ترجمة حفصة جودة
في تلك الصورة المنتشرة على الإنترنت لعشرات الرجال الذين يجلسون في معسكر إعادة التأهيل في إقليم شينجيانغ ذاتي الحكم، تعرف أصدقاء ومعارف بعض هؤلاء الرجال على 5 منهم وأكدوا هويتهم ومهنتهم.
كانت الصورة قد نشرت على حساب “WeChat” التابع للإدارة القضائية لشينجيانغ، ويظهر فيها معتقلو الإيغور وهم يستمعون إلى خطاب مناهضة التطرف بمعسكر مدينة هوتان التابعة لمقاطعة لوب في أبريل 2017.
يقع المعسكر في منطقة بكين الصناعية أمام مصنع الإسمنت والمدرسة المتوسطة في مقاطعة لوب، وكان أحد المحتجزين يخطط لبناء مخبز في المنطقة الصناعية التي أصبح محتجزًا بها الآن.
في يوم 19 من أبريل كشفت صفحة نائب رئيس مجلس الإيغور العالمي بيرهات محمد أسماء ومهنة 5 من هؤلاء المحتجزين بناء على معلومات قدمها رجل من مقاطعة لوب الذي يعيش الآن في المنفى.
يعد هؤلاء الخمسة من بين 1.5 مليون شخص محتجز من الإيغور وأقليات عرقية مسلمة أخرى وذلك بتهمة احتضان آراء دينية متطرفة وآراء غير صحيحة سياسيًا، وتم احتجازهم في معسكر سياسي لإعادة التأهيل في منطقة سنجان.
هؤلاء الخمسة هم مامتيمن الذي كان يعمل مقاولاً للمعدات الطبية، وعزيز حاج صاحب مطعم ومخبز، وإيلي أهون مدرس دين وتاجر أحجار كريمة، وعبد الله هاريت صانع أخشاب، والسائق عبد العزيز حاج.
درس مامتيمن إدارة الأعمال في جامعة شنغهاي للطب والعلوم الصحية وتخرج عام 2012 وكان قبل ذلك طالبًا في المدرسة الثانوية الصينية في الصين ومتميزًا في علوم الحاسب وتصميم مواقع الإنترنت.
كان هاريت مسؤولًا عن مسجد شيبانغ المحلي، وأعتقد أن سبب اعتقاله يرجع إلى عمله في المسجد، فهو رجل مؤمن وذو خلق حسن
يقول أحد رفقاء مامتيمن في الصف ويدعى نورميمنت وهو يعيش الآن في تركيا، إنه رأى زميله آخر مرة في هوتان عام 2012، وفي هذا الوقت كان مامتيمن يؤسس شركته الخاصة لبيع الأدوات الطبية، يقول نورميمنت: “كان مامتيمن يسبقني في الجامعة بعامين، ولست متأكدًا من سبب احتجازه في المعسكر، لكنه كان يصف نفسه دائمًا بأنه مفكر مستقل وممثل”.
رجل مؤمن وحسن الخلق
وفقًا لرجل من مقاطعة لوب ويعيش في المنفى الآن (لكنه رفض كشف هويته خوفًا على عائلته) فقد كان عزيز حاجة رجل أعمال يقع منزله بجوار الجامع الكبي في بازار مقاطعة لوب وكان يدير مطعمًا على ضفاف نهر يورونكاش.
يضيف الرجل: “لقد اعتاد إدارة مطعمه وكان يُلقب باسم شانجتانغ، ولأن عمله كان يسير بشكل جيد فقد قرر افتتاح مخبز أيضًا وانتهى بناؤه وأنا ما زلت هناك، أعتقد أنه سبب اعتقاله رحلة الحج التي قام بها إلى مكة في المملكة العربية السعودية عام 2002، فهم يعتقلون كل من سافر إلى الخارج”.
يقول أحد معارف إيلي آهون – 50 عامًا – إنه كان يعيش في قرية إيجريتشي في مقاطعة لوب وكان يدرس الدين ولديه فهم عميق للدين، واعتقل آهون لمدة عام قبل ذلك بسبب تعليمه الدين للناس، يقول الرجل: “كنا نتاجر معًا في الأحجار الكريمة عامي 2007 و2008 وقبل ذلك كان آهون يتعلم الدين في هوتان”، ويضيف: “لقد اعتاد أن يلقي علينا بعض المواعظ وكنا جميعًا منبهرين بمعرفته وفهمه للدين، وكانت حياة آهون جيدة نسبيًا فلديه زوجة وطفل، أعتقد أن سبب اعتقاله هو معرفته الدينية”.
