في الوقت الذي التقي فيه وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، ديسمبر الماضي 2018، كلاً من رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، أكد على لاءات ثلاث لا يوافق عليها الاحتلال الإسرائيلي وهي: “لا تعديل على اتفاقية أوسلو، ولا تعديل على اتفاقية باريس الاقتصادية، ولا تعديل على الاتفاقيات الأمنية”، ولن يقبل إسرائيلي أي تعديلات على هذه الاتفاقيات المبرمة مع السلطة الفلسطينية.
في السياق السابق أصبحت الحاجة للتعديلات مطلبًا دائمًا من السلطة، وأصبحت الأزمة المالية للسلطة هي الحديث الأكثر حضورًا في تصريحات مسؤولي السلطة الفلسطينية في العامين السابقين، لاحقت خلالها أمريكا والاحتلال الإسرائيلي كل مصادر التمويل للسلطة، فأوقفت جزءًا كبيرًا منها وأعادت توزيع جزء من المتبقي، أولها خصم الاحتلال الإسرائيلي 11.3 مليون دولار من حجم إيرادات المقاصة البالغ 180 مليون دولار شهريًا بتهمة أنها لعوائل الأسرى والشهداء، ورفض السلطة استلام المقاصة، وتوجهها للاقتراض من البنوك الفلسطينية المحلية بقيمة 60 مليون دولار شهريًا، لمدة ستة شهور، مع تقشفات مالية تتبعها حكومة أشتية الحاليّة للتعامل مع الأزمة، وتشمل إجراءات السلطة “شبكة الأمان والقروض والتقشف والضرائب”.
أكد البيان الختامي لاجتماع جامعة الدول العربية “التزام الدول العربية بدعم الموازنة الفلسطينية وتنفيذ قرار قمة تونس بتفعيل شبكة أمان مالية بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي شهريًا، لمواجهة الضغوط السياسية والمالية التي تتعرض لها القضية”
وكشفت تصريحات عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية حجم الأزمة التي تعاني منها السلطة حيث قال: “الأمور قد تتوتر والسلطة قد تنهار و”إسرائيل” قد تعيد احتلال الضفة الغربية”.
ويحاول الرئيس الفلسطيني محمود عباس تدارك الأزمة بتوفير شبكة ضمان عربية مالية، فقد كان المال حاضرًا في خطاب الرئيس عباس أمام وزراء خارجية جامعة الدول العربية في اجتماع القاهرة بالأمس قائلاً: “الفلسطينيون يواجهون أخطر التحديات في تاريخهم، وأدعو الدول العربية لمنح الفلسطينيين شبكة أمان سياسية واقتصادية”.
وأكد البيان الختامي لاجتماع جامعة الدول العربية “التزام الدول العربية بدعم الموازنة الفلسطينية وتنفيذ قرار قمة تونس بتفعيل شبكة أمان مالية بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي شهريًا، لمواجهة الضغوط السياسية والمالية التي تتعرض لها القضية”، وأكدت القمة العربية التي عقدت في تونس الشهر الماضي تفعيل شبكة أمان مالي دعمًا لفلسطين أمام الضغوطات المالية التي تتعرض لها.
الالتزام غير التعهد.. والسلطة تحاول السيطرة على القرار من خلال المال
صرح وزير الخارجية وشؤون المغتربين الفلسطيني رياض المالكي، عبر تليفزيون فلسطين أن الدول العربية لم توف بتعهداتها المالية لصالح شبكة الأمان المالية لفلسطين حتى اللحظة ما عدا السعودية التي تدفع حصتها البالغة 14% بشكل مستمر كل ثلاثة شهور ما يعادل 20 مليون دولار.
المالكي أضاف: “دبلوماسيًا لا نستطيع أن نحرج أحدًا في قضايا تتعلق بالمال، لكننا نحرج الجميع إذا تعلق الأمر بمواقف سياسية”، وما دامت السلطة قادرة على إحراج الجميع، لماذا لم توحّد الموقف الفلسطيني أولاً، ولماذا لم توقف التطبيع ثانيًا؟
مع أن الاجتماع العربي في مصر أكد على دولة فلسطينية وفق مبادرة السلام العربية، لكن الخطاب الفلسطيني لم يركز أيضًا على قضية خطورة التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي وتجريمه
إذًا تبقى الإشكالية في الالتزام بالتعهدات المالية، لكن هناك سؤال يطرح بشكل واضح، لماذا أصبح المطلب المركزي للسلطة شبكة أمان مالية قبل أي ترتيبات سياسية داخلية فلسطينية؟ مما وضع جوهر الصراع في خانة المال فقط، وكان على صانع القرار السياسي الفلسطيني في السلطة إنهاء ملف الانقسام الفلسطيني وتوحيد الموقف الفلسطيني قبل الذهاب لجامعة الدول العربية والحديث عن شبكة الأمان المالي، كما أن الحديث عن تفاصيل الانقسام السياسي بالشكل الذي حدث يضع العرب في خانة المتعهد الذي ينتظر توحد قرار الفلسطينيين لا الملتزم.
ومع أن الاجتماع العربي في مصر أكد على دولة فلسطينية وفق مبادرة السلام العربية، لكن الخطاب الفلسطيني لم يركز أيضًا على قضية خطورة التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي وتجريمه واتخاذ خطوات حقيقية من الجامعة العربية لوقفه، كوسيلة ضغط عربية على الاحتلال الإسرائيلي، وهنا لم ينجح الخطاب الفلسطيني لنقل الدول العربية من التبعية لأمريكا للاستقلال فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والمانحين لها.
إشكالية المتعهد المالي العربي في الالتزام
إشكالية المتعهّد خوفه من عدم الإحراج، فيتعهد بالمبالغ المالية خصوصًا القضية الفلسطينية ذات الرمزية الكبيرة، أو عدم مقدرته على مواجهة الضغوطات المالية الأمريكية والإسرائيلية على السلطة الفلسطينية في السياق الفلسطيني، وهنا تريد السلطة ربط المال بها تمامًا لوضع جميع الفصائل الفلسطينية تحت مؤسساتها وقراراتها، لذا تحاول البحث عن المال أولًا، لكن هذا في الواقع لن يتم رغم شحّ مصادر التمويل للفصائل الفلسطينية بشكل كبير، إلا أنها ستجد بدائل بعيدًا عن سيطرة السلطة، وعليه فإن الذهاب للموقف الموحد أولاً قبل المال يجبر الجميع على الالتزام.
قد توفر شبكة الأمان المالي العربي حلاً للسلطة الفلسطينية لكن بشكل مؤقت، يتناقص دوره أمام تغيرات الاحتلال الإسرائيلي على الأرض من الاستيطان والضغط الأمريكي على السلطة إضافة لبقاء حماس والفصائل خارج نسق مؤسسات السلطة بشكل واقعي، وأمام مصاريف السلطة التي تزيد بشكل دائم أمام تحديات الواقع، سيستنزف ذلك السلطة أمام صفقة القرن، خصوصًا أن جانبها الاقتصادي مغرٍ لنزع القضية الفلسطينية من بُعدها السياسي، ويبقى السؤال هنا: هل يستطيع العرب تقديم المال للسلطة في هذا الوقت الحرج بعيدًا عن الضغوطات الأمريكية؟