يعيشون وسط أسوار عالية تحيط بفللٍ شاسعة المساحة بها ملاعب للغولف وملاعب أخرى للترفيه واللعب، يركبون أحدث السيارات من نوع لامبورغيني وفيراري، يصل ثمن الأيس كريم ice cream إلى 800 دولار للواحد فقط لأنه مطليٌ ببعض الذهب الصافي، هكذا عرَّف الصحفي الدنماركي كيم بالك في تحقيقه الذي نشره في صحيفة إنفارمسيون حياة الهاربين من الضرائب في جزيرة نخلة الجميرا الواقعة في دبي بالإمارات العربية المتحدة.
ذهب الصحفي الدنماركي إلى دبي ليجري تحقيقًا عن أحد الفارين من الدنمارك وهو رجل الأعمال البريطاني من أصل هندي سنجاي شاه بعدما احتال على الحكومة الدنماركية بمبلغ ضريبي قيمته 12 مليار دولار ثم هرب بعد ذلك إلى دبي ليشتري فيلا بـ50 مليون دولار في جزيرة نخلة الجميرة ليستقر بها هو وأسرته في ملاذ آمن بعيدًا عن الملاحقات الضريبية.
تُعرف الإمارات بأنها سويسرا الشرق الأوسط، حيث يذهب إليها رجال أعمال وفلول الأنظمة المنتهية الهاربين من سجلات ضريبية قانونية وجرائم أخرى ارتكبوها في بلدانهم.
من أبرز الهاربين؟
أبرز الهاربين التي ذكرتهم شبكة العدالة الضريبية في تقريرها رجل يُدعى داوود إبراهيم وهو رجل هندي تتهمه السلطات الهندية بأنه ملِك عالم الجريمة في الهند وتلاحقه السلطات القضائية هناك بعشرات الإدانات منها تورطه في تفجيرات مومباي الشهيرة عام 1993 وأنه تلقى دعمًا كاملًا من المخابرات الباكستانية لتنفيذ تلك التفجيرات، فضلاً عن عشرات من جرائم القتل والتهريب والابتزاز.
صنفته وزارة الخزانة الأمريكية عام 2003 ضمن الشخصيات الإرهابية حول العالم لاتهامه بالتعاون مع تنظيم القاعدة لصلته القوية مع زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، كما اتهمته أيضًا بالإتجار بالمخدرات وإدخالها إلى المملكة المتحدة وغيرها من دول أوروبا عن طريق عصابته التي تعرف بـ”دي كومباني” ولها نشاط عالمي في عمليات التهريب والقتل والخطف والتجارة غير الشرعية.
حسب تقرير شبكة العدالة الضريبية فإن داوود إبراهيم يقيم بالإمارات منذ عام 1984 وينعم بمعيشة فاخرة للغاية مثله كمثل أي مسؤول أو رجل أعمال هارب من قضايا فساد تلاحقه في موطنه.
محمد دحلان
يمكث محمد دحلان القيادي في حركة فتح ورئيس جهاز الأمن الوقائي للسلطة الفلسطينية سابقًا في الإمارات منذ عام 2011، عندما طُرد من حركة فتح وصدرت بحقه أحكامًا بالسجن من السلطة الفلسطينية ففرَّ هاربًا إلى الإمارات ليعين بعد ذلك مستشار أمني لولي العهد الإماراتي محمد بن زايد ويعرف عن محمد دحلان أنه متورط بقضايا فساد في الداخل الفلسطيني كما أنه مخطط جيد ومستشار أمني بارع لمحمد بن زايد في هندسة سياسة أنظمة منطقة الشرق الأوسط.
من أبرز الشخصيات المصرية التي وجدت ملاذًا آمنًا لها في الإمارات العربية المتحدة الفريق أحمد شفيق وزير الطيران المدني في حكومة مبارك الذي تولى رئاسة وزراء مصر إبان اندلاع ثورة يناير عام 2011، ومرشح رئاسي سابق لرئاسة الجمهورية المصرية في أول انتخابات لمصر بعد الثورة عام 2012، بعد خسارة الفريق شفيق في تلك الانتخابات وفوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي.
فرَّ شفيق مباشرةً إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ليمكث هناك، بعدها طالبت النيابة العامة بضبطه وإحضاره إثر تورطه بقضايا إهدار المال العام وغسيل للأموال خلال توليه منصب وزير الطيران المدني، مكث الفريق شفيق في الإمارات ولم يعد إلى مصر بعدها إلا مرةً واحدة كانت العام الماضي قبل انتخابات الرئاسة الماضية التي أعلن شفيق الترشح لها عبر فيديو مسجل من الإمارات فتم ترحيله إلى مصر ليتخلى بعد ذلك عن ترشحه ويدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي لدورة ثانية لرئاسة الجمهورية ويعود مرة أخرى.
هاربٌ آخر وهو المستشار أحمد الزند وزير العدل السابق الذي فرَّ هو وأسرته إلى الإمارات عام 2016 بعد إقالته من منصبه وتحويله للتحقيق بسبب إساءته للنبي – محمد صلى الله عليه وسلم – ثم بعد ذلك ظهرت له عدة قضايا من بينها الاستيلاء على أراضي الدولة بطرق غير شرعية مستخدمًا سلطته.
رجل الأعمال الأول للنظام السوري رامي مخلوف وهو ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، يعرف عن مخلوف بأنه من أقوى رجال الأعمال السوريين حول العالم، وله عدة استثمارات وحسابات مصرفية في دبي لحفظ ثروته وثروة عائلة بشار الأسد حيث تقيم في دبي أيضًا أخت بشار بشرى الأسد، فمكثت هناك بعد اندلاع الثورة السورية واشتداد الصراع المسلح بين المتصارعين في الداخل السوري.
وسافرت عدة شخصيات سياسية كبرى وحكام ومسؤولون في الحكومات ما قبل ثورات الربيع العربي، فقد غادر وزير التخطيط الليبي محمود جبريل بعد سقوط معمر القذافي إلى الإمارات ليمكث هناك بعيدًا عن قضايا الفساد التي تلاحقه في ليبيا، وتستضيف الإمارات أيضًا نجل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح قبل مقتله من الحوثيين في اليمن منذ ما يقرب من عامين.
تستضيف الإمارات أيضًا الهاربين من غير العرب، فقد سافر أيضًا الرئيس الباكستاني برويز مشرف إلى الإمارات بعد رفع حظر السفر عنه بواسطة القضاء الباكستاني وهو متهم بقضايا فساد، وأسرة الديكتاتور السابق لتايلاند “تاكسين شيناواترا” بعد أن صدرت بحقه هو وأسرته أحكامًا بالسجن لتورطهم بقضايا فساد مشبوهة بتايلاند.
ووصفت منظمة الشفافية الدولية transparency في تقريرها السنوي لهذا العام دبي بأنها ملاذ آمن للكثير من المتهربين وأصبحت من عواصم العالم الأولى في غسيل الأموال والممارسات المشبوهة في قطاع العقارات حيث يوجد 44 عقارًا في دبي بقيمةِ 28.2 مليون دولار مملوكة بشكل رسمي لأفراد متورطين بقضايا فساد وخاضعين لأحكام قانونية في بلدانهم، فضلاً عن 37 عقارