لأكثر من 5000 عام اعتمدت الحضارات القديمة في جميع أنحاء العالم على العلاجات الطبيعية التي تعتمد في تصنيعها على النباتات والزهور والأعشاب التي أثبتت فعاليتها في تخفيف بعض الآلام والالتهابات وتقليل الإجهاد والتغلب على أعراض الاكتئاب وتحسين نوعية النوم والتخلص من المزاج السلبي، إذ يوجد أكثر من 90 نوعًا من هذه الزيوت العطرية التي تنتشر منتجاتها في المتاجر والمنتجعات الصحية وإستديوهات اليوغا.
علمًا أن استخدام هذه الزيوت لم يعد مقتصرًا على الممارسات الطبية فقط، إذ نجد مثلًا زيت زهرة اللافندر أو النعناع أو جوز الهند واللوز موجودة في معجون الأسنان ومنظفات الغسيل والشموع، التي من شأنها مساعدتنا على الاسترخاء أو الانتعاش، بحسب المادة المستخدمة.
متى اكتشفت الزيوت العطرية؟
تشير بعض المصادر إلى أن تاريخ الزيوت العطرية يعود إلى عام 4500 قبل الميلاد عندما استخدمها القدماء المصريون في البداية لأغراض الطهي والعناية بالجمال والاسترخاء البدني والروحي، في المقابل، يقول باحثون آخرون إن استخدام الزيوت العطرية حدث بين عامي 2000 و3 آلاف قبل الميلاد وكانت تنتشر في الهند والصين في نفس الوقت الذي عثر عليها في مصر.
جدير بالذكر أن هناك اعتقادات أخرى ترى أن أصل الزيوت يعود إلى ما قبل التاريخ حين استخدمها الناس قديمًا لرسم على جدران الكهوف.
وبشكل عام، يتفق المؤرخون أن أصل الزيوت العطرية هي مصر القديمة التي استخدمتها لعلاج الأمراض وتحنيط مومياواتهم وصنع مستحضرات التجميل والصبغات والمراهم والكحل، لا سيما تلك الأدوات التي استعانت بها الملكة كليوباترا وباتت تُعرف منذ ذاك الحين بهوسها في استخدام زيت الورد وأملاح البحر الميت، إذ قيل إنها لم تكن تنهض من فراشها دون أن تتعطر وتعطر سريرها بماء الورد، وهي عادة انتشرت في جميع العائلات المالكة آنذاك.
فلقد كانت العائلات الحاكمة والكهنة معروفين بكثرة استخدامهم لهذه العطور والعلاجات، وذلك ما تبينه الصور البدائية على جدران المعابد المصرية التي لا توضح فقط طريقة استخراجهم لزيوت وإنما تذكر الملوك التي استخدموها أيضًا، ففي عام 1922 تم العثور في قبر الملك توت عنخ آمون على أكثر من 50 حاوية خاصة بحفظ الزيوت، كما وجد طاقم التنقيب مرهمًا معطرًا وهي من الأدوات الفاخرة والثمينة في ذاك العصر.
لم تختلف علاقة الصين مع الزيوت العطرية كثيرًا عن الحضارات السابقة، إذ كان لديهم ارتباط قوي ودقيق، ويتبين ذلك من خلال الوثائق التاريخية الصينية التي تسرد الفوائد الطبية لأكثر من 300 نوع من النباتات المميزة
في نفس الوقت تقريبًا، كانت الهند والصين تستكشفان النباتات والأعشاب العطرية المختلفة أيضًا، التي تحولت لاحقًا إلى جزء أساسي من نظام الرعاية الصحية الهندي، الأيورفيدا، وهو من أقدم وسائل العلاج الطبيعية التي تجمع بين الأفكار الطبية العميقة والفلسفية لتحقيق التوازن بين الجسد والعقل والروح من خلال استخدام مجموعة من الأدوية العشبية والزيوت الخاصة في أثناء حمامات البخار وجلسات التدليك.
بالنسبة للصين، فلم تختلف علاقتها مع الزيوت العطرية كثيرًا عن الحضارات السابقة، إذ كان لديها ارتباط قوي ودقيق، ويتبين ذلك من خلال الوثائق التاريخية الصينية التي تسرد الفوائد الطبية لأكثر من 300 نوع من النباتات المميزة التي كُتبت بواسطة الملك شين نونغ، في عام 2500 قبل الميلاد، بالجانب إلى الإمبراطور هوانغ تي الذي ألف كتابًا عن الأدوية العطرية وفوائدها.
بعد ذلك، سافرت الزيوت العطرية إلى أوروبا وبدأت الزيوت العلاجية والبخور في الانتشار في اليونان التي يُعتقد أنها اقتبستها من عادات المصريين القدامى عندما زار هيرودوت مصر خلال القرن الرابع قبل الميلاد وأخذ أطباء وفلاسفة اليونان بدراسة هذه النباتات وتأثيرها وروائحها، ومن إحدى استنتاجاتهم ما حدده الطبيب الشهير ماريستوس، الذي قال إن النباتات ذات الروائح الحلوة لها خصائص مهدئة وللورود خصائص التحفيز والتنشيط، وأيد الحمامات المعطرة.
الأهم من ذلك الكتاب الذي ألفه طبيب يوناني وهو كتاب مؤلف من 5 مجلدات يتضمن أكثر من 600 علاج طبيعي معتمد على الأدوية العشبية والزيتية التي استخدامها منذ 1500 عام.
كان العرب أول من اخترعوا عملية التقطير – حيث يتم استخراج الزيوت العطرية من النباتات – وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن ابن سينا، وهو من اكتشف هذه الطريقة عام 1000 ميلادي
وتدريجيًا، تأثر الرومان بمعرفة الإغريق بهذه العناصر الثمينة واقتنعوا بأنها مفتاح أساسي في تعزيز الصحة الجسدية والنفسية، المثير للاهتمام أنهم بالغوا في استخدامها إلى أقصى الحدود، إذ إنهم لم يغمسوا أجسادهم كاملة فيها، بل كانوا ينضمون إلى جلسات تدليك متكررة في ذات اليوم وكان جنودهم يحملون أكياسًا صغيرة مملوءة ببذور النباتات ذات الروائح الحلوة في أثناء الحملات العسكرية.
أما فيما يخص المنطقة العربية، كان العرب أول من اخترعوا عملية التقطير – حيث يتم استخراج الزيوت العطرية من النباتات – وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن ابن سينا من اكتشف هذه الطريقة عام 1000 ميلادي، وبعد إثبات الزيوت فعاليتها بكل الطرق والمعلومات التي توفرها لنا السجلات التاريخية عن قيمتها الطبية، تزايد الطلب على هذه المنتجات بشكل سريع وأصبحت محط اهتمام الدراسات العلمية الحديثة والشركات التجارية التي سعت لتسويقها في جميع أنحاء العالم.
الزيوت العطرية.. سوق ينمو مع زيادة الوعي بأسراره
أظهرت العديد من الدراسات أن الزيوت العطرية يمكن أن يكون لها تأثيرات مهدئة ومنشطة، بالإضافة إلى تأثيرات إيجابية على الجهاز المناعي والجهاز العصبي المركزي، وتحديدًا فيما يتعلق بتأثيرها على مناطق معينة من الدماغ التي تساعد على التحكم في الانفعالات السلوكية والاستجابات العاطفية، مثال على ذلك، تأثير اللافندر أو البابونج أو الخزامى في التخلص من القلق والتوتر.
عائدات المبيعات في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية – مجتمعة في هاتين المنطقتين – سوف تتجاوز 4 مليارات دولار
بالجانب إلى فوائدها النفسية، فمن المتوقع أن يسجل سوق العلاجات العطرية معدل نمو سنوي قيمته 7.7% وأن تبلغ قيمته السوقية نحو 8.1 مليار دولار بحلول عام 2026، وذلك نظرًا لاهتمام العالم العام المتزايد بالصحة وتفضيلهم للمنتجات والأدوية الخالية من المواد الكيماوية، وخاصةً أن هذه الزيوت والأعشاب أثبتت كفاءتها في زيادة الدورة الدموية وتقوية المناعة وتحسين عملية الهضم وتخفيف آلام المفاصل ومكافحة البرد وأعراضه.
ومن المرجح أيضًا أن تواصل مناطق أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية هيمنتها على هذه السوق، فوفقًا لأحدث الدراسات، فإن عائدات المبيعات -مجتمعة في هاتين المنطقتين – سوف تتجاوز 4 مليارات دولار، ومع ذلك ستسجل دول آسيا، باستثناء اليابان، أسرع نمو لها في هذا القطاع، بالإضافة إلى ذلك، تبين الأرقام المنشورة أن أكثر الزيوت استهلاكًا هي التي تعالج المشكلات المتعلقة بالبشرة وقلة النوم والقلق.
وما يساعدها على النمو بهذا الشكل الملحوظ، هو الوعي المتزايد بشأن الفوائد الصحية للعلاج العطري وميل الأجيال الحاليّة إلى العناية بأنفسهم وسعيهم لتجديد شبابهم والمحافظة على صحة ومظهر نافعين، بالجانب إلى نفور العديد من العقاقير الكيميائية ذات الآثار الجانبية المزعجة والضارة، وبالتالي ازداد عدد العلامات التجارية في هذا القطاع مع تغير تفضيلات واختيارات المستهلك فيما يتعلق بظروفه الصحية الجسدية والنفسية.