توافد آلاف المتظاهرين السودانيين، أمس الخميس، إلى مقر السفارة المصرية في الخرطوم للتعبير عن رفضهم لما يعتبرونه تدخلًا من جانب النظام المصري في شؤون بلادهم، وقبل ذلك رفع متظاهرون لافتات تدين التدخّل السعودي والإماراتي في بلادهم وخشيتهم من تحوّل السودان إلى ساحة صراع إقليمي، ينهش عظمه ويفشل حراكه المنادي بالحرية والسلطة المدنية.
نظام السيسي يفرض رؤيته
احتجّ المتظاهرون القادمين من ميدان الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش إلى السفارة المصرية، على ما وصفوه بتدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شؤون السودان، مرددين هتافات، بينها “السيسي ده (هذا) السودان، إنت حدودك بس (فقط) أسوان”، في إشارة إلى الحدود بين البلدين.
عقب ذلك سلّم ممثلون من قوى الحراك الشعبي مذكّرة للسفارة المصرية طالبوا فيها السيسي بوقف تدخله في الشأن السوداني، كما حذّروا فيها من مغبّة وقوف السلطات المصرية في وجه إرادة الشعب السوداني.
وكان السيسي، قد قال إن قادة أفارقة اتفقوا خلال اجتماع قمة، عقد في القاهرة الثلاثاء، على منح “المزيد من الوقت للسلطات السودانية والأطراف السودانية لإجراء إصلاحات وتأسيس نظام سياسي ديمقراطي”، لتمتدّ بذلك المهلة التي حدّدها الاتحاد الإفريقي للمجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة إلى حكومة انتقالية من 15 يومًا إلى 3 أشهر.
المساعدات التي تحدّثت عليها كلّ من الإمارات والسعودية، قدّرت بنحو ثلاثة مليارات دولار، وفق بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية
سبق أن رفع السودانيون لافتات كتب عليها، “النصر أو مصر”، في إشارة لتجربة تولي مجلس عسكري رئاسة البلاد في مصر عقب ثورة يناير/ كانون ثان 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك وما شهدته مصر عقب ذلك من تراجع للثورة وأهدافها.
ويثير التقارب بين النظام المصري والمجلس العسكري الحاكم في السودان مخاوف السودانيين، حيث يخشى هؤلاء من تدخّل مصري يعطّل مسار ثورتهم، التي أطاحت بالرئيس عمر البشير بعد نحو 30 عاما من حكمه، في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة للمدنيين.
ويرفض المحتجون في السودان، منح المجلس العسكري المزيد من الوقت لتنفيذ إجراءات الانتقال الديمقراطي بمساعدة الاتحاد الإفريقي الذي تترأسه مصر منذ فبراير/شباط الماضي، لخشيتهم من تدعيم العسكر وجودهم في السلطة، وعدم تسليمها للمدنيين.
دعم سعودي إماراتي سخي للعسكر السوداني
خشية السودانيون لم تكن من التدخل المصري فقط، بل من التدخّل السعودي الإماراتي في شؤونهم كذلك، حيث يولي الكثير من السودانيين اهتمامًا كبيرًا من قبل هاتين الدولتين بما يجري في بلادهم، ودعمهم الكبير للمجلس العسكري الذي تسلّم السلطة بعد الانقلاب على البشير.
وفي أول تعليق رسمي للسعودية والإمارات أعقب الإطاحة بالبشير، أعربت البلدين عن دعمهما للمجلس العسكري الانتقالي في السودان، وعزمها تقديم حزمات مساعدات للبلد. قالت السعودية إنها تعلن “دعمها للخطوات التي أعلنها المجلس العسكري الانتقالي والوقوف إلى جانب الشعب السوداني”، وأشارت إلى أن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، وجه بتقديم حزمة من المساعدات الإنسانية إلى السودان تشمل أدوية ومشتقات بترولية وقمحًا.
لافتة منددة بالتدخل الخارجي في شؤون السودان
بالتزامن مع ذلك، وجّه خليفة بن زايد بالتواصل مع المجلس العسكري الانتقالي لبحث مساعدة الشعب السوداني، عقب ذلك أجرى قادة الإمارات والسعودية اتصالات هاتفية برئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان لتأكيد دعمهما له.
وأكّدت الخارجية الإماراتية في بيان لها أنها “تدعم وتؤيد الخطوات التي أعلنها المجلس العسكري الانتقالي في السودان للمحافظة على الأرواح والممتلكات والوقوف إلى جانب الشعب السوداني“. وأعربت عن تمنياتها من “جميع القوى السياسية والشعبية والمهنية والمؤسسة العسكرية في السودان، الحفاظ على المؤسسات الشرعية والانتقال السلمي للسلطة“.
وفي خطوة أخرى تؤكّد حجم دعم البلدين لعسكر السودان، وصل وفد إماراتي سعودي رفيع المستوى إلى الخرطوم في زيارة استغرقت يومين، حيث التقى البرهان الذي بدوره أشاد بالعلاقات “المتميزة” بين بلاده والدولتين الخليجيتين.
المساعدات التي تحدّثت عليها كلّ من الإمارات والسعودية، قدّرت بنحو ثلاثة مليارات دولار، وفق بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، وأوضحت الوكالة أن المساعدات ستكون في صورة “500 مليون دولار مقدمة من البلدين كوديعة في البنك المركزي السوداني… كما سيتم صرف باقي المبلغ لتلبية الاحتياجات الملحة للشعب السوداني الشقيق تشمل الغذاء والدواء والمشتقات النفطية”.
