تشترك المملكة المغربية مع بعض الدول في العديد من الألعاب الشعبية، كما أنها تتميز ببعض الألعاب التي ارتبط بعضها باسم المملكة لا غير، فما إن تسمع كلمة “الطرومبية” و”التبوريدة”، حتى تعلم أن الحديث حتمًا عن الألعاب الشعبية المغربية التي اندثر بعضها نتيجة تطور الحياة والانتقال إلى كل ماهو إلكتروني، وبقاء بعضها الآخر يجابه كل العاديات، حتى إن قل لاعبوها، في هذا التقرير لـ “نون بوست”، سنتعرف معًا على هذه الألعاب.
البيناك.. لعبة الكرات الزجاجية
ضمن الألعاب التي اشتهر بها المغاربة، نجد البيناك التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، وهي لعبة جماعية بكرات زجاجية صغيرة تكون غالبًا مزخرفة اللون، وعلى اللاعب في هذه اللعبة أن يصيب كرة منافسه بواسطة كرته وبطريقة رمي خاصة يستعمل فيها السبابة والإبهام فقط، ثم يدخلها – الكرة – في حفرة تُعد خصيصًا للعبة، فيكسب بذلك كرة زميله .
غالبًا ما يحاول الطفل تقليد صوت محرك العجلة ومحاكاته عبر إصدار أزيز من فمه، ما يزيد من نشوته وغبطته
كما ينظم الأطفال الصغار في بعض الأحيان، مسابقات بينهم، وكل ما يحتاجون إليه هو قرص إسمنتي قطره نحو 70 سنتيمترًا توضع في وسطه 49 كرة زجاجية ويحصل كل لاعب على نقطة في حال إصابة إحدى الكرات بكرته وإخراجها من الدائر والفائز هو أول من يحصد 25 نقطة.
خلال هذه المسابقة، يتجمع الصغار حول اللاعبين للفرجة والتشجيع، كل يشجع صديقه ويزيد من عزيمته حتى يكون النصر حليفه، ويتقاسم معه النجاح والفرحة بالفوز، فتجد الجميع يصيح ويصفق، ما يزيد من حماسة اللاعبين ويضفي للعبة رونقًا آخر.
تعرف هذه اللعبة بأسماء مختلفة عند العرب منها البلي في مصر والدعابل في العراق والبس في تونس والغلال في بلاد الشام وتعد من ألعاب الصبية ويشترك فيها أكثر من لاعب وتختلف طريقة وقوانين اللعبة حسب كل منطقة، غير أنها في دول المغرب العربي تكاد تكون متشابهة.
“الجراية” سباق العجلات
لا يكتفي الطفل المغربي بهذه الألعاب فقط، فطاقة إبداعه لا تنضب وفكره لا يكف عن الابتكار، ما يجعله يبتكر ألعاب عديدة يطوعها للترفيه في أوقات فراغه، فنجد أيضًا لعبة “العجلة” التي تعرف أيضًا باسم “الجراية”.
وتتم هذه اللعبة، من خلال الجري وراء عجلة بلاستيكية لدراجة عادية أو نارية، إذ يقود الطفل المغربي خاصة في الأرياف والقرى، عجلة بعصا صغيرة ويضربها لتسرع أكثر في الاتجاه الذي يرغب فيه ويضاعف سرعته بسرعتها حتى يحتل المرتبة الأولى دون أن تسقط العجلة على قاع الأرض.
تعني “الطرومبية” الخذروف، الذي يطلق عليه أيضًا اسم الدبور أو البكرة وكذلك النحلة، في إشارة إلى صوتها الذي يشبه أصوات تلك الحشرات
غالبًا ما يحاول الطفل تقليد صوت محرك العجلة ومحاكاته عبر إصدار أزيز من فمه، ما يزيد من نشوته وغبطته، كأنه فوق دراجة حقيقية، يتسابق بها في مضامير السباق، ولئن كان الفائز صاحب المرتبة الأولى فإن الفرحة للجميع يتقاسمها الكل.
وتشتهر هذه اللعبة خاصة في فصل الصيف وبالتحديد في فترة المساء، وتعتبر “الجراية” إحدى الألعاب التي تراجع وجودها في الشارع المغربي بعد أن كانت قديمًا متنفسًا للأطفال الذين لم يجدوا سوى ألعابهم الشعبية اليدوية.
الطرومبية.. شد الخيط على النحلة
قديمًا، كان العديد من أطفال المغرب ينتظرون جرس المدرسة ليسارعوا للانصراف ومغادرة قاعات الدراسة والالتحاق بحلبات لعب “الطرومبية”، والاستمتاع بهذه اللعبة الشعبية الجميلة التي تمنحهم السعادة والراحة بعد يوم دراسة شاق.
وتتألف لعبة “الطرومبية” التي تشتهر عادة في فصل الربيع، من قطعة خشبية ذات شكل مخروطي مصبوغة بالأحمر، تنتهي بسنٍ مدبب يسمح لها بالدوران بسرعة كبيرة، يلفها الطفل بخيط ويرميها في اتجاه الأرض ثم يشد الخيط في يده، فتدور القطعة الخشبية بسرعة، والرابح بين الأطفال هو الذي تدور قطعته لوقت أطول من الآخرين.
تعني “الطرومبية” الخذروف، الذي يطلق عليه أيضًا اسم الدبور أو البكرة وكذلك النحلة، في إشارة إلى صوتها الذي يشبه أصوات تلك الحشرات، وتُصنَع “الطرومبية” عادة من الخشب ويمكن أن تصنع أيضًا من المعدن أو البلاستيك (غير موجودة بكثرة)، وتدور على مسمار حديدي.
التبوريدة.. لعبة الفرسان
هذه الألعاب لم تكن يومًا حكرًا على الأطفال الصغار فقط، فللكبار نصيب أيضًا، من أمثال تلك اللعب الشعبية المخصصة غالبًا للكبار نجد “التبوريدة”، وهي من ألعاب الفروسية التي تشتهر بين المغاربة بهذا الاسم نسبة إلى البارود المستعمل لدى الفرسان المتبارين.
تعرف أيضًا باسم “الفانتازيا”، وتسمى أيضًا “الخيالة” و”الباردية” و”صحاب البارود”، وتحكي هذه اللعبة القديمة – قدم العلاقة بين الخيل وأهل المغرب – ارتباط المغاربة بالأحصنة والفروسية التي تمثل رمزًا تاريخيًا وتراثيًا تتوارث الأجيال العناية والاهتمام به، فهي عبارة عن هوية مشتركة لهم.
تنتشر هذه اللعبة في جميع مناطق المغرب العربية والأمازيغية والسهلية والجبلية، ووفقًا لعدد من المراجع، فإن “التبوريدة” تراث شعبي حي يقدم صفحات من تاريخ الجهاد بالمغرب ضد الغزاة الذين احتلوا الأرض وانتهكوا العرض، حيث كان المجاهدون يركبون ظهور الخيل والبنادق في أيديهم وينظمون صفوفهم لمواجهة المحتل.
يتم في مشاهد “البارودية” استخدام الخيل والبارود من خلال تمثيليات لبعض الهجمات يشنها فرسان على متن خيولهم المزينة، مطلقين عيارات من البارود، وتشكل هذه اللعبة الفرجة الرئيسية في مناسبات تخليد ذكرى الأولياء المعروفة بـ”الموسم” أو “الوعدة” التي تنظم في المناطق القروية المغربية، وتقام خلالها ولائم كبرى تعرف بالزردة أو الطعام، إضافة إلى الأعياد الدينية كعيد الفطر والمولد النبوي، ناهيك عن حفلات الزواج.
يتشكل العرض من “السربة”، وهي مجموعة الفرسان والخيول التي تعدو في التبوريدة، من 11 إلى 15 فارسًا يصطفون على خط انطلاق واحد، ويترأسها “المقدم” الذي يتخذ مكانه في وسط الفرقة وينسق حركات الرجال والخيل معًا، ويجري السباق على مضمار يسمى “المحرك”، يتراوح طوله بين 151 و200 متر، أما اللباس الذي يرتديه الفرسان فهو لباس تقليدي وموحد.
