ترجمة وتحرير نون بوست
من المفترض أن يمثّل الموقع الاستراتيجي الذي تتميّز به بعض البلدان فرصة اقتصادية هامة لاسيما في مجال النقل العابر. ويساعد مجال النقل الدولي في توطيد العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول إلى جانب تأثيرها الكبير على الظروف الاقتصادية لبلدان المنشأ وبلدان المقصد.
إن قدرة إيران على النفاذ إلى بحر قزوين من جهة الشمال والخليج العربي من جهة الجنوب وبحر عمان كممر مائي يمتد إلى المحيط الهندي، من شأنها أن تساعد على تعزيز حضورها الدائم في مجال النقل الدولي بصفتها جسرا يربط بين شرق وغرب العالم. ويتأكّد هذا الأمر من خلال ممرات العبور القديمة التي تعبر إيران على غرار طريق الحرير.
يعتبر إنشاء واستكمال خط السكة الحديدية الرابط بين قزوين ورشت في آذار/ مارس 2019، بمثابة القفزة النوعية نحو توسيع نطاق البنية التحتية للسكك الحديدية في إيران. وقد شمل هذا المشروع إتمام جزء كبير من الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب باعتباره أحد ممرات السكك الحديدية العشرة التي وقع عليها الاختيار خلال قمة هلسنكي سنة 1992، حيث حظيت بالموافقة بصفتها الطرقات الرئيسية الرابطة بين الدول الثلاث: إيران وروسيا والهند.
تمّ التوقيع على الاتفاق الأولي بشأن إنشاء هذا الممر في سانت بطرسبرغ بين الولايات الثلاث المذكورة في سنة 2000. وتفيد الوثائق الرسمية الحالية بأن هذا الممر يصل بين بلدان جنوب آسيا وشمال أوروبا. وعلى إثر استكمال الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب، سترتبط الدول الشمالية مثل فنلندا، إلى جانب الوجهات المحددة الأخرى، بالهند بالإضافة إلى ربط دول الخليج العربي ودول المحيط الهندي بأوروبا؛ وهو ما يمثّل ثورة في مجال النقل الدولي. وتكمن المزايا الأكثر أهمية لهذا الممر في اختصار الطريق بين الدول المشاركة، فضلا عن ربح الوقت وخفض التكاليف.
أهم مزايا إنشاء الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب
مثل سائر الممرات الدولية الأخرى، يتميّز الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب ببعض الخصائص الهامة التي تجعله متفرّدا. وفيما يلي، نظرة على البعض من مميزاته:
دور مميّز لإيران
كما هو موضّح في الخريطة، تقع إيران في مركز الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب، الذي يمثّل طريق المرور الرئيسي والجسر الرابط بين منطقتي الشمال والجنوب. ووفقًا للمعلومات المنشورة من قبل شركة سكك الحديد الإيرانية، فإنه خلال سنة 2018 فقط شهد الممر عبور أكثر من 253 ألف طن من البضائع المشحونة عبر منطقة آستارا الحدودية من أو إلى أذربيجان، حيث نُقلت هذه الكمية من البضائع بواسطة 4094 عربة. وفي ظل العقوبات الاقتصادية الأمريكية، يعتبر هذا الأمر انتصارا عظيما بالنسبة لإيران.
عند الانتهاء من إنشاء الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب، من المحتمل أن تصبح إيران قادرة على تعزيز ناتجها المحلي الإجمالي بفضل مجال النقل العابر الذي سيكون مصدرا مستداما للدخل، والذي سيجنّب البلاد الاعتماد الكلي على صادرات النفط.
تفعيل ممر النقل بين الجنوب والغرب في الوقت نفسه
إن الأطراف التي شاركت في التوقيع على اتفاقية إنشاء الممر الدولي للنقل بين الجنوب والغرب في آذار/ مارس، تتمثل في رؤساء شركات السكك الحديدية في كل من بولندا وإيران وأوكرانيا وجورجيا وأذربيجان 2017. وفي الحقيقة، بُعث هذا المشروع نتيجة فكرة ثلاثية مشتركة بين إيران وأذربيجان وجورجيا.
