في الهزيع الأخير من ليل الثلاثاء 3 ديسمبر/كانون الأول الحالي، وتحديدًا الساعة 11 مساء (14:00 بتوقيت غرينتش)، أعلن الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، ودون سابق إنذار، فرض الأحكام العرفية في البلاد، بدعوى تعاطف الحزب الديمقراطي المعارض مع كوريا الشمالية والانخراط في أنشطة معادية للدولة، وعلى الفور تم تسليم المرسوم للجيش الذي بدأ في تنفيذه عبر نشر جنوده مع عناصر الشرطة في محيط وداخل مبنى الجمعية الوطنية (البرلمان) الذي أصبح محاطًا من الأرض والسماء عبر المروحيات التي شوهدت تهبط على سطحه.
وتوقع يول أن الإعلان عن هذا القرار في هذا الوقت المتأخر من الليل، سيسهل تمريره، حيث ستكون الأمور كلها تحت السيطرة مع بداية اليوم التالي ومباشرة الكوريين، مسؤولين ومواطنين، لأعمالهم، لكن المفاجأة كانت صادمة، ففي غضون ساعتين كان أكثر من 190 برلمانيًا (من إجمالي 330 عضوًا) داخل مبنى الجمعية الوطنية رغمًا عن أنف القوات الأمنية المحيطة به، ليعقد البرلمان جلسته الطارئة ويتخذ قرارًا برفض الأحكام العرفية.
القرار كان صادمًا على الرئيس الكوري الذي لم يتوقع هذا التحرك وبتلك الكيفية وفي هذا الوقت المتأخر، ومع حلول الساعة 4:30 صباحًا (19:30 بتوقيت غرينتش)، أعلن أنه سيتراجع عن قراره، مؤكدًا في بيان له أن قوات الجيش المرسلة لتنفيذ الأمر ستنسحب من أماكنها داخل البرلمان، لكنه في الوقت نفسه لم يتخلَ عن مزاعمه لتبرير هذا القرار، وهي المزاعم المعتادة التي يلجأ إليها أصحاب مثل تلك الإجراءات الديكتاتورية في العالم، والتي أصبحت “إكليشيهات” محفوظة، المؤامرات الخارجية والدفاع عن الدولة من مخططات الإسقاط.
وبينما كان يؤمل يول نفسه – من خلال تلك الأحكام العرفية – بسلطة مطلقة، يستعيد بها نفوذه ويحمي فساد عائلته ومقربيه، ويطيح بالمعارضة المشاكسة، ويمهد الطريق نحو ترسيخ ديكتاتورية جديدة دون منغصات سياسية أو تشريعية، إذ به يواجه اليوم خطر العزل من منصبه، ويخضع للتحقيق من السلطة القضائية والشرطية فيما نُسب إليه من اتهامات التمرد وتهديد استقرار الدولة.
هذه السرعة في إفشال مخطط يول للانقلاب على الديمقراطية واستهداف المعارضة بمثل تلك الأحكام والقرارات غير الدستورية، لم يصب الرئيس وحكومته وحدهم بالصدمة، بل أصاب الشارع العربي كذلك، الذي لم يعتاد على هكذا سيناريو في مواجهة الديكتاتوريات، وهو الذي تعرض للعشرات من شاكلة هذه المخططات التي نجحت ومُررت بشكل سلس ودون أي مقاومة.. وهنا التساؤل الذي بات يفرض نفسه على ألسنة المتابعين: لماذا فشل الانقلاب على الديمقراطية وإرادة الشعب في كوريا الجنوبية ونجح وبجدارة في منطقتنا العربية؟
محاولة للفهم.. ما الذي حدث في كوريا الجنوبية؟
بالعودة للوراء قليلًا نجد أن الأزمة بدأت مع تولي يول السلطة في 2022 بعد فوزه الصعب في الانتخابات التي جرت في ذلك العام وبفارق ضئيل جدًا (0.8%) عن منافسه لي جاي ميونغ، وهو الفوز الذي اعتبر مطلعون حينها أنه جاء تعبيرًا عن رفض حكم الرئيس السابق مون جاي إن، ذي التوجه الليبرالي.
