تشتهر أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا، بأنها المكان الذي تذهب إليه رؤساء وملوك العرب وذويهم لتعلم المهارات العسكرية والفكرية ليجعلوا من أنفسهم داخل هذا المكان حكامًا مستقبليين لشعُوبهم ودولهم.
عام 1802 أُسست أكاديمية ساندهيرست البريطانية التي تقع على حدود مقاطعتي ساري مع بيركشاير جنوبي إنجلترا، وكان الهدف من تأسيسها تدريب ضباط الجيش البريطاني، حيث كان الضباط البريطانيون يدرسون قيم الولاء على المستوى الفكري والعسكري لبريطانيا العظمى، وتستغرق مدة الدراسة 44 أسبوعًا كاملًا، حيث كانت بريطانيا على مدار قرنين من الزمن قوة استعمارية تتوسع في منطقة الشرق الأوسط والخليج عن طريق احتلالها باسم الانتداب على مَلكيات وجمهوريات تابعة للدولة العثمانية.
لكن مع الوقت؛ فتحت الأكاديمية باب استقبال الطلاب من جميع أنحاء العالم، ومن أبرز الطلاب الذين ذهبوا للدراسة حينئذ وإلى الآن طلاب العائلات الحاكمة في منطقتي الخليج والشرق الأوسط، حيث تخرج في الأكاديمية عشرات الحكام العرب وذويهم وقادة عسكريون ذوو مستوى رفيع جدًا ومؤثرون في صنع القرار على المستوى المحلي والإقليمي.
من القادة؟
ومن أبرز حكام الخليج السابقين الذين التحقوا وتخرجوا في أكاديمية ساندهيرست، أمير الكويت سعد عبد الله الصباح وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة، أما من الحكام الحاليّين فأمير قطر تميم بن حمد آل خليفة وملك الأردن عبد الله بن حسين والسلطان العُماني قابوس بن حسين وملك البحرين حمد بن عيسى.
كما تخرج أيضًا العقيد المصري أحمد علي في أكاديمية ساندهيرست وشغل منصب المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة في الأعوام السابقة قبل أن يشغل منصب أحد مستشاري الرئيس المصري الحاليّ عبد الفتاح السيسي.
كما تخرج ويتخرج عشرات من أبناء وذوي حكام العرب والخليج، فقد تخرج في الأكاديمية ذاتها ولي عهد الإمارات وحاكم دبي والبعض يسميه حاكم الإمارات الفعلي مُحمد بن زايد آل نهيان، كما تخرج أيضًا نجل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم أبو ظبي وراعي الثقافة في الإمارات.
وتصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة الأكاديمية من حيث عدد طلابها مقارنة بالطلاب الوافدين من خارج بريطانيا، فقد بلغ إجمالي طلابها عام 2014، 72 طالبًا.
استثمارات خليجية
رأت بريطانيا منذ استعمارها القديم في منطقة الخليج أنه يجب عليها ربط علاقات قوية مع رؤساء القبائل الذين أصبحوا فيما بعد الاستقلال حكامًا لدول الخليج، وذلك بسبب المال الوفير الذي يتحكم فيه رؤساء تلك الدول، فطبقًا لتقرير نشرته بي بي سي عام 2014 على لسان جان كينينمونت وهي نائب رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد تشاثام هاوس فإن المال الخليجي – لا سيما الإمارات وقطر – يُمول عمليات تطوير البنية التحتية في بريطانيا فضلاً عن استثمارات شركات النفط والغاز البريطانية مع دول الخليج.
تلقت الأكاديمية عام 2013 منحةً مقدمة من دولة الإمارات المتحدة تقدر بـ15 مليون إسترليني لبناء مجمع سكني يحمل اسم الشيخ زايد آل نهيان رئيس الدولة الإماراتية، كما تبرع أيضًا ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى بمبلغ يقدر بـ3 ملايين إسترليني أيضًا لافتتاح صالة مونس (نسبة إلى المعركة الشهيرة في الحرب العالمية الأولى) وهي صالة لأنشطة رياضية وترفيهية تابعة للأكاديمية.
العلاقات البريطانية الخليجية
ومع مرور السنوات ارتفعت قيمة الاستثمارات بين مجلس التعاون الخليجي وبريطانيا إلى مئات ملايين الدولارات، ففي عام 2005 كان حجم التجارة بين مجلس التعاون الخليجي وبريطانيا يقدر بـ13.2 مليار دولار وفي عام 2010 وصلت قيمة التجارة إلى 19 مليار دولار حتى وصل إلى ذروته عام 2016 بقيمة 44.5 مليار دولار، ناهيك عن التعاون العسكري والدفاعي.
وفي عام 2014 أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن لديها خططًا لإنشاء ثلاث قواعد عسكرية في منطقة الخليج (عمان والإمارات والبحرين)، وبعدها بأربعة أعوام فقط عام 2018 أنشأت بريطانيا مِرفق الدعم البحري البريطاني في البحرين وهو بمثابة قاعدة عسكرية بحرية لبريطانيا في قلب البحرين، كما أعلنت بريطانيا أيضًا نيتها فتح قاعدة عسكرية في سلطنة عُمان عام 2019 لتكون مركزًا لتدريب قواتها والقوات البحرينية في سُبل تعاون عسكري مشترك بين البلدين.
تتلقى الحكومة البريطانية الكثير من الانتقادات بشأن تزايد تدفق طلاب من ذوي العائلات الحاكمة في دول الخليج عامًا بعد عام الذين بدورهم يتلقون التدريبات العسكرية والمهارات الفكرية ثم يرجعون لتولي مقاليد الحكم فيستخدمون ما تعلمونه في قمع شعوبهم وإذلالهم
تسعى بريطانيا لا سيما في تلك الفترة لاكتساب أكبر قوة عسكرية واقتصادية في منطقة الخليج لا سيما خلال الاضطراب الذي تشهده حكومتها بشأن قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي، فَجلب الاستثمارات في المنطقة الغنية بالنفط قد يكون تعويضًا اقتصاديًا جيدًا عن الخسارة المُحتملة التي قد تنالها إن خرجت من الاتحاد الأوروبي، فضلاً أيضًا عن إرادة بريطانيا لاستعادة تاريخها الإمبراطوري في منطقة الخليج.
فمنذ بداية العقد الثاني من القرن الماضي وانتهاء الحرب العالمية الثانية، والولايات المتحدة الأمريكية هي الفاعل الأقوى في المنطقة الخليجية بلا منازع، ولكن الولايات المتحدة بدأت تفقد زمام أمر الاستقرار هناك لا سيما مع تزايد حدة الاضطرابات بين دول الخليج وبعضهما البعض كحصار البحرين والسعودية والإمارات لدولة قطر أو حتى صراع الخليج التجاري والعسكري مع إيران، فقد تكون تلك الظروف فرصة لن تعوض لسعي بريطانيا لكسب مزيد من النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي داخل تلك المنطقة.
انتقادات
وتتلقى الحكومة البريطانية الكثير من الانتقادات بشأن تزايد تدفق طلاب من ذوي العائلات الحاكمة في دول الخليج عامًا بعد عام الذين بدورهم يتلقون التدريبات العسكرية والمهارات الفكرية ثم يرجعون لتولي مقاليد الحكم فيستخدمون ما تعلمونه في قمع شعوبهم وإذلالهم.
وأدانت تقارير حقوقية دولية التعاطي البريطاني بشأن بيع السلاح لدول الخليج كالسعودية مثالًا بينما تقمع شعبها وتصدر عشرات من أحكام الإعدام، فضلاً عن مئات المعتقلين من معارضي الرأي من الرجال والناشطات بمجال حقوق الإنسان، ومع ذلك تستمر بريطانيا في بيع صفقات أسلحة لها تُقدر بعشرات المليارات.
تحدث تيم فارون زعيم الديمقراطيين الأحرار في بريطانيا عن ذلك موجهًا للحكومة انتقاده بأنها تسعى لكسب مزيد من الإيرادات بشأن الأكاديمية بواسطة أموال الخليج الطائلة وتتجاهل ملف حقوق الإنسان بحق شعوب تلك الدول، وقال أيضًا: “يجلس شيوخ العرب في أكاديميتِنا العسكرية، ويتعلمون أفضل ما لدينا ومن ثم يعيدون هذه الأشياء إلى الأنظمة التي تقمع سكانها وتدوس على حقوق الإنسان، وسوف يتساءل الناس داخل وخارج بريطانيا: لماذا نبيع الأسلحة للسعوديين وندرب البحرينيين ليضطهدوا شعوبهم”، وشدّدَ فارون على أنه يجب على الحكومة البريطانية الالتزام بالقيم الأخلاقية التي تدعو إليها.
ودائمًا تأتي ردود الفعل من مسؤولي الحكومة على تلك الانتقادات بأن بريطانيا تعزز التبادل العسكري عن طريق التدريب وإنشاء القواعد لتوفر الأمن والاستقرار للمنطقة بأكملها، ولكن يقف وراء كل هذا الدعم للأنظمة الخليجية وحُكامها للحفاظ على المكتسبات التجارية والاقتصادية عن طريق حماية طرق النفط، ففي دولة مثل سلطنة عُمان وهي تلعب دورًا مهمًا في الإشراف على مرور الشحن الدولي عبر مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو 30% من الشحنات العالمية النفط، وتمتلك بريطانيا حصة من النفط ضخمة بشكل كبير، فتمتلك شركة شل 34% (إلى جانب 60% من الحكومة) في شركة تطوير البترول التي تدير نفط البلاد.
فبريطانيا تسعى لمزيد من امتلاك القوة والنفوذ على المستوى السياسي والاقتصادي في منطقة الخليج لكي تُعوض احتمالية خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتضع لها مكانة وسط الوجود التنافسي الأمريكي الإيراني التركي في تلك المنطقة.