بينما من المفترض أن يقع إنشاء ممر النقل بين الجنوب والغرب كفرع من الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب، اتفقت الأطراف المشاركة على إنشاء ممر جديد يحمل اسما منفصلا. وحسب ما توضحه الخريطة أعلاه، يشترك كلا الممرين في المسار ذاته من الهند إلى أذربيجان. ومن الواضح أن إنشاء الممر الدولي للنقل بين الجنوب والغرب يعتمد أيضًا على ضرورة استكمال الجزء المفقود من السكك الحديدية الإيرانية الذي سيلعب دور همزة الوصل. ولا يساهم استكمال خط السكة الحديدية الرابطة بين قزوين ورشت في حل مشكلة هذا الرابط المفقود فحسب، بل سيساهم أيضا في تحقيق نجاح باهر فيما يتعلّق بتفعيل ممر النقل بين الجنوب والغرب.
وفقًا لتقديرات الخبراء، من المرجّح أن يشهد ممر النقل بين الجنوب والغرب على عبور حوالي مليوني طن على الأقل من البضاعة المشحونة خلال السنة الأولى من إنشائه. وفي حال أضفنا هذا المبلغ إلى 253 ألف طن من البضاعة المشحونة عبر الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب، فقد ينتج عن ذلك مرور أكثر من 2.5 مليون طن من البضاعة عبر المسار الخاص بإيران.
زيادة القدرة التنافسية المحتملة لإيران مقابل الاستفادة من الممرات الفرعية كحلول بديلة
أدّى عدم استكمال الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب إلى ظهور بدائل جديدة على غرار خط سكة حديد “باكو-تبليسي-كارس” والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وطريق الحرير الذي يمر ببحر قزوين ليربط بين الصين وأوروبا عبر طريق الحرير القطبي الذي يفترض أنه مبادرة مشتركة بين روسيا والصين بهدف ربط آسيا وأوروبا من جهة بحر الشمال.
بطبيعة الحال، تعتبر جميع البدائل المذكورة مرتفعة التكاليف مقارنة بالممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب. وحتى إذا ما تم تشغيل بعض الممرات الفرعية على غرار طريق الحرير القطبي، فإن الدول الأطراف تحتاج إلى تصنيع كاسحات جليد ضخمة ومكلفة تعمل بالطاقة النوويةلتعبر في اتجاه الشمال. ويمكن لاستكمال خط السكة الحديدية الرابطة بين قزوين ورشت أن يجعل إيران تدنو أكثر من أحلامها القديمة المتمثلة في إحياء دور طريق الحرير الكلاسيكي وضمان ظهوره في حلّة جديدة.
الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب بمثابة النفس الجديد
يمكن للاستكمال التدريجي للممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب أن يساهم في تمركز إيران في محور ممرات العبور الدولية بين شرق الكرة الأرضية وغربها، ما يؤدي إلى إحياء الدور الكلاسيكي لهذا البلد في هذا المجال.
مع العقوبات الأمريكية المجحفة المفروضة على إيران، يحقق هذا البلد زيادة في الطلب على استخدام ممرات العبور الفرعية الإيرانية، وهو عامل من شأنه أن يجنّبه الاعتماد الكلي على قطاع النفط. وفي الواقع، لم تساهم العقوبات المفروضة على إيران في دفعها إلى الانتقال نحو الاقتصاد “الذي لا يقوم على النفط” فحسب، بل أتاحت لها أيضا الفرصة لاستخدام إمكاناتها في مجال النقل الدولي كوسيلة حديثة وناجحة لضمان التنمية الاقتصادية المستدامة.
المصدر: مودرن ديبلوماسي