لكن يبدو أن يول لم يستوعب الدرس جيدًا، فبدأت روائح الفساد الكريهة تخرج من كل جانب، هدايا وتلاعب بالأسهم في البورصة ومشروعات مثيرة للشك والريبة، وصلت إلى عائلته ومقربيه، وفي المقدمة منهم زوجته كيم كون هي، التي اتهمت بقبول حقيبة من العلامة التجارية الفاخرة “ديور”، وهو ما أدى إلى تراجع نسب تأييده إلى مستويات غير مسبوقة، لا تتجاوز 19%.
ومع أول اختبار حقيقي لتلك الشعبية المتراجعة، خسر يول الانتخابات العامة للبلاد التي جرت في أبريل/نيسان الماضي، لتهيمن المعارضة وبأغلبية ساحقة على مقاعد البرلمان، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على أداء الرئيس وحكومته ومواجهتهما لصعوبات بالغة في تمرير مشروعات القوانين المقدمة.
لكن يبدو أن الكوارث لا تأتي فرادى، إذ أعقب تلك الانتخابات استقالات جماعية لبعض المقربين من الرئيس، شملت رئيس الوزراء وعددًا من كبار مساعديه وحلفائه السابقين، فضلًا عن تصاعد مطالب المعارضة بالتحقيق مع السيدة الأولى زوجته، وهو ما رفضه، مكتفيًا بإنشاء مكتب للإشراف على واجباتها وهو ما أثار حفيظة المعارضة.
ثم جاء إقرار نواب المعارضة، الأسبوع الماضي، لمقترح خاص بخفض الميزانية المقدمة من الرئيس بمقدار 2.8 مليار دولار، وتخفيض صندوق الاحتياط الحكومي وميزانيات النشاطات لمكتب الرئيس والادعاء والشرطة ووكالة التدقيق التابعة للدولة، ليشعل الأجواء، حيث شن يول هجومًا حادًا على المعارضة، واصفًا البرلمان الذي تهيمن عليه بأنه “وحش يدمر الديمقراطية”.
وأمام هذا المشهد المعقد أمام أهواء وفساد وسياسات يول، لم يكن هناك من مخرج أمام الرئيس سوى بالتخلص من المعارضة، والإطاحة بها خارج الساحة السياسية، فكانت خطوة إعلان الأحكام العرفية غير المدروسة، والتي يبدو أنه اتخذها بشكل فردي دون استشارة أحد، لإنقاذ ما تبقى من سمعته وحماية زوجته ومقربيه من الملاحقات القضائية على تهم الفساد الموجهة إليهم.
لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي سفن الفساد وأهله، ليجد يول نفسه في مأزق لا يُحسد عليه، فبينما كان يخطط لترسيخ أركان حكمه، إذ بجذور هذا الحكم تواجه خطر الاقتلاع، حيث أعلنت أحزاب المعارضة، أمس الأربعاء، أنها تقدمت بطلب لعزله، وعلى البرلمان التصويت عليه السبت السابع من الشهر الجاري.
ويحتاج قرار العزل دعم أكثر من ثلثي البرلمان، أي قرابة 200 صوت، ثم العرض على المحكمة الدستورية للتصويت عليه، وهو أمر ربما يكون صعبًا، إذ يملك الحزب الديمقراطي المعارض، مع بعض الأحزاب الصغيرة، 192 مقعدًا برلمانيًا، بما يعني أنه يحتاج إلى 8 أصوات أخرى لتحقيق نسبة الثلثين، هذا في الوقت الذي سيحاول نواب الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس (حزب قوة الشعب)، بذل المستطاع لإفشال قرار العزل.
جدير بالذكر أنه في حال عزل يول فلن تكون السابقة الأولى التي يُعزل فيها رئيس لكوريا الجنوبية، إذ سبق وتكرر هذا الأمر مرتين، الأولى في عام 2004 حين عُزل الرئيس روه موه يون، لكنه عاد إلى منصبه بقرار من المحكمة الدستورية بعد شهرين من مغادرة السلطة، والثانية في عام 2016 حين عُزلت الرئيسة بارك جون هاي، بعد اتهامها بمساعدة صديقة في عملية ابتزاز.
