ترجمة وتحرير: نون بوست
في نهاية شهر أيار/ مايو، سينتخب المواطنون في جل دول الاتحاد الأوروبي برلمانًا أوروبيًا جديدًا للسنوات الخمس القادمة. وستحدد نتائج هذه الانتخابات الاتجاه المستقبلي للاتحاد الأوروبي. وبحلول نهاية سنة 2019، سيتم إنشاء مفوضية أوروبية جديدة، وسيتولى الرئيس الجديد للمجلس، والممثل السامي الجديد للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد مهامهم. وفي الواقع، إنه الوقت المناسب للنظر في سجل الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط على مدار السنوات الخمس الماضية.
إذا ما قيّمنا قدرة الاتحاد الأوروبي على الوفاء بقيّمه ومصالحه بفعالية، فإن هذا السجل، في معظمه، مخيّب للآمال. فهو يعكس الصعوبة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في صياغة سياسة خارجية مشتركة وبذلك يحافظ بشكل تقليدي على الدول القومية، والتحديات التي تواجهه في تطبيق هذه السياسة في منطقة تتمتع فيها بعض دول الاتحاد الأوروبي القوية مثل بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا بأجندات استراتيجية ودبلوماسية خاصة بها متباينة في بعض الأحيان. وقد أدى ذلك إلى انقسامات متكررة داخل الاتحاد الأوروبي. أضف إلى ذلك أن قاعدة الإجماع لقرارات السياسة الخارجية وما تستطيع حكومات الاتحاد الأوروبي الاتفاق عليه تعكس، في أكثر الأحيان، القاسم المشترك الأدنى.
لنأخذ مثال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يتمثل موقف الاتحاد الأوروبي طويل الأمد في دعم حل الدولتين، الذي سيتيح تعايش إسرائيل والدولة الفلسطينية جنبًا إلى جنب في سلام وأمن. ويعد الاتحاد الأوروبي طرفًا رسميًا في اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط وله ممثل خاص لعملية السلام في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يبدو أن دوره اختزل في الغالب في انتظار “خطة كوشنر للسلام” التي يصعب تحقيقها.
في سوريا، لا يزال الاتحاد الأوروبي متمسكًا بفكرة الانتقال السياسي من نظام بشار الأسد إلى شكل أكثر تمثيلا للحكومة
بالنظر إلى العلاقات الوثيقة للغاية بين الإدارة الأمريكية الحالية وحكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، فإنه من غير المرجح أن تلبي هذه الخطة الحد الأدنى من متطلبات حل الدولتين القابل للتطبيق. علاوة على ذلك، أعيد انتخاب نتنياهو جزئيًا بوعد بضم أجزاء من الضفة الغربية. وهناك أيضًا ميل متزايد للمسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين إلى نزع الشرعية عن فكرة وجود دولتين. وفي الحقيقة، إن قدرة الاتحاد الأوروبي على معارضة هذه التطورات يعوقها بشدة الانقسام بين أعضائه الشرقيين، وهم تقليديًا أكثر ملاءمة للسياسات الإسرائيلية، وبين الغربيين الذين يميلون إلى أن يكونوا أكثر انتقادا لها.
في سوريا، لا يزال الاتحاد الأوروبي متمسكًا بفكرة الانتقال السياسي من نظام بشار الأسد إلى شكل أكثر تمثيلا للحكومة. ويعد هذا التوجه هدفا طويل المدى. وبالنظر إلى حقيقة نصر الأسد العسكري في الحرب الأهلية المدمرة في سوريا، فإنه من غير المرجح أن يتحقق ذلك على المدى القصير. فالافتقار إلى خطة إعادة علاقات حذرة وتدريجية ومشروطة مع النظام يزيد من مخاطر قيام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالتصرف بشكل أحادي، وبالتالي إضعاف النفوذ الذي يمكن أن يتمتع به الاتحاد لدفع نظام الأسد إلى تحسين سجل حقوق الإنسان لصالح الشعب السوري.
من جانب آخر، تعد ليبيا مثالا آخر على ما يسميه جوليان بارنز داسي، الباحث الأول في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بـ “تهميش الانقسامات الأوروبية”. فعلى سبيل المثال، حظرت فرنسا بيان الاتحاد الأوروبي الذي دعا خليفة حفتر المتهم بارتكاب جرائم حرب لوقف هجومه على طرابلس، مما أثار استياء الدول الأعضاء.
يعد تقويض نفوذ الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط خير دليل على تآكل القوة الناعمة لأوروبا
أما فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فإنه في أعقاب مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي تجمعت بعض الأطراف لدفع الاتحاد الأوروبي إلى الابتعاد عن النظام الاستبدادي لولي العهد محمد بن سلمان. ومع ذلك، عادت بعض دول الاتحاد الأوروبي بهدوء للعمل كالمعتاد مع المملكة. كما أوقفوا بالإجماع، تحت الضغط السعودي والأمريكي والبريطاني الشديد، الخطة التي قُدمت من قبل المفوضية الأوروبية لإدراج المملكة العربية السعودية ضمن قائمة البلدان ذات المخاطر العالية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
كما أن هذا الأمر لا يقتصر على أن الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي لم تحذو حذو ألمانيا في وقف صادرات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، بل أخضعت كل من بريطانيا وفرنسا ألمانيا لضغوطات عدة لثنيها عن قرارها. وهذا الأمر سوف يساهم بشكل أكبر في تعميق بؤس اليمنيين الذين تدهورت أوضاعهم بسبب الحرب التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية.
في الواقع، يعد تقويض نفوذ الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط خير دليل على تآكل القوة الناعمة لأوروبا، الذي يعتبر على وجه الخصوص نتيجة لعدم تضامن الدول الأعضاء في معالجة أزمة الهجرة في الفترة الممتدة بين سنة 2015 و2016 وعودة الخطاب السام المناهض للإسلام في أعقابه.
قاوم الاتحاد الأوروبي دعوات الولايات المتحدة و”إسرائيل” لإدراج منظمة حزب الله الشيعية اللبنانية في القائمة السوداء واستمر في إجراء حوار مع جناحها السياسي
على الرغم من هذه الصورة المحبطة عن الاتحاد الأوروبي إلا أن هناك نقاطا مضيئة تمثل إيران أحدها. فقد قاوم الاتحاد الأوروبي إلى الآن الضغط الأمريكي لانتهاك الاتفاق النووي الذي أقره مجلس الأمن الدولي مع إيران. وبدلاً من ذلك، أنشأ الاتحاد الأوروبي آلية تجارية خاصة تعرف باسم “آلية دعم المبادلات التجارية مع إيران” لتجاوز العقوبات الأمريكية على التجارة مع إيران.
حتى لو كانت هذه الآلية لا تلبي توقعات إيران (والكثير من الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نفسه)، فإنها على الأقل تمثل تحديًا رمزيًا لواشنطن. فضلا عن ذلك، أشرك الاتحاد الأوروبي الذي تمثله فيديريكا موغيريني إيران في القضايا الإقليمية. وقد أدت هذه الخطوة إلى نتائج ملموسة، حيث أقر الاتحاد الأوروبي بمساهمة إيران في ضمان تأييد المتمردين الحوثيين لاتفاقية ستوكهولم التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن اليمن في كانون الأول/ ديسمبر 2018.
إلى جانب ذلك، هناك تطور إيجابي آخر يتمثل في استمرار مشاركة الاتحاد الأوروبي في لبنان والعراق، حيث أجرى كلا البلدين انتخابات حرة ونزيهة بشكل معقول سنة 2018 بمساعدة الاتحاد الأوروبي. وعندما تميل الولايات المتحدة إلى التعامل مع كلا البلدين من خلال عدسة حملتها لعزل إيران، فإن الاتحاد الأوروبي يدرك جيدًا الآثار المزعزعة للاستقرار الناجمة عن هذه الجهود في مناطق السلام فيها هش تتقاطع فيها الطائفية والسياسة.
من بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي المختلفة، عزز البرلمان الأوروبي بشكل كبير من مكانته في قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدار السنوات الخمس الماضية.
لهذا السبب، قاوم الاتحاد الأوروبي دعوات الولايات المتحدة و”إسرائيل” لإدراج منظمة حزب الله الشيعية اللبنانية في القائمة السوداء واستمر في إجراء حوار مع جناحها السياسي. وفي العراق، يواصل دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي التحدث إلى القوى التي لها صلات بالحرس الثوري الإيراني، على الرغم من تصنيف الولايات المتحدة لها في قائمة الإرهاب مؤخرًا.
من بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي المختلفة، عزز البرلمان الأوروبي بشكل كبير من مكانته في قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدار السنوات الخمس الماضية. وركز على دور حكومات الاتحاد الأوروبي في “الحرب المنسية” في اليمن من خلال انتهاك القواعد السلوكية الخاصة بالاتحاد الأوروبي عبر بيع الأسلحة للسعودية. وفي شباط/ فبراير 2016، دعا البرلمان الأوروبي لأول مرة إلى فرض حظر على مبيعات الأسلحة الموجهة للمملكة العربية السعودية، وطالت هذه الدعوة في وقت لاحق الإمارات العربية المتحدة.
لقد أخضع البرلمان الأوروبي وضع حقوق الإنسان في أنظمة الشرق الأوسط الاستبدادية والخليج العربي إلى درجة غير مسبوقة من التدقيق. كما تبنى العديد من القرارات التي تدين الانتهاكات في المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر. وعقدت لجنته الفرعية لحقوق الإنسان جلسات استماع رفيعة المستوى مع شهود عيان على هذه الانتهاكات في اليمن والممالك الخليجية.
يبدو أن الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي قد ضمنت أن يتقهقر ثقله عندما يتعلق الأمر بسياسات الشرق الأوسط
في ختام هذا المجلس التشريعي، اعتمد البرلمان تقريرًا يقيّم تطورات ما بعد الربيع العربي في الشرق الأوسط. وعلى النقيض من حكومات الاتحاد الأوروبي، رفض أعضاء البرلمان الأوروبي مفهوم “الاستقرار الاستبدادي” وانتقدوا بشدة عودة القمع في بلدان مثل مصر. وحتى لو لم تكن هذه القرارات ملزمة، فإنها ترسل رسائل سياسية هامة من الرفض لكل من حكومات المنطقة وحكومات الاتحاد الأوروبي. ويمكن لأعضاء البرلمان أن يصبحوا وزراء ومفوضين أوروبيين، ويجلبوا خبراتهم وآراءهم إلى المستوى التنفيذي. وبالتأكيد تعتبر السلطات السعودية والإماراتية أن هذه الخطوات مهمة بما يكفي لصرف ثرواتها على جماعات الضغط التي تحاول التأثير عليهم.
يبدو أن الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي قد ضمنت أن يتقهقر ثقله عندما يتعلق الأمر بسياسات الشرق الأوسط. وستكون السنوات الخمس المقبلة بمثابة اختبار لقدرة الاتحاد الأوروبي على التغلب على هذه الانقسامات المنهكة ويصبح جهة فاعلة ذات صلة في المنطقة الجغرافية المجاورة له بشكل مباشر.
المصدر: لوب لوغ