لم يعبأ جنرال الحرب حفتر، الذي يسيطر على مناطق ليبيا الشرقية، بأن يخفي أطماعه. كان حفتر ذات يوم واحدا من جنرالات معمر القذافي. عاد من منفاه في الولايات المتحدة عندما سقط الدكتاتور في عام 2011، وحاول القيام بانقلاب بعد ثلاثة أعوام، ولم يتوان عن إعلان رغبته، مرارا وتكرارا، في الاستيلاء على طرابلس، وصرح بأن بلاده غير مستعدة بعد للديمقراطية.
ولذلك لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد ادعاءات داعميه بأنهم صدموا حين رأوه يشن هجوما على العاصمة في الغرب الليبي، التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا. لربما كانت المفاجأة الوحيدة فعلا بشأن زحفه هي التوقيت. حيث إن تحركه جاء بينما كان الأمين العام للأمم المتحدة موجودا داخل البلاد لمناقشة الترتيبات لعقد مؤتمر تنظمه الأمم المتحدة؛ بهدف التمهيد للانتخابات، الأمر الذي نجم عنه تبديد الآمال بالتوصل إلى حل سياسي، وتأكيد ما ثبت حتى ذلك الحين من ازدرائه للعملية السياسية برمتها. وكما اشتكى رئيس الوزراء فايز السراج، التزم من كان يُفترض فيهم أنهم حلفاء ليبيا الصمت.
بات الليبيون، الذين كابدوا عقودا من حكم القذافي وما تلا ذلك من هرج ومرج إثر إسقاط حكمه على أيدي الثوار بدعم من الناتو
يبدو أن حفتر كان يأمل في قلب جراب المليشيات التي تعتمد عليها حكومة الوفاق الوطني، بحيث تصبح موالية له، وبذلك يتمكن من الدخول إلى طرابلس دونما عناء. ولكن نظرا لما تعرضت له قواته، التي يطلق عليها اسم الجيش الوطني الليبي، إلى الصد في أكناف طرابلس الخارجية، فقد تجلت بوضوح تكاليف أطماعه.
بات الليبيون، الذين كابدوا عقودا من حكم القذافي وما تلا ذلك من هرج ومرج إثر إسقاط حكمه على أيدي الثوار بدعم من الناتو، يواجهون اليوم فصلا جديدا من المعاناة. فقد قتل حتى الآن ما يزيد على مئتين وستين شخصا، بعضهم من المدنيين، وأصيب عدد أكبر من ذلك بجروح، فيما نزح ما يقرب من اثنين وثلاثين ألف شخص عن ديارهم.
ولم يسلم من المعاناة حتى اللاجئون داخل معسكرات الإيواء القاسية في البلد. ولعل الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي على قاعدة جوية للجيش الوطني الليبي في الجنوب يذكّر بأن الهجوم على طرابلس من شأنه أن يشعل فتيل القتال في غيرها من الأماكن.
فرنسا التي تزعم أنها تقوم بدور الوسيط سعت مرارا وتكرارا إلى تقويته، وقد دخلت بسبب ذلك في صدام مع دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص مع إيطاليا
على أن أزمة ليبيا لا تخص ليبيا وحدها. ولا أدلّ على ذلك من أن روسيا والولايات المتحدة كلتاهما سارعتا إلى إسقاط مشروع قرار تقدمت به بريطانيا إلى مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في ليبيا؛ لأنه ينتقد حفتر. بكل بساطة، كان دونالد ترامب، الذي أجرى معه مكالمة هاتفية ودية، آخر الراضخين. فقد كان حفتر بحاجة إلى دعم خارجي لشن هذا الهجوم، ويبدو من غير المحتمل أنه كان سيتمكن من شن حملة تستغرق كل ذلك الوقت دون دعم. ويبدو أن السلاح ينهال عليه من كل الاتجاهات.
كما تجدر الإشارة إلى أن تقدم حفتر باتجاه طرابلس جاء مباشرة بعد زيارة قام بها إلى المملكة العربية السعودية، حيث استقبله الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان. ناهيك عن الدور الذي تمارسه دولة الإمارات العربية، التي طالما كانت متحمسة بشكل خاص لتزويده بالسلاح والدعم العسكري. كما أن مصر داعم آخر من داعميه. ويعتقد بأن الإمارات ومصر قامتا كلتاهما بممارسة الضغط السياسي على الولايات المتحدة بالنيابة عنه.
إن وقف تدفق السلاح من الأولويات، ولطالما تعرض حظر السلاح الصادر عن الأمم المتحدة، والذي فرض في عام 2011، مرارا وتكرارا للانتهاك
وما هو صادم أكثر أن فرنسا التي تزعم أنها تقوم بدور الوسيط سعت مرارا وتكرارا إلى تقويته، وقد دخلت بسبب ذلك في صدام مع دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص مع إيطاليا. وذلك أن البلدين الأوروبيين يتنافسان على مصالح نفطية. ولكن يبدو أيضا أن فرنسا صدقت دعاية حفتر التي تصوره على أنه رجل قوي على نمط السيسي، بإمكانه أن يوحد البلاد ويزرع فيها الاستقرار، ويكبح جماح المتطرفين، ويوقف مرور المهاجرين عبر ليبيا. لكنه في حقيقة الأمر يعتمد على مليشيات سلفية، ويبدو أقل قوة وأتفه مما كان يأمل داعموه، والأغلب أنه بسبب رعونته وسلطويته سوف يتسبب في مزيد من التقسيم وتأجيج الصراع في بلده. وبات هؤلاء الداعمون يشعرون بأن الحل العسكري ليس حلا على الإطلاق.
إن وقف تدفق السلاح من الأولويات، ولطالما تعرض حظر السلاح الصادر عن الأمم المتحدة، والذي فرض في عام 2011، مرارا وتكرارا للانتهاك. ويتوجب على بقية دول الاتحاد الأوروبي الضغط على فرنسا؛ حتى تفكر بشكل أكثر عقلانية بشأن مصالح أوروبا، وذلك أن القارة الأوروبية ستشعر بالتداعيات أكثر من غيرها. ما زال احتمال أن يستفيد تنظيم الدولة الإسلامية من الفوضى قائما. لم تتولد أزمة ليبيا من أحداث جرت داخل حدودها، ولا يتوقع لها أن تنتهي عند تلك الحدود.
المصدر: الغارديان
ترجمة وتحرير: عربي21