعرف بـ”فصائل المقاومة العراقية” واستهداف مدن فلسطين المحتلة وما تبعها من تهديدات إسرائيلية للعراق، فإن جميع المؤشرات ومراكز الدراسات الدولية ترجح سياسة أمريكية أكثر قسوة تجاه إيران وأذرعها في المنطقة.
قد تفرض الإدارة الأمريكية عقوباتها على إيران عبر البوابة العراقية التي تعدها طهران شريان الحياة الاقتصادي، حيث تجاوز حجم الصادرات الإيرانية للعراق الـ8 مليارات دولار خلال الأشهر الـ9 الأولى من عام 2024.
علاوة على ذلك، يحتل تصدير الغاز والكهرباء الإيراني إلى العراق بعدًا كبيرًا في اقتصاد طهران، إذ يستورد العراق الغاز الإيراني لتشغيل محطات التوليد، في ظل استمرار إهدار وإحراق الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط في العراق، فضلًا عن استيراد الكهرباء من إيران، بما يكلف العراق أكثر من 2.2 مليار دولار سنويًا، وذلك وفق ما أكده نائب وزير النفط الإيراني مجيد جنكي، دون احتساب قيمة الكهرباء المصدرة.
وفي ظل تهديد الإدارة الأمريكية بمزيد من العقوبات على إيران، فإن احتمالية تمديد الإعفاء الأمريكي للعراق من استيراد الغاز والكهرباء الإيراني قد لا يجدد مرة أخرى، لا سيما أن الإدارة الأمريكية الحالية مددت الإعفاء للعراق 120 يومًا أخرى اعتبارًا من تاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول الحالي، الذي يمتد حتى نهاية الشهرين الأولين من حكم الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب.
وفي سياق طرق تعامل إيران مع العراق ماليًا تحت وطأة العقوبات الأمريكية ومنع واشنطن بغداد من تحويل الأموال إلى طهران بالدولار، أوضح الخبير الاقتصادي أنمار العبيدي لـ”نون بوست” أن الإعفاءات الأمريكية للعراق تتيح فقط لإيران استخدام الأموال المحتجزة لشراء احتياجات إنسانية مثل الغذاء والدواء، وذلك تحت رقابة صارمة من الولايات المتحدة، دون السماح بتحويل الدولار إليها مباشرة.
ويضيف العبيدي أن الأموال العراقية المحجوزة في الخارج لا تُعد الركيزة الأساسية للاقتصاد الإيراني وفقًا للمعطيات العراقية، حيث يتراوح حجم الصادرات الإيرانية غير النفطية بين 7 و8 مليارات دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، كما أن هناك تعاملات بين البلدين باستخدام العملة العراقية، مع اللجوء إلى شراء احتياجات إنسانية إيرانية بالدولار اعتمادًا على الأموال العراقية المجمدة في البنوك الدولية، وذلك تحت إشراف ورقابة صارمة، بحسب قوله.
مسارات التهريب والتحايل
تهريب الدولار من العراق إلى إيران يمثل جزءًا مهمًا من الاقتصاد الإيراني، لا سيما بعد أن سمحت إيران في 2022 بالتعامل بالدينار العراقي في 25 مصرفًا، ما أتاح لها شراء الدينار العراقي مباشرة، وتُستخدم هذه الآلية للحصول على الدولار عبر السوق السوداء العراقية، ما تسبب في ارتفاع سعر صرف الدولار فيها إلى أكثر من 1510 دينارات عراقية للدولار، بينما يبيعه البنك المركزي بسعر 1320 دينارًا فقط.
لا يقتصر التهريب على الدولار الأمريكي والدينار العراقي، إذ يشكل تهريب النفط الإيراني عاملًا مهمًا في تعزيز اقتصاد طهران في ظل العقوبات الغربية، فوفقًا لتقرير “رويترز” تحقق إيران ما يزيد على مليار دولار سنويًا من تهريب زيت الوقود العراقي عبر شبكة معقدة تشمل شركات وفصائل في العراق وإيران ودول الخليج.