نتاج لمقدمات عدة.. لماذا فشل انقلاب يول؟
لا يمكن قراءة نجاح الكوريين في إفشال انقلاب الرئيس بمعزل عن المشهد العام، فما حدث كان نتاجًا منطقيًا لمجموعة من المقدمات على مدار عدة سنوات، أفضت في النهاية إلى خلق بيئة مناسبة لإفراز العوامل التي أدت في النهاية إلى الانتصار للديمقراطية ووأد أي مساعي للانقلاب عليها من أهمها:
أولًا: برلمان مستقل.. فوجود سلطة تشريعية صاحبة قرار مستقل، وغير خاضعة لإملاءات الرئيس، وظيفتها إنفاذ القانون والدستور والانتصار لإرادة الشعب الذي اختارها للقيام بتلك المهمة، كان عاملًا مهمًا في وأد المخطط بعد ساعات من الكشف عنه رسميًا، حيث تسابق النواب إلى مقر البرلمان لعقد جلسة طارئة لرفض الأحكام العرفية المعلنة، مُعرضين حياتهم للخطر حين تسلقوا جدران الجمعية العمومية، والدخول في اشتباكات مع قوات الأمن التي تطوق المكان تنفيذًا لقرار الرئيس.
وبطبيعة الحال لا يمكن لبرلمان بهذه الكيفية وبتلك الاستقلالية والقوة أن يكون إلا عبر انتخابات حرة نزيهة، عبّر فيها الشعب عن قراره وإرادته بشكل مستقل، دون الرضوخ لتوجهات سلطوية أو ضغوط الحزب الحاكم، وهو ما يُحسب للمواطن الذي انتصر لمصلحة بلاده واختار الأصلح والأجدر على تمثيله في البرلمان.
ثانيًا: معارضة قوية.. مارست المعارضة في كوريا الجنوبية دورها كما يقول الكتاب، فهي حائط الصد أمام أي محاولات سلطوية للتوغل على الديمقراطية وحقوق الشعب ومصالح الدولة، والملجم المفترض لأي تجاوزات أو انتهاكات للدستور والقانون، ومرآة الشعب الحقيقية على السلطة، وحكومة الظل المعبرة عن إرادة ورغبات المواطنين.
ونجحت المعارضة بأحزابها وتشكيلاتها وبرامجها في أن تحظى بدعم الشارع الذي ترجم هذا الرضا والقناعة للدور الذي تقوم به تلك المعارضة، عبر صناديق الاقتراع حين اختارها في الانتخابات العامة التي جرت مؤخرًا وحظيت فيها على الأغلبية البرلمانية، بما منحها ثقلًا كبيرًا وحضورًا كان له الحسم في التصدي لمخطط الانقلاب على الديمقراطية.
ثالثًا: شعب واع.. كشف الشعب الكوري الجنوبي في تعاطيه مع تلك الأزمة أنه على درجة كبيرة من الوعي، وإدراك المشهد وتبصر تفاصيله وهوامشه، أثبت ذلك حين اختار من يمثله برلمانيًا لا من يمثل السلطة، وحين أعلن صراحة عن امتعاضه ورفضه لممارسات الرئيس وقرينته والمقربين منه، كما أظهرت نتائج استطلاع الرأي التي كشفت تراجع الشعبية بصورة كبيرة، ثم كشف عن ذلك أكثر وأكثر حين نزل إلى الشارع في الساعات المتأخرة من الليل، لممارسة حقه الذي كفله الدستور دون أي حسابات أو اعتبارات، وذلك للإعلان عن رفضه للأحكام العرفية التي أعلنها يول، رغم مخاطر ذلك واحتمالية تعريض حياته للخطر في ظل الانتشار المكثف للجيش وقوات الشرطة، مع العلم أن كثيرًا من أنصار حزب الرئيس “سلطة الشعب” قد شاركوا في تلك الاحتجاجات.