أما عبد الله هاريت – 45 عامًا – صانع الأخشاب فهو أب لثلاثة أطفال ولم يغادر هوتان مطلقًا وفقًا لشهادة أحد جيرانه السابقين، يقول جاره: “كان هاريت يصلح الأبواب والشبابيك، وكان رجلًا متواضعًا وصادقًا ويحب الأعمال الخيرية، كما أنه كان مسؤولًا عن مسجد شيبانغ المحلي، أعتقد أن سبب اعتقاله يرجع إلى عمله في المسجد، فهو رجل مؤمن وذو خلق حسن، ولم يحدث أبدًا أن تشاجر وتسبب في مشكلة مع الآخرين”.
تلقين سياسي ومعاملة قاسية
كان عبد العزيز – متزوج وأب لأطفال – يعمل سائقًا في مكتب التأمين على العمل قبل اعتقاله، وكان يعمل قبل ذلك سائقًا في محطة إذاعية بمقاطعة لوب حسبما قال أحد مسؤولي المكتب، وقد طردوه من العمل ثم جرى اعتقاله.
يتعرض المعتقلون للتلقين السياسي ويواجهون معاملة صعبة على أيدي المشرفين ويتعرضون لسوء التغذية والظروف الصحية الصعبة في تلك المعسكرات المزدحمة
أجرى راديو آسيا الحر عدة مكالمات للشرطة للاستفسار عن سبب اعتقال الرجل، لكن معظم الضباط رفضوا مناقشة الأمر، وقال أحد الضباط: “ليس مسموحًا لنا بالحديث عن أي شيء فقد أمرونا بعدم إجراء أي مقابلات خارجية، يمكنكم تقديم طلب لمكتب الأمن العام”.
رغم أن بكين أنكرت تمامًا وجود هذه المعسكرات، فإن شهرات زاكر رئيس مجلس إدارة منطقة سنجان صرح لوكالة أنباء شينخوا الرسمية الصينية في أكتوبر 2018 أن هذه المعسكرات أداة فعالة لحماية البلاد من الإرهاب وتقديم تدريب مهني للإيغور.
نظمت الصين مؤخرًا زيارتين لمراقبة معسكرات إعادة التأهيل في سنجان، أحدهما لمجموعة صغيرة من الصحفيين الأجانب والأخرى لدبلوماسيين من دول غير غربية ومن بينها روسيا وإندونيسيا وكازاخستان وتايلاند، ونفى المسؤولون تعرض المحتجزين لسوء المعاملة والظروف السيئة في المعسكرات ووصفوها بأنها أكاذيب وافتراء.
لكن تقارير راديو آسيا الحر وغيره من المنظمات الإعلامية أظهرت أن تلك المعسكرات تحتجز الناس ضد إرادتهم ويتعرضون للتلقين السياسي ويواجهون معاملة صعبة على أيدي المشرفين ويتعرضون لسوء التغذية والظروف الصحية الصعبة في تلك المعسكرات المزدحمة.
يقول أدريان زينز المحاضر في طرق البحث الاجتماعية بمدرسة اللاهوت والثقافة الأوروبية في ألمانيا إن نحو 1.5 مليون شخص محتجزون في تلك المعسكرات وهو ما يعادل 1 لكل 6 أشخاص بالغين مسلمين من إجمالي عدد السكان في منطقة سنجان.
أما مايكل كوزاك رئيس مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان في وزارة الخارجية فيقول إن الناس لم يشهدوا مثل تلك التصرفات منذ الثلاثينيات – في إشارة لسياسات هتلر النازية في ألمانيا وتالين في الاتحاد السوفيتي – ووصف عملية اعتقال أكثر من مليون شخص من الإيغور بأخطر انتهاك لحقوق الإنسان في العالم اليوم.
في نوفمبر 2018، قال سكوت بوسبي نائب مساعد وزير الخارجية في مكتب الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان في وزارة خارجية الولايات المتحدة إن هناك على الأقل 800 ألف من الأيغور وغيرهم وربما أكثر من مليوني محتجزين في مراكز إعادة التأهيل دون توجيه أي تهم لهم، وفقًا لتقديرات المخابرات الأمريكية.
المصدر: راديو آسيا الحر