تلقى لعبة ” أمسيسي” التي يعود تاريخها إلى البدو الرحل بالصحراء الشرقية للمغرب، شعبية واسعة، وتحكمها قوانين كجميع الألعاب الأخرى
خلال هذه العروض، يقوم الفارس بحركات بهلوانية خطيرة على ظهر الفرس وتحت بطنه، لكنها بالغة الروعة، لتظهر درجة الحب بين الفارس وفرسه والتكامل والالتحام والانسجام بينهما، فلولا الانسجام بينهما لتعرض الفارس لحوادث خطيرة.
في هذا الاستعراض الفلكلوري، تستحضر “البارودية” تقليد الأسلاف الذين كانوا يبرزون به مواهبهم القتالية أيام الحرب ومهارات القنص والصيد أيام السلم خلال العرض الفروسي، في مسعى من الفرسان للحفاظ على تراثهم وتقاليدهم المتوارثة منذ مئات السنين.
“شيرا”.. هوكي الأطلس
من الألعاب القديمة التي كانت منتشرة بالمغرب خاصة منطقة الأطلس، نجد لعبة “شيرا” التي يطلق عليها أيضًا اسم “أمسيسي” أو “المكشاح”، وهي لعبة أمازيغية ضاربة في القدم تلعب بكرة تصنع من شعر البقر ومضرب مثل عصا الكولف فهي مثل لعبة الهوكي.
تتمثل هذه اللعبة في مباراة بين فريقين، كل فريق يتكون من سبع لاعبين حفاة، يرتدي الفريق الأول زي صحراوي أزرق، فيما يرتدي الفريق الثاني زي صحراوي أبيض، ويعطي الحكم الذي يطلق عليه اسم “الشيخ” شارة بداية المباراة التي تقام على الرمل.
يتكون فريق “المكشاح” من 7 لاعبين
يحمل لاعبو المكشاح، عصي مصنوعة من الأشجار، آخرها معقوف، كأنها عكاز مقلوب، وتكون شبيهة بعصي الهوكي أما الكرة فيتم صنعها من وبر الإبل، لتنطلق المباراة في جو من التنافس، وسط تصفيق الجماهير المنبهرين بجمال اللعبة وبراعة اللاعبين.
وتلقى لعبة “أمسيسي” التي يعود تاريخها إلى البدو الرحل بالصحراء الشرقية للمـغرب، شعبية واسعة، وتحكمها قوانين كجميع الألعاب الأخرى، فإذا مست مثلاً الكرة رجْل اللاعب، فهذا يعتبر خطأ ويطلق عليه “برد”، ووفق قوانين اللعبة فإن كل فريق يعمل على دفع الكرة إلى ما وراء خط الفريق المنافس من أجل تسجيل نقاط أكثر.
“كورارا”.. لعبة الأقوياء
ضمن الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها مناطق المغرب نجد أيضًا لعبة “كورارا“، وهي لعبة تستعمل فيها اليدين كشرط أساسي، ويمنع منعًا كليًا اللكم والضرب بالرجلين، أي أنها مزيج بين تقنيات الجيدو والسومو.
الغلبة تكون للأقوى في لعبة “كورارا”
تلعب هذه اللعبة بين فريقين لمدة 6 دقائق على شوطين، يتكون عدد اللاعبين لكل فريق من خمسة متبارزين، ويقدم كل فريق أجود المتبارزين في الفردي، حسب قدرات الفريق الخصم ويجب أن يكون الملعب معشوشب أو مرمل، لكي لا يكون هناك ضرر عند إسقاط أحد المتبارزين، وهو عبارة عن دائرة بقطر 1 متر و90 سنتيمترًا.
يدير المنافسات في التباري حكم يسمى “المقدم”، وتكون له الصلاحية في إقصاء أو إثبات أي مخالفة، إذا تمكن اللاعب من الفريق الأول من رفع اللاعب من الفريق الثاني دون أن يلمس الأرض، ثم الخروج به خارج الكورارا، تم يدخل به إلى الحلبة مجددًا ويسقطه أرضًا وتحكم في قبضته لمدة خمس ثوان، يعتبر فائز.