هذا الشعب من الصعب أن يصل إلى تلك المرحلة من الوعي دون نظام تعليمي محترم، ومنظومة صحية جيدة، وكيان مجتمعي على درجة من النضج، ومستوى اقتصادي ومعيشي يؤهل لذلك، ومناح سياسي ملائم إلى حد ما للتشاركية والحوار وقبول الآخر، فهو نتاج لجملة من المقدمات والعوامل التي تسهم بشكل أو بآخر في خلق جيل على هذه الدرجة من الفاعلية والحضور.
رابعًا: منظومة أمنية وطنية.. رغم التزام قوات الأمن، جيش وشرطة، بقرار الرئيس ومحاصرة البرلمان والانتشار في الشوارع والميادين، رضوخًا للقانون والدستور، فإنها في ذلك الوقت تجنبت الدخول في صدام مع المواطنين، وإن حدثت بعض المناوشات فلم ترتق بعد لمستوى الخطورة أو تهديد حياة أي ممن شاركوا في الوقفات الاحتجاجية، حتى النواب الذين تسلقوا جدران البرلمان وبواباته للدخول لم يحدث أن تم التعامل معهم بقسوة كما هو معمول في بلدان أخرى في مثل تلك المواقف، بما فيها البلدان التي تدعي ريادة الديمقراطية مثل ما حدث في الولايات المتحدة 2020 حين اقتحم أنصار دونالد ترامب الكونغرس.
حتى الرئيس الكوري نفسه، رغم مساعيه ومخططاته الواضحة في الانقلاب على الديمقراطية من خلال إعلان الأحكام العرفية، فإنه لم يكن متصلبًا في موقفه، ولم يهدد كل من يحاول الاقتراب من كرسي السلطة، بل رضخ للمقاومة الشعبية والبرلمانية المرتكزة بطبيعة الحال على القانون والدستور، وتراجع بعد ساعات قليلة عن قراره، ولم يصر على المضي قدمًا في تنفيذه، خشية ما كان يمكن أن يترتب على ذلك من فوضى وخسائر وإضرار بأمن واستقرار بلاده.
لماذا فشل في كوريا ونجح في بلادنا العربية؟
بعد إجهاض البرلمان والمعارضة والشعب الكوري الجنوبي لمحاولة الانقلاب على الديمقراطية، بات السؤال الأبرز على ألسنة الشارع العربي اليوم: لماذا فشل المخطط في كوريا الجنوبية ونجح باقتدار وامتياز ودون أدنى مقاومة في بلداننا العربية؟ وهو سؤال ربما تُجيب عنه العوامل والأسباب – آنفة الذكر – التي كان لها دورها في تهيئة المناخ الملائم للحفاظ على الديمقراطية.
فحين نقارن برلمان كوريا الجنوبية الذي تصدى لمخطط الرئيس، ببرلمانات معظم البلدان العربية نجد أن الفارق كبير والبون شاسع، تلك البرلمانات الخاضعة لإملاءات الحاكم، والبعيدة كل البعد عن مصالح الشعب، والسائرة عكس اتجاه إرادة الجماهير، البرلمانات التي لا مانع لديها في التصويت على قرارات بيع أصول الدولة والتنازل عن أراضيها والموافقة على الأحكام العرفية والقوانين المقدمة من الحكومة دون أدنى نقاش أو مراجعة.
وبالنظر إلى آلية تشكيل واختيار تلك الكيانات، نجد أنها كانت نتاجًا لمنظومة متفحشة من الفساد السياسي والتزوير والاقتيات على رغبات المواطنين، علاوة على القبضة الأمنية المرعبة، والانتهاكات التي لا تتوقف إزاء كل محاولة للتغريد خارج السرب، والتي بدورها هي الأخرى نتاج لمنظومة تعليمية فاشلة، واقتصادية متردية، واجتماعية منهارة، وحقوقية عرجاء.