خشية سودانية من دعم العسكر
يخشى المتظاهرون السودانيون، أن يؤدّي هذا الدعم المصري- السعودي-الإماراتي للمجلس العسكري الانتقالي إلى مزيد تدعيم مكانة الجيش في بلادهم، وهو ما من شأنه أن يؤخر تسلّم المدنيين للسلطة، هذا إن حصل أصلًا.
ويرفض السودانيون هذا التناغم بين الدول الثلاثة والمجلس الانتقالي الذي شكر مؤخرًا الدول التي دعمته، ويتبيّن ذلك من خلال الشعارات والهتافات التي ردّدها المعتصمون أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم، واللافتات التي رفعت ضد الثلاثي الراعي للثورات المضادة وهم مصر السعودية والإمارات.
هذه الخشية تزداد أكثر، باعتبار أن هذه الأنظمة الثلاثة كانت داعمة وبشدّة لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير إلى أخر أيامه على كرسي الرئاسة، وما انتقال الدعم من البشير إلى مجلس العسكر إلا دليل على تواصل نفس النظام في السودان، حسب المحتجين.
تهتم الإمارات كثيرا بالسواحل السودانية، خاصة بعد سحب البساط من تحت أرجلها في موانئ جيبوتي وأرض الصومال
تعتبر هذه الأنظمة من أكثر المستفيدين من بقاء الحكم بالسودان في يد المجلس العسكري، وعدم نقل السلطة للشعب، سواء بإجراء انتخابات عاجلة أو من خلال تشكيل مجلس حكم مدني، خوفًا من انتقال شرارة هذه التجربة لبلدانهم.
وتسعى كلّ من السعودية والإمارات ومصر لتمكين المجلس العسكري بقيادة البرهان عبر تقديم دعم اقتصادي لحلحلة أزمات البلاد الذي يعاني من أوضاع اقتصادية، وبالتالي يكسب المجلس ثقة السودانيين، ومحاولة لإعادة إنتاج النظام بشكل آخر، خدمة لمصالحهم على حساب مصلحة السودان العليا.
ويصرّ المتظاهرون في السودان على ضرورة تسليم السلطة سريعًا للمدنيين، بينما يقول المجلس العسكري إن عملية الانتقال قد تستغرق عامين. وكان الجيش السوداني قد أعلن في 11 أبريل/نيسان الحالي، الإطاحة بالرئيس عمر البشير واعتقاله، بعد أن قضّى قرابة 30 سنة في الحكم بعد انقلاب عسكري قاده عام 1989.
صراع إقليمي
إلى جانب تخوّفهم من إطالة أمد بقاء العسكر على سدّة الحكم، نتيجة هذا الدعم الثلاثي، يتخوّف السودانيون أيضًا من أن يكون هذا الدعم للمجلس العسكري من قبل مصر والإمارات والسعودية بداية تحوّل بلادهم إلى ساحة صراع إقليمي، خاصة في ظلّ وجود دول أخرى تتقرّب إلى المحتجّين.
ويخشى السودانيون أن تواجه بلادهم أيامًا صعبة نتيجة هذا الصراع الإقليمي في كلّ الدولة، خاصة أن الثلاثي السابق ذكره لا يخفي أطماعه في سواحل البحر الأحمر. حيث تسعى هذه الدول إلى السيطرة عليها بكلّ ما أوتيت من قوة لوقف التمدّد التركي في ميناء سواكن ببعديه الاقتصادي والعسكري.
ويرى هذا الثلاثي العربي أن تنامي الوجود التركي في مدينة سواكن السودانية على البحر الأحمر، من شأنه أن يربك خططهم، يحدّ من طموحاتهم البحرية هناك وأن يقلّص من هامش الحركة المتوفّر لهم في الوقت الحالي.
أمام هذا، يعمل هذا الثلاثي على الضغط على المجلس العسكري لإلغاء الاتفاقية التي أبرمها نظام عمر البشير مع تركيا، والتي تنصّ على استثمار تركيا في جزيرة سواكن، وإقامة قاعدة عسكرية فيها، وإعطاء هذا الامتياز لدولة الإمارات.
سعي خليجي للسيطرة على سواحل السودان
تتميّز جزيرة سواكن بموقعها الاستراتيجي الواقع شمال شرقي السودان، على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وهي منطقة أثرية تاريخية، تبلغ مساحتها عشرين كيلومتراً مربعاً، وكانت في السابق تُعتَبر الميناء الرئيس الذي تعتمد عليه السودان والذي يشكّل حلقة الوصل بين كل من أفريقيا وآسيا.
وتهتم الإمارات كثيرًا بالسواحل السودانية، خاصة بعد سحب البساط من تحت أرجلها في موانئ جيبوتي وأرض الصومال. ويرى حكام الإمارات أن السيطرة على سواحل السودان سيمكنهم من إحكام السيطرة على سواحل القرن الإفريقي، خاصة في ظل تمدّدهم في ميناء عصب بإريتريا وسواحل جنوبي اليمن.
من خلال ما قلنا، يبدو أن السودان وخاصة سواحله المطلّة على منطقة البحر الأحمر ستكون قبلة للتنافس بين أكثر من محور، بينها محور مصر والإمارات والسعودية، ومحور تركيا، فضلًا عن محور الصين ومحور الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أيضًا، ما يجعل الشعب السوداني أمام مهمة صعبة لحماية ثورته.