كما كشف التقرير أن تهريب زيت الوقود ليس جديدًا، ولكنه شهد توسعًا وتعقيدًا منذ تولي السوداني السلطة، وتجري عملية التهريب عبر مسارين رئيسيين؛ خلط الوقود الإيراني مع كميات قليلة من زيت الوقود العراقي داخل الأراضي العراقية، ثم يُباع على أنه عراقي، وذلك لتقارب درجة كثافة الوقود العراقي ونظيره الإيراني، ما يجعل إمكانية اكتشاف التلاعب مستحيلًا.
أما الطريقة الثانية لتهريب زيت الوقود، فتتم عبر تسجيل معامل أسفلت وهمية في العراق، حيث تخصص الحكومة العراقية كميات شهرية من زيت الوقود لهذه المعامل، ثم يبالغ مالكو المعامل في تقدير احتياجاتهم عند طلب المخصصات الرسمية، مما يسمح بتحويل الكميات المخصصة للتصدير.
العراق في دائرة الخطر
مع تولي دونالد ترامب السلطة في 20 من يناير/كانون الثاني القادم، فإن المؤشرات تشي بتعامل مغاير مع العراق، فمن المتوقع أن تعمل الإدارة الأمريكية على حرمان إيران من التعامل والاستفادة من النظام المصرفي العراقي والالتفاف على العقوبات سواء من إيران أم وكلائها.
كما تشير التحذيرات والإجراءات الأمريكية إلى أن إيران ستواجه مزيدًا من التعقيد في البحار والمحيطات، خاصةً بعد فرض وزارة الخزانة الأمريكية الحالية في 3 ديسمبر/كانون الأول الحالي عقوبات على 35 كيانًا وسفينة قالت إنها “تلعب دورًا حيويًا” في نقل النفط الإيراني غير المشروع إلى الأسواق الخارجية.
من المتوقع أيضًا أن تمتد الإجراءات الأمريكية إلى الداخل العراقي، حيث تسيطر واشنطن على الأموال العراقية المتأتية من تصدير بغداد للنفط، وذلك من خلال البنك الفدرالي الأمريكي الذي تودع فيه بغداد أموالها، حيث عمدت واشنطن في مرات عديدة لتقنين نقل الأموال العراقية من واشنطن إلى بغداد أو تأخير النقل بحجج عديدة، بما شكّل ضغطًا على الحكومة العراقية لمراجعة الإجراءات المصرفية، وأدى لاحقًا لمعاقبة العديد من المصارف المحلية وإخراجها من مزاد بيع الدولار الأمريكي.
كما أن الإجراءات الأمريكية قد تشمل النفط العراقي، وهو ما حذر منه عضو لجنة النفط والغاز النيابية بهاء النوري، الذي أكد في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن أسعار النفط وحركة السوق النفطية العالمية التي تشمل العراق قد تشهد تغييرًا مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وتابع أن استقرار منطقة الشرق الأوسط يسهم في الاستقرار النفطي للعراق والمنطقة، مبينًا أن السياسة الخارجية تؤثر على تسعيرة النفط ومبيعاته، لا سيما أن العراق يعتمد على بيع النفط بنسبة 95% وأي مشكلات أخرى ستؤدي إلى انخفاض أسعاره عالميًا.
تصريحات النوري والخبراء الآخرين تشير إلى أن الحكومة العراقية قد تواجه ضغوطًا من الولايات المتحدة عبر سياسة العقوبات أو تأخير الدولار، خصوصًا في ملف التعامل مع إيران في مجالات مثل استيراد الغاز والتجارة، وذلك في ظل التحديات الاقتصادية التي قد تؤدي إلى عجز مالي، مما يفاقم من غضب الشعب العراقي، خاصة في ظل اعتماد الاقتصاد المحلي على القطاع العام بشكل شبه كامل.
يترقب العراقيون الأسابيع القادمة التي سيتولى فيها دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية وما ستتمخض عنه سياسة واشنطن الخارجية تجاه العراق اقتصاديًا وأمنيًا وما يتعلق بملف الإنسحاب الأمريكي كذلك، وارتباط كل هذه الملفات بالحروب والتوترات في منطقة الشرق الأوسط.