المقارنة ذاتها تنسحب على المعارضة، فشتان بين المعارضة الكورية التي تصدت للرئيس وتلوح بعزله، ونظيراتها في الدول العربية، تلك المعارضة المستأنسة، المكملة للديكور السياسي، المُلبية لرغبات وأهواء السلطة، المكونة من أحزاب كرتونية وكيانات وهمية تخدم النظام الحاكم الذي يشكلها هو في الغالب، قبل أن تعبّر عن الشارع.
الوعي الجماهيري هو الآخر كان له دور، فرغم المخاطر المحتملة التي تصل لحد تهديد الحياة، نزل الكوريون للشارع ودافعوا عن ديمقراطيتهم في مواجهة رأس السلطة، عكس المشهد العربي تمامًا، حيث لا كلمة للجماهير ولا حضور للشعب المقهور المأزوم، الذي دومًا ما يبرر لنفسه بأنه مغلوب على أمره، وهو المبرر الذي يُخدر ضميره ويُسكّن لومه وعتابه للذات، ويُلزمه فراشه وأريكته وعتبة بيته، دون أي مشاركة فعالة في المشهد.
فشل الانقلاب الذي كان يحلم به رئيس كوريا الجنوبية عبر فرض الأحكام العرفية وتراجع عنها، السؤال المؤلم هنا لماذا فشل في كوريا ج ونجح السيناريو ذاته في تونس عندما وصل قيس سعيد إلى الحكم عبر الانتخابات تماما كما وصل رئيس كوريا الجنوبية وبعدها حاول الانقلاب على الديمقراطية ففشل، في…
— Radwan Ziadeh رضوان زيادة (@radwanziadeh) December 4, 2024
الأمر نفسه ينطبق على منظومة الأمن العربية، بشقيها العسكري والشرطي، التي تأبى إلا أن تكون أداة بأيدي السلطة، تنفذ بها أجندتها ولو على حساب الشعوب، وسوطًا يجلد كل من يفكر أن يتصدى لتلك الأجندات، وهو عكس ما حدث في كوريا، حيث انتصار المنظومة هناك للوطن والمواطن وتجنب التغول في استخدام السلطة في مواجهة الشعب، رغم الالتزام بقرار الرئيس والنزول للشارع، لكن ضبط النفس والموائمة بين الالتزام بالقانون ممثلًا في أوامر الرئيس والالتزام بحماية المواطنين وعدم التصعيد ضدهم، كان هو الفيصل في النهاية.
ما حدث في كوريا قبل يومين حدث مثله وأفظع في بعض البلدان العربية خلال الآونة الأخيرة، حيث تعرضت الديمقراطية للسحق، وإرادة الجماهير للإبادة، حدث في تونس ومصر والسعودية وسوريا والسودان والإمارات والجزائر والمغرب والبحرين، حدث حين أصدر الحاكم قراره بحل البرلمان وتجميد عمل الحكومة وحبس المعارضين، حدث حين اعتُقل الآلاف ونُكل بهم وسُد الأفق السياسي وعُدل الدستور لإطالة مدة حكم الرئيس، حدث حين أُلقيت القنابل المتفجرة فوق رؤوس الشعب الذي يطالب بأقل حقوقه الدستورية، وقُتل رميًا بالرصاص داخل مقابر جماعية حية، حدث حين صُدرت أموال رجال الأعمال لخدمة أهواء الأمير الطامح في خلافة العرش، حدث حين تناطح الجنرالات على تحقيق أكبر قدر من المكاسب فوق أشلاء الدولة الممزقة، حدث حين فر الملايين هربًا من ويلات الحروب والأزمات ونجاة بحياتهم وسلامتهم.
لكن الفارق هنا والذي يجيب عن التساؤل الملح: لماذا فشلت تلك المخططات في كوريا الجنوبية ونجحت في بلادنا؟ يتمحور في المواقف وردود الفعل، موقف البرلمان واستقلاليته، موقف المعارضة وقوتها، موقف الشعب وإدراكه، موقف الشرطة والجيش ووطنيتهما، هذا هو الفارق، فحين تتغير المواقف حتمًا ستتغير النتائج بالتبعية، وهذا هو الدرس الأول المستفاد من التجربة الكورية.