ترجمة وتحرير: نون بوست
من بين كل المزايا التي توفرها لنا أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، من كان يتصور أن هذه الأجهزة ستستخدم لمراقبتنا؟ وأنا لا أتحدث عن وكالة الأمن القومي الأمريكيّة أو جهاز الاستخبارات البريطاني، وإنما عن لصوص الإنترنت الذين يسعون لطلب فدية وقبض الأموال على حساب تدمير حياة الشخص الذي يمتلكون معلوماته الشخصية.
في شهر شباط/ فبراير، واجهت كل من أبل وجوجل ضغطا عاما مكثفا لإزالة أحد التطبيقات المعروضة على منصاتها. ويتعقب تطبيق “أبشر”، الذي أطلقته الحكومة السعودية في سنة 2015، مكان تواجد النساء وهو ما يسمح للرجال “بالسيطرة” على النساء اللاتي ضمن وصايتهم. كما يمكّن برنامج “أبشر” الرجال من تسجيل أسماء وأرقام تعريف المستندات (مثل جوازات السفر) الخاصة بالنساء “اللاتي تحت وصايتهم”، مما يمكّنهم من إنشاء حساب خاص لتحديد عدد الرحلات المسموحة لهن والفترة الزمنية التي يمكنهن قضاءها وعدد الإجراءات الطبية المسموح بها إذا ما مُنحت لهن أساسا.
على امتداد الشهرين الماضيين، دافع الكثيرون عن هذا التطبيق، في حين أدانت الكاتبة المصرية الأمريكية منى الطحاوي هذا التطبيق في البداية قبل أن تتراجع عن رأيها رفقة متابعيها، للنظر في رد إحدى النساء السعوديات التي كتبت أن أبشر “هو أحد أعراض المشكلة، وليس المشكلة في حد ذاتها”. ولكن يمثّل هذا التطبيق كلا هذين الطرفين على حد سواء؛ ما يعني أنه يعد أحد أعراض مشكلة ثقافية كبرى من جهة، ويمثل المشكلة في حد ذاتها من جهة أخرى نظرا لأن مهمّة هذا التطبيق هي تتبع الإناث حرفيًا.
يسمح هذا البرنامج بمراقبة النساء والتحكم بهن من قبل أكبر شركتي تكنولوجيا في العالم
علاوة على ذلك، يعدّ تطبيق “أبشر” امتدادا رقميا للتقاليد التاريخية والثقافية السعودية التي تُخضع النساء لسيطرة الرجال. ويسمح هذا التطبيق لعمالقة التكنولوجيا بالاستفادة من هذه الإجراءات التي هي بمثابة عمليّة مناهضة للديمقراطية. وفي هذا السياق، يدّعي المدافعون عن هذا التطبيق أن “أبشر” هي بوابة موقع المعلومات الحكومي، حيث يسيّر المواطنون السعوديون جميع أنواع المعاملات الرسمية من قبيل تسجيل رخص القيادة وطلب جوازات السفر.
في المقابل، يسمح هذا البرنامج بمراقبة النساء والتحكم بهن من قبل أكبر شركتي تكنولوجيا في العالم. وقد صرّحت الباحثة السعودية من منظمة العفو الدولية، دانا أحمد، لمجلة “تايم” أن “أبشر” هي “مثال آخر عن الوسائل التي تنتهجها الحكومة السعودية للحد من حرية المرأة السعوديّة”، وبالتالي لك أن تتخيّل معاناة الرجال الذين يجهلون مكان تواجد “نسائهن”.
في شباط/ فبراير، قام السيناتور الديمقراطي الأمريكي رون وايدن، من ولاية أوريغون، بصياغة خطاب إلى كل من أبل وجوجل طالبا منهما “اتخاذ إجراءات فورية للحد من استغلال البنية الأساسية التقنية، بما في ذلك متاجر تحميل التطبيقات الخاصة بها، من قبل الحكومة السعودية لغرض مراقبة النساء والسيطرة على جميع تحرّكاتهن”.
على الرغم من أن كلا من جوجل وأبل تزعمان تأييد حرية التعبير، إلا أنهما تعرّضتا للانتقاد بسبب تبنّيهما لرأي مزدوج
منذ خطاب وايدن، تعرّض عملاقا التكنولوجيا للنقد بسبب عرض هذا التطبيق على منصتهما لسنوات عديدة. وبعد أسابيع من التعرّض للنقد، أعلنت جوجل الشهر الماضي عن استمرارها في استضافة برنامج “أبشر”، لكن خلال الأسبوع الماضي، جدّدت الشقيقتان مها ووفاء السبيعي، اللتين هربتا من المملكة إلى مدينة جورجيا، دعوتهما إلى سحب “أبشر” من منصتي آبل وجوجل.
على الرغم من أن كلا من جوجل وأبل تزعمان تأييد حرية التعبير، إلا أنهما تعرّضتا للانتقاد بسبب تبنّيهما لرأي مزدوج. وخلال السنة الماضية، أكدت جوجل أنها تعمل على تطوير نسخة خاضعة للرقابة من محرك البحث الخاص بها تسمى “دراغون فلاي”، منذ أوائل سنة 2017. إن “دراغون فلاي” هو محرك بحث غوغل، الذي يحتوي طلبات الحكومة الصينية المدرجة في القائمة السوداء التي تضمّ جميع المواقع المحجوبة بواسطة إجراءات رقابة الإنترنت في الصين، التي تعرف أيضًا باسم جدار الحماية العظيم.
في الواقع، تحظى قائمة المواقع الخاضعة للرقابة ببعض الأهمية لأنها تشمل وسائل الإعلام الغربية الكبرى على غرار ويكيبيديا والمواقع الافتراضية المؤيدة للديمقراطية والمواقع المالية. ويؤدي “دراغون فلاي” وظائف جوجل الأخرى مثل البحث عن الصور، والتدقيق الإملائي، وميزات البحث المقترحة.
في الآونة الأخيرة،اتّضح أن غوغل تستضيف “شينيغامي أيز”، وهو تطبيق يدرج حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالإناث ضمن القائمة السوداء كوسيلة لإذلالهن وتهميشهن
على نحو مماثل، استجابت شركة آبل، خلال السنة الماضية، لمتطلبات الحكومة الصينية التي تفيد بتخزين مفاتيح التشفير المستخدمة للولوج لحسابات آي كلاود الموجودة في الصين وليس في الولايات المتحدة. وستمكّن هذه الخطوة أي وكالة لإنفاذ القانون ترغب في الاطلاع على معلومات المستخدم، من تخطي النظام القانوني الأمريكي بسهولة، مما يعني أن الحريات والحماية الافتراضية التي كان يحظى بها مستخدمو أبل في الصين قد اختفت اليوم.
في الآونة الأخيرة، اتّضح أن جوجل تستضيف “شينيغامي أيز”، وهو تطبيق يدرج حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالإناث ضمن القائمة السوداء كوسيلة لإذلالهن وتهميشهن. ويمثّل هذا البرنامج الإضافي، الذي وصفه الكثيرون بأنه منصّة إلكترونية أخرى لنشطاء حقوق الرجال، عائقا خطيرا أمام الحماية التي تضمنها قوانين الخصوصية في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما يخلق إلى جانب “أبشر” في السعودية، وسيلة إضافيّة لتمكين الذكور من مراقبة الإناث.
من هذا المنطلق، يجدر بنا أن نكون على وعي بالطريقة التي تساهم بها التكنولوجيا الجديدة بشكل خطير في إنشاء معايير ثقافية رجعيّة يدعمها عمالقة التكنولوجيا، الذين يتوقون إلى تحقيق الأرباح بغض النظر عن حقوق الإنسان.
المصدر: فوربس