ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: ماتينا ستيفيس غريدنيف وسمر سعيد
أصبحت القوتان الأجنبيتان المتحالفتان مع الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تلعبان دورًا كبيرًا في معركة بناء مستقبل السودان بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير. وفي الواقع، يرفض المتظاهرون الذين قضوا عدة أشهر للإطاحة بالبشير الذي دام حكمه لثلاثة عقود، قبول المجلس الانتقالي العسكري الذي قاد انقلابا على هذا الدكتاتور في وقت سابق من هذا الشهر.
وفقًا لمسؤولين خليجيين ودبلوماسيين غربيين، فإن كلا من الرياض وأبوظبي تشعران بوجود فرصة سانحة لتعزيز مصالحها الاستراتيجية داخل منطقة القرن الإفريقي، التي تتمثّل في منع إيران من التدخل في الشؤون المتعلّقة بمنطقة البحر الأحمر، وإعاقة الطموحات الإقليميّة لقطر وتركيا، والحفاظ على مساندة القوات السودانية لها في حرب اليمن.
في غضون أيام من استبدال البشير بالمجلس العسكري، قدّمت الحكومتان الملكيّتان الخليجيتان مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار للمساهمة في عملية الانتقال السياسي
تؤكد المعاملات السريّة بين الحكومات الملكيّة الخليجية وجنرالات السودان إمكانيّة تحكّم الواقعيّة السياسيّة في مستقبل هذه الدولة ذات الأهمية الاستراتيجية، بدلاً من الاحتجاجات القائمة في الشوارع. وفي هذا السياق، قالت إليزابيث ديكنسون الخبيرة في شبه الجزيرة العربية التابعة لمجموعة الأزمات الدولية، وهي منظّمة أبحاث تقع في بروكسل وتتمثل مهمتها في منع أو تسوية النزاعات الدموية: “يبدو أن الكثير من القضايا المهمة بالنسبة للخليج تتجمع في السودان؛ مثل قضية إيران وجماعة الإخوان المسلمين واليمن وساحل البحر الأحمر والأمن الغذائي. لذلك، يعتقد الجميع أن السودان هو أهم بلد يجب التركيز عليه”.
في غضون أيام من استبدال البشير بالمجلس العسكري، قدّمت الحكومتان الملكيّتان الخليجيتان مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار للمساهمة في عملية الانتقال السياسي، مما منح الجنرالات الذين أطاحوا بالبشير نوعًا من الكسب غير المتوقّع حتى في ظلّ دولة شبه مفلسة. وتضمّنت هذه المساعدات وديعة بقيمة 500 مليون دولار في بنك السودان المركزي لوقف تراجع قيمة العملة المحلية.
برزت لعبة القوى الخليجية بعد مرور عدّة سنوات كان خلالها البشير حليفًا متقلبًا للسعوديين والإماراتيين، حيث أغروه بالمال مقدّما لهم في المقابل ولاء ضعيفا لسياستهم
في هذا الإطار، لاحظ المتظاهرون السودانيون، الذين يطالبون باعتماد الحكم المدني، التحركات التي تبلورت في الآونة الأخيرة، مما دفعهم للخروج حاملين لافتات تحذير موجّهة لكل من الرياض وأبوظبي كتب عليها: “لن تتحكموا أبدًا في مصيرنا”.
برزت لعبة القوى الخليجية بعد مرور عدّة سنوات كان خلالها البشير حليفًا متقلبًا للسعوديين والإماراتيين، حيث أغروه بالمال مقدّما لهم في المقابل ولاء ضعيفا لسياستهم. وعندما سافر البشير إلى دول الخليج مستنجدا بهم لمساعدته على مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة، قوبلت التماساته بالرفض.
الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي
في المقابل، ترى كل من الرياض وأبوظبي بعض الوجوه الودية داخل المجلس العسكري. فعلى سبيل المثال، قاد رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الجنرال عبد الفتاح البرهان، وحدة عسكريّة تضم قرابة 10 آلاف جندي سوداني منتشرين في اليمن، من أجل حماية القوات الإماراتية وسلسلة الإمدادات والمستودعات.
وفقًا للبنك المركزي السوداني، استثمرت الحكومات الملكيّة بكثافة في الدولة العربية الإفريقية، من خلال تقديم مبالغ نقدية مباشرة بما لا يقل عن 3.6 مليار دولار منذ سنة 2016، والتي كانت عبارة عن مكافأة لتخليها عن تحالفها القديم وطويل الأمد مع طهران
إلى جانب ذلك، يعتبر نائب رئيس المجلس العسكري السوداني، الجنرال محمد حمدان دقلو، من أبرز قادة قوات الدعم السريع التي تمثّل فرعا من ميليشيا الجنجاويد سيئة السمعة، والتي اتهمتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب في منطقة دارفور السودانية. وقاد هذا النائب، الذي يعرف باسم “حميدتي”، القوات المنتشرة في اليمن، ناهيك عن أنه حليف للتكتّل السعودي-الإماراتي.
تدعو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والقوى الغربية الكبرى الأخرى إلى ضرورة الانتقال السريع إلى الحكم المدني، لكن نفوذها محدود داخل بلد معزول منذ زمن بعيد عن النظام الدولي، لكن الاهتمام السعودي والإماراتي بالسودان ليس بالأمر الجديد. ووفقًا للبنك المركزي السوداني، استثمرت الحكومات الملكيّة بكثافة في الدولة العربية الإفريقية، من خلال تقديم مبالغ نقدية مباشرة بما لا يقل عن 3.6 مليار دولار منذ سنة 2016، والتي كانت عبارة عن مكافأة لتخليها عن تحالفها القديم وطويل الأمد مع طهران.
فضلا عن ذلك، تتطلع الدولتان الخليجيتان إلى حماية استثماراتهما في الزراعة السودانية التي تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، التي تستخدمانها لإنتاج القمح والشعير والمحاصيل الأخرى للاستهلاك المحلي في بلدانهم القاحلة. وحيال هذا الشأن، قال عبد الخالق عبد الله، الرئيس السابق للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية، وهو مركز أبحاث يقع في بيروت: “إنهم يفضلون الاستقرار أكثر من أي شيء آخر. وبالتالي، سيبذلون كل ما في وسعهم حتى لا يمرّ السودان بتجربة مماثلة لليبيا وسوريا وتلك الدول التي شهدت الربيع العربي”.
في الواقع، يمثّل السودان عنصرا رئيسيًا في هذه المنافسة الكبرى للاستحواذ على النفوذ في جميع أنحاء شمال إفريقيا والقرن الأفريقي، الشريط الساحلي الاستراتيجي المحاذي للممرات المائية التي تستأثر بنسبة 10 بالمئة من التجارة البحرية العالميّة. وفي ليبيا المجاورة، تعهّدت السعودية بتقديم عشرات الملايين من الدولارات لتمويل محاولة الانقلاب التي قادها المشير خليفة حفتر ودعم الهجوم الذي شنّه على الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس.
تحاول كل من قطر وتركيا التأثير على العمليّة الانتقاليّة في السودان، إذ انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طريقة عمل المجلس العسكري ودعا إلى الانتقال السريع إلى الحكم المدني.
أما بالنسبة لدولة إريتريا الساحلية ذات الموقع الاستراتيجي، فقد أنشأ حلفاء الخليج قاعدة عسكرية واسعة لتوفير الدعم اللوجستي الرئيسي للمجهود الحربي في اليمن، حيث يقاتل التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران. بالإضافة إلى ذلك، تحافظ دولة الإمارات العربية المتحدة على قاعدة عسكرية وميناء في إقليم أرض الصومال.
لطالما اُعتبر البشير حليفًا متقلّبا يحرّض القوى الإقليمية ضد بعضها البعض. وفي سنة 2014، بدأ البشير في تغيير ولائه من إيران إلى السعودية، وفي نهاية المطاف، قطع العلاقات مع طهران بعد ذلك بسنتين، حيث أبقى القوارب الإيرانية بعيدة عن موانئ السودان. في المقابل، استمر البشير في قبول الأموال من قطر وتركيا، اللتين تعتبرهما السعودية والولايات المتحدة الأمريكية منافستين تروجان لبديل للإسلام السياسي وتموّلان الأطراف المشاركة في الحرب في ليبيا.
من هذا المنطلق، تحاول كل من قطر وتركيا التأثير على العمليّة الانتقاليّة في السودان، إذ انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طريقة عمل المجلس العسكري ودعا إلى الانتقال السريع إلى الحكم المدني. وفي شوارع السودان، عبّر المحتجون عن استيائهم من أن تعهدات الرياض وأبوظبي التي تبلغ مليار دولار من شأنها أن تقوّض أي جهود لتحقيق حكم ديمقراطي. وعلق أحد الطلاب المتظاهرين في الخرطوم، محمد النور، قائلا: “نحن نفضل الجوع، على أن نأخذ أموالهم. فنحن نسعى لنكون مسؤولين عن تحقيق مصيرنا بأنفسنا”.
المصدر: وول ستريت جورنال