في الوقت الذي تنتظر فيه جماهير الكرة المصرية بشغف بطولة كأس الأمم الإفريقية التي تنظمها مصر خلال الفترة من 21 من يونيو إلى 19 من يوليو القادم، إذ باللجنة المنظمة للبطولة تعلن عن أسعار جنونية لتذاكر حضور المباريات، الأمر الذي مثل صدمة لعشاق الساحرة المستديرة.
النسخة الـ32 من البطولة التي تنظمها مصر بعد سحبها من الكاميرون لعدم جاهزية ملاعبها يعتبرها الملايين من مشجعي الكرة المصريين عيدًا ومتنفسًا يخرجون به من الأجواء المحيطة بهم، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ تجاوزت أسعار التذاكر قدرات متوسطي ومحدودي الدخل وهم الشريحة العظمى من الجماهير التي تزلزل مدرجات الدرجة الثالثة داخل الملاعب في كل مباراة.
حالة من السخط سادت رواد مواقع التواصل الاجتماعي عقب إعلان أسعار التذاكر بينما تنصل اتحاد كرة القدم المصري من مسؤوليته إزاء تلك الأسعار ملقيًا الكرة في ملعب اللجنة المنظمة، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات بشأن دوافع هذه الخطوة غير المسبوقة والمتوقعة في آن واحد، فماذا كان يدور في عقلية منظمي البطولة حين تم إقرار تلك الأسعار؟
#فيتو #عاجل#شوبير: لا علاقة لـ #ااتحاد_الكرة بأسعار تذاكر #أمم_أفريقيا 2019 https://t.co/cMMnZDh7Up
— بوابة فيتو (@Vetogate) April 30, 2019
200 – 2500 جنيه سعر التذكرة
حددت اللجنة المنظمة للبطولة أسعار تذاكر المباريات التي يشارك فيها المنتخب الوطني المصري لكرة القدم بـ200 جنيه لتذاكر الدرجة الثالثة و400 جنيه للدرجة الثانية و600 جنيه للدرجة الأولى و500 جنيه للدرجة الأولى العلوية و2500 جنيه للمقصورة الرئيسية.
أما المباريات الأخرى التي لا يكون منتخب مصر طرفًا فيها تم تحديد 100 جنيه للتذكرة بالدرجة الثالثة و300 جنيه للدرجة الثانية و500 جنيه للدرجة الأولي، وذلك بعد التنسيق مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “كاف” حسبما أشارت اللجنة المنظمة في بيان لها.
اللجنة في تبريرها لهذه الخطوة كشفت أن الأسعار المطروحة جاءت بعد دراسة وافية لجميع الجوانب، إذا تهدف إلى جذب عدد كبير من المشجعين لحضور لقاءات المنتخبات الإفريقية المختلفة، بخلاف مباريات المنتخب المصري، موضحة أنه تم تنسيق أسعار التذاكر بناء على المباريات وأماكنها من حيث سعة الإستاد والمدينة المضيفة وعدد المباريات التي يستقبلها في اليوم نفسه، بحيث تشهد جميع المباريات حضورًا جماهيريًا جيدًا، ويستطيع الجمهور شراء تذكرة لحضور أكثر من مباراة في الملعب نفسه.
كما أكدت أيضًا مراعاتها أن تكون الأسعار تنافسية قياسًا بالأسعار السابقة للبطولات القارية والعالمية، علمًا بأن أسعار تذاكر مباريات الدوري المحلي لا تتجاوز 25 جنيهًا للدرجة الثالثة، ما يعني أن الزيادة التي طرأت على سعر التذكرة في البطولة الإفريقية تجاوز 800% من السعر القديم.
لو نفسك تقولي مترحوش قول اه مكتسفش
قول اه #امم_افريقيا pic.twitter.com/dwCZZrGWdC
— Mo MonuiR (@mo_monuir) April 29, 2019
خدمة مميزة
“المشجع سوف يجد خدمة تناسب سعر التذكرة خلال مباريات البطولة”.. كان هذا أول تعليق من اللاعب السابق محمد فضل مدير اللجنة المنظمة للبطولة بشأن الأسعار المعلنة، مضيفًا “بالطبع نحن كلجنة منظمة نستهدف عدم إرهاق الشعب المصري فيما يخص تذاكر كأس أمم إفريقيا، بحثنا كل السبل ليكون سعر التذكرة مناسبًا للمشجع وأيضًا مناسبًا لقيمة البطولة”.
وأضاف فضل الموجود حاليًّا في لندن لمناقشة بعض الأمور المتعلقة بتميمة البطولة “نحاول إرضاء جميع الأطراف وهذا أصعب ما في الأمر، وعندما تكون أسعار التذاكر عالية بعض الشيء، هذا يقلل من السوق السوداء، بجانب أننا رفضنا عروضًا مغرية من شركات كانت ترغب في الحصول على التذاكر وتسويقها بمعرفتها”.
مؤكدًا أن الأسعار تم تحديدها بالفعل وأُرسلت للاتحاد الإفريقي لاعتمادها ومن ثم إتاحتها على الموقع الإلكتروني التابع لأحد أجهزة الدولة المصرية ليتم وضع التذاكر وأسعارها على السيستم وتكون في متناول الجماهير، وتابع “200 جنيه لمباريات مصر على سبيل المثال يعادل ما يقرب من 12 دولارًا، وهو رقم بسيط لو نظرنا للأسعار العالمية، لكن في المقابل، المشجع سوف يدخل الملعب، سيجد خدمات تليق به، كرسي جيد بجانب خدمات الطعام وحمامات تليق بالجماهير”.
واختتم فضل حديثه مشددًا على أن “الجماهير لم تشاهد تلك الخدمات من قبل وبالتالي من حقها أن تحزن عند سماع أسعار التذاكر، لقد اعتادوا الوجود قبل المباريات بوقت مبكر دون وجود خدمات جيدة في الملاعب، وما سيحدث في أمم إفريقيا نقلة كبيرة”، منوهًا “سيتم توفير خدمات محترمة تليق بالمشجع، وبالتالي السعر سيكون مناسبًا، وإن شاء الله خلال أيام قليلة، سيتم كشف كل التفاصيل الخاصة بالتذاكر والأسعار والتميمة وأغنية البطولة الرسمية”.
بهذا التوجه الجديد تفقد كرة القدم هويتها كأكثر الألعاب الشعبية في مصر، ولم يعد أمام مشجعيها سوى متابعتها عبر الشاشات الصغيرة في المنازل والمقاهي
انتقادات وسخرية
موجة من الانتقادات وجهت للجنة المنظمة للبطولة بعد إعلان أسعار تذاكر المباريات حيث أبدى أحمد حسام ميدو لاعب المنتخب المصري السابق، استياءه من الارتفاع الجنوني للأسعار، معلقًا عبر تويتة على حسابه الرسمي على “تويتر”: “بصراحه مصدوم من أسعار تذاكر الدرجة الثالثة في كأس الأمم.. 200 جنيه كتير جدًا! هل أصبحت كرة القدم فجأة لعبة الأغنياء في مصر؟ من مِن محدودي الدخل سيدفع 600 جنيه لمشاهدة الثلاث مباريات الأولى لمنتخبنا في 10 أيام أي 35% من دخله الشهري!! أرجو إعادة النظر في أسعار تذاكر الدرجة الثالثة”.
ميدو طالب وزير الرياضة بإعادة النظر في تلك الأسعار لا سيما لجماهير الدرجة الثالثة، مضيفًا: “ارفع أسعار تذاكر الأولى والمقصورة الرئيسية كما تشاء فهناك فئه في مصر قادرة على دفع حتى 10 آلاف جنيه لتذكرة الدرجه الأولى أما تذاكر الثالثة يجب أن لا تتعدى الـ5% من دخل الحد الأدنى للأجور.. وهو 100 جنيه على أقصى تقدير”.
ارفع أسعار تذاكر الأولى والمقصورة الرئيسية كما تشاء فهناك فئه في مصر قادره على دفع حتى ١٠ آلاف جنيه لتذكرة الدرجه الأولى أما تذاكر الثالثة يجب ان لا تتعدى ال ٥٪ من دخل الخد الأدنى للأجور..وهو ١٠٠ جنيه على أقصى تقدير!!
— Mido (@midoahm) April 29, 2019
أما اللاعب الدولي محمد صلاح نجم نادي ليفربول الإنجليزي، فسخر هو الآخر من أسعار التذاكر، وذلك عبر رده على تغريدة نشرها الفنان محمود البزاوي على حسابه على “تويتر” جاء فيها: “يعني لو واخد ابني معايا هأقعد في الدرجة الثالثة وهدفع 800 جنيه مثلاً.. ومطلوب مني وأنا خارج أدعي للمنتخب”، ليرد عليه صلاح ساخرًا: “أوعى تفكر تقعد مقصورة.. كدا هتدعي للمنتخب بجد”.
أوعي تفكر تقعد مقصوره ?كدا هتدعي للمنتخب بجد ?
— Mohamed Salah (@MoSalah) April 29, 2019
الكرة للأغنياء فقط
بات من الواضح أن هناك توجهًا عامًا بأن يكون حضور مباريات كرة القدم في مصر للأغنياء فقط، هذا ما ذهب إليه محمد عبد الرازق الناقد الرياضي بصحيفة “البيان” المصرية، الذي أشار إلى أن الأسعار المعلنة لم تعد في متناول متوسطي الدخل كما كان في الماضي.
عبد الرازق لـ”نون بوست” أوضح أن بهذا التوجه الجديد تفقد كرة القدم هويتها كأكثر الألعاب الشعبية في مصر، ولم يعد أمام مشجعيها سوى متابعتها عبر الشاشات الصغيرة في المنازل والمقاهي، لافتًا إلى أن إرهاصات هذا التوجه بدأت منذ فترة حين بحث اتحاد الكرة مسألة خصخصة البث التليفزيوني لمباريات الدوري المحلي، الأمر الذي يحول دون مشاهدة جميع المباريات ومن ثم يدفع عشاق الكرة إلى الذهاب للملاعب، وهنا يتم التحكم في أسعار التذاكر التي من المتوقع أن تتضاعف.
بصراحه مصدوم من أسعار تذاكر الدرجة الثالثة في كأس الأمم..٢٠٠ جنيه كتير جدا!! هل أصبحت كرة القدم فجأة لعبة الأغنياء في مصر؟ من من محدودي الدخل سيدفع ٦٠٠ جنيه لمشاهدة الثلاث مباريات الأولى لمنتخبنا في ١٠ ايام اي ٣٥٪ من دخله الشهري!! أرجو اعادة النظر في أسعار تذاكر الدرجه الثالثة..
— Mido (@midoahm) April 29, 2019
هذا علاوة على دخول الاستثمار مجال كرة القدم على وجه التحديد ولعل تجربة رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، خير دليل على ذلك، فكيف للرجل أن يعوض الملايين التي ينفقها على نادي بيراميدز؟ ومن ثم ربما تتحول كرة القدم من متنفس الجماهير الأرخص إلى “سبوبة” وأرض خصبة للتربح والتكسب دون أي اعتبارات شعبية أخرى.
ذهب آخرون في تفسير هذا القرار إلى رغبة غير معلنة في عدم حضور الجماهير للمباريات تجنبًا للاحتكاكات والمناوشات وخوفًا من المواجهات مع رجال الأمن
الناقد الرياضي استنكر كذلك مقارنة أسعار تذاكر المباريات في مصر بالبطولات الأوروبية، لافتًا أن سياسة المقارنة باتت الإستراتيجية الأكثر حضورًا على موائد المسؤولين تبريرًا للقفزات الجنونية التي تشهدها منظومة الأسعار بصفة عامة وليست كرة القدم فقط.
وفي المقابل أعلن فرج عامر رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب ورئيس نادي سموحة، أنه سيتقدم بطلب إحاطة لوزير الشباب والرياضة بشأن أسعار تذاكر البطولة، قائلاً في تغريدة له على حسابه على “تويتر”: “أطالب بتخفيضها من 200 جنيه للتذكرة لتكون 50 جنيهًا حتى تكون في متناول الشباب، ويستطيع أن يشجع فريقه في الملعب بدلاً من خلو الملاعب من الجماهير وبالأخص الشباب”.
التحايل لمنع الحضور الجماهيري
آخرون ذهبوا في تفسير هذا القرار إلى رغبة غير معلنة في عدم حضور الجماهير للمباريات تجنبًا للاحتكاكات والمناوشات وخوفًا من المواجهات مع رجال الأمن، وهو التوجه العام الذي يخيم على الأجواء خلال السنوات الماضية وعلى إثره أُقيمت مباريات الدوري المحلي دون جماهير.
منذ ثورة يناير 2011 كانت مدرجات الدرجة الثالثة في الملاعب الرياضية ساحة للهتافات السياسية التي تعكس رأي الشارع في كثير من المواقف، الأمر الذي أقلق سلطات الدولة خاصة بعد تعرض قطاعات عدة فيها للانتقادات على رأسها الشرطة وبعض السياسين والمسؤولين المقربين من النظام.
#امم_افريقيا
اللي هيدفع 200 ف التذكرة ..السيسي هيشيلو من التموين
تعالوا نعمل حملة ..#خليها_فاضية
— Khaled Yehia? (@Tab3alward) April 29, 2019
ومن ثم سعت السلطات إلى إغلاق هذا المنفذ الذي تحول إلى منبر سياسي ومرآة عاكسة لتوجهات المواطنين وذلك عبر تضييق الخناق عليه والحيلولة دون الحضور الجماهيري بدعوى “اعتبارات أمنية”، وهو ما لم يقنع الكثير من المشجعين خاصة أن دولاً أكثر قلقًا وعدم استقرار من مصر تفتح مدرجاتها أمام جماهيرها على رأسها العراق وسوريا.
ايه يا جماعه الاسعار دي #تذاكر_كاس_الامم
هو انتوا مش عايزين الجمهور يجي بس خايفين تقولوا كدا فتعلوا الاسعار ومحدش يجي وتبقوا ريحتوا نفسكوا ؟!
يعني اسره ٤ افراد عايزين يروحوا ماتش مصر يقعدوا درجه تانيه ١٢٠٠ جنيه غير مصاريف السفر ??#امم_افريقيا
— MeNNa GaMaL ❤️?? (@MeNNaTMeNToS) April 29, 2019
بعض رواد السوشيال ميديا ذهبوا إلى أن الهدف الرئيسي من وراء هذا الارتفاع الجنوني في أسعار التذاكر عدم حضور محدودي ومتوسطي الدخل وهم الشريحة الأكثر تأثرًا بالأوضاع الاقتصادية، تجنبًا لما يمكن أن يثيروه من مشاكل وهتافات ربما تحرج النظام، بينما تفتح الأبواب أمام ميسوري الحال ممن لا يواجهون أي عقبات حياتية على الإطلاق ومن ثم لا مشكلة لديهم في رفع أسعار التذاكر ولا خوف منهم في تجاوز الخطوط الحمراء.
وفي المجمل فإن حالة الجدل التي يشهدها الشارع المصري جراء الأسعار الجنونية لتذاكر مباريات بطولة إفريقيا والممزوجة بأجواء من السخرية لا شك أنها ستنعكس بشكل أو بآخر على البطولة وسمعة مصر حال لم يتم تدارك الأمر وإعادة النظر، وإن كانت المؤشرات تذهب إلى احتمالية تخفيض تلك الأسعار استجابة لرأي الشارع خلال الأيام القادمة وأن ما حدث لا يعدو كونه بالونة اختبار.