ترجمة وتحرير: نون بوست
تُعتبر إسطنبول من كبرى مدن العالم، وقد شهدت الكثير من التغييرات الحاسمة خلال المئة عام الماضية من حيث ترسيم الحدود وعدد السكان والبنية التحتية والمعمار. وقد تحولت الأبنية في إسطنبول من البيوت المستقلة إلى الشقق والعمارات. ورغم مرور إسطنبول بالعديد من الأزمات خلال القرن الأخير، إلا أنها بقيت محافظة على قوتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وفي هذا التقرير، سرد لأبرز عشرة تطورات بارزة أثرت على الحياة في إسطنبول، ورسخت في ذاكرتها التاريخية.
افتتاح مكتبة الشعب في إسطنبول سنة 1916
مكتبة الشعب في مدينة فاتح، إسطنبول
طلب شيخ الإسلام فيض الله أفندي سنة 1700 من المصمم المعماري محمد آغا تصميم مبنى يحتضن الكتاتيب والمدرسة. وبعد ترميم هذا المكان من قبل جمعية محبي إسطنبول في 17 نيسان/ أبريل 1916، عمل علي أميري أفندي على جمع 16 ألف كتاب ومخطوطة وحفظها في هذا المبنى ليصبح مكتبة عامة تضم كتبا تاريخية ونادرة جدا. وقد اقترح البعض إطلاق اسم علي أميري على المكتبة غير أنّه رفض ذلك قائلا: “أنا قمت بجمع هذه الكتب وقد تبرعت بها من أجل الشعب”، ومن هنا كان اسمها “مكتبة الشعب” (ملليت).
مكتبة “مدرسة فيض الله أفندي” التي أصبحت فيما بعد مكتبة الشعب.
تضم المكتبة النسخة الأصلية الوحيدة لدى الأتراك من كتاب ديوان اللغات، الذي كُتب باللغة التركية القديمة. وقد عثر علي أميري أفندي على هذا الكتاب ليصبح من مكتسبات هذه المكتبة، ولا يزال هذا الكتاب إلى الآن محط اهتمام الباحثين. وقد أُعيد ترميم مكتبة الشعب مجددا في سنة 2010 لتصبح مركزا بحثيا مهما، وتضم رفوفها أكثر من سبعة آلاف مخطوطة مكتوبة باللغة التركية والعربية والفارسية، وأكثر من 30 ألف كتاب مطبوع، منها العديد من النسخ الأصلية لكتب في مجالات التاريخ والجغرافيا والأدب والطب.
انفجار محطة حيدر باشا سنة 1917
تسبب الانفجار الضخم الذي وقع في محطة حيدر باشا في السادس من أيلول/ سبتمبر سنة 1917 في حالة من الهلع الشديد لسكان إسطنبول. ولم يُعرف حينها السبب الرئيس وراء هذا الانفجار الذي تسبب في نشوب حريق ضخم في محطة القطارات الرئيسية، غير أنّ التصريحات الرسمية في ذلك الوقت أشارت إلى أنّ القطار الذي كان محملا بالمعدات العسكرية قد سقطت منه مجموعة قنابل كانت على الرافعة أثناء تنزيلها من القطار، مما أدى إلى وصول النيران إلى عربات القطار المحملة بالمعدات العسكرية. ولم يتم الكشف عن عدد الضحايا، وبقيت المحطة نتيجة الانفجار بلا سقف لفترة طويلة. ولكن هناك من يقول إن هذا الانفجار كان مُدبرا.
كارثة الطوفان سنة 1924
استيقظت إسطنبول يوم السادس من آب/ أغسطس سنة 1924 على وقع أمطار غزيرة استمرت في الهطول طيلة ثلاثة أيام على التوالي، مما نتج عنه سيول وفيضانات كبيرة تسببت في تدمير أكثر من 400 منزل، ووقوع خسائر مادية قُدرت في ذلك الوقت بنصف مليون ليرة.
موزّع الهاتف الأوتوماتيكي سنة 1926
من بين الأحداث التي غيرت شكل الحياة في إسطنبول، انتشار استخدام الهاتف القار. فقد أصبح الطلب متزايدا جدا على هذه الهواتف في تلك الحقبة من الزمن، نظرا للخدمة الرائعة التي يُقدمها والتسهيلات الكبيرة التي يوفرها. لكن الصعوبة كانت في تلبية طلبات جميع الناس في الوقت ذاته، وخاصة أولئك الذين يقطنون خارج مراكز المدن وفي الأرياف.
كان الأمر في البداية يتم عن طريق محطات الهاتف اليدوية، التي تقوم بتحويل الخطوط يدويا حسب طلب المُتصل. ولكن التطور الكبير والهالة الإعلامية الضخمة حدثت عندما تم تأسيس أول محطة توزيع أوتوماتيكية للهاتف داخل إسطنبول، التي استطاعت ربط ألف خط هاتفي بصورة مباشرة وبصورة آلية. وقد انتشرت خطوط الهاتف بين المدن سنة 1929.
المرور عبر جسر غلطة أصبح مجانيا سنة 1930
أعفِي الناس من رسوم المرور عبر جسر غلطة في إسطنبول في غرة حزيران/ يونيو من سنة 1930. كانت عملية جمع الرسوم تتم عبر مدخل ومخرج الجسر منذ سنة 1845، وكان الجسر تابعا للنظارة البحرية حينها. وعندما أصبح الجسر تابعا لبلدية إسطنبول، كانت أجرة المرور 10 قروش في ذلك الوقت. وعندما نشب حريق تسبب في أضرار جسيمة للمنازل المجاورة لجسر غلطة، لجأت البلدية إلى رفع الرسوم لتصبح 20 قرشا، من أجل المساهمة في ترميم هذه المنازل.
خلال سنة 1926، تم تعديل تسعيرة رسوم المرور عبر جسر غلطة، فأصبحت البلدية تأخذ قرشا واحدا من المارة، وقرشين من الحمّالين، و10 قروش من الجمل دون حمل، و15 قرشا من الجمل الذي لديه أحمال، و10 قروش من عربات الأحصنة، و30 قرشا من عربات شركة القطار الخفيف، وقرشين من الدراجات الهوائية، ونصف قرش عن كل رأس ماشية يمر عبر الجسر، و15 قرشا من العربات المحملة بالركاب. ولم تكن البلدية تفرض رسوما على المُعلمين والطلبة والمرضى. وكان إلغاء هذه الرسوم بصورة نهائية سنة 1930 خبرا سارا بالنسبة لجميع سكان إسطنبول.
أولى الحافلات داخل المدن سنة 1931
كانت أولى الحافلات الناقلة للركاب قيد العمل في إسطنبول في شهر نيسان/ أبريل سنة 1931، ووُضعت اللوائح والقوانين الخاصة بهذه الحافلات التي أصبحت تتبع البلدية، وجرى رسم خطوط سيرها. وبدأت ثلاث حافلات تعمل على طريق خط تقسيم – بشكتاش. وقد كانت الحافلات من إنتاج دول مختلفة، حيث قامت البلدية باستيراد تسع حافلات من الولايات المتحدة، و15 حافلة من السويد. واستوردت البلدية 50 حافلة أخرى من السويد بين سنتي 1947-1948، واستمرت في استيراد الحافلات من ألمانيا وفرنسا وتشيكوسلوفاكيا.
الثلج يُغطي مضيق البوسفور سنة 1954
استيقظ أهالي إسطنبول يوم 24 شباط/ فبراير سنة 1954 فوجدوا الجليد يغطي مساحات شاسعة من مضيق البوسفور، حيث كان باستطاعتهم السير فوقه. وعلم السكان لاحقا أنّ هذه الكتل الجليدية كانت قادمة من نهر دانوب، واستمرت الجليد في تغطية مضيق البوسفور حتى بداية شهر آذار/ مارس. لتكون هذه المرة الثانية التي يغطي فيها الجليد مضيق البوسفور بعد سنة 1929.
أولى “الحافلات المائية” سنة 1954
اعتمِد أول خط “للحافلات المائية” في مياه إسطنبول سنة 1954. وحملت أول حافلتين اسم بوستنجي وجده بوستان، وكانتا بطول 32.40 مترا وعرض 4 أمتار، بينما كان ارتفاعها أقل من 5 أمتار حتى تمر من أسفل جسر غلطة. وقد أُطلق عليها اسم “الحافلات المائية” نظرا لكونها سُفن مختصة في نقل الركاب، وهي مجهزة بمقاعد تشبه تلك الموجودة في الحافلات العادية. وكانت طاقة استيعاب هذه السفن تبلغ 250 راكبا. وبعد فترة، تم إلغاء هذه الرحلات وتوقف الاعتماد على هذه الحافلات دون أن تتمكن من الرسوخ في ذاكرة سكان إسطنبول.
الرئيس الجديد لبلدية إسطنبول: رجب طيب أردوغان
حقق حزب الرفاه نجاحا باهرا في الانتخابات المحلية التي نظمت في 27 آذار/ مارس سنة 1994، والتي حظيت بمشاركة 92.2 بالمئة من المواطنين الأتراك الذين يحق لهم الانتخاب. وقد فاز رجب طيب أردوغان برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى.
خلال السنة ذاتها، تخلص أردوغان من محطة الباصات المركزية القديمة في منطقة توبكابيه، ووضع محلها محطة باصات مركزية جديدة وحديثة في منطقة أسنلار. وجرت عمليات هدم كبيرة للمحلات التجارية في منطقة توبكابيه بعد إلغاء محطة الباصات، وتحولت المنطقة إلى منطقة خضراء مليئة بالأشجار والعشب والحدائق والمتاحف.
مثلت هذه الفترة نقلة نوعية في تاريخ إسطنبول، نظرا لحجم الاستثمار لحل مشاكلها من جذورها، وعلى رأسها مشكلة المياه. فقد عملت البلدية على حل المشكلة بصورة نهائية، وأصبح انقطاع المياه في إسطنبول أمرا طارئا، ولم يعد أمرا معتادا مثلما كان في السابق.
كما عملت البلدية في عهد أردوغان على تنظيف القنوات المائية، وبناء الجسور والأنفاق لتسهيل تنقل الناس في الشوارع. كما اهتمت البلدية كثيرا بمشاريع الحدائق والملاهي، وزراعة الأشجار والورود في الشوارع.
زلزال مرمرة المُدمّر سنة 1999
يعتبر هذا الحدث من أبرز الأحداث المأساوية التي علقت في الذاكرة التاريخية لإسطنبول، حيث وقع زلزال مرمرة المدمر في تمام الساعة الثالثة فجرا من يوم 17 آب/ أغسطس 1999، وكان بقوة 7.5 درجة على مقياس ريختر، وتسبب في خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات. وقد شعر جميع سكان منطقة مرمرة وإسطنبول بهذا الزلزال.
حسب الأرقام الرسمية، أسفر هذا الزلزال عن مقتل 17840 شخص، وإصابة 23781 آخرين، أصيب 505 منهم بإعاقات دائمة. وتضرر أكثر من 285211 منزل، و42902 مكان عمل. وتسبب الزلزال أيضا في تهجير أكثر من 600 ألف مواطن بعد تعرض 133683 منزلا للتدمير الكامل. كما أثر الزلزال بصورة مختلفة على ما يُقارب 16 مليون شخص. لذلك يعد هذا الزلزال من أكثر الأحداث مأساوية التي علقت بذاكرة سكان إسطنبول خلال المئة عام الماضية.
المصدر: صحيفة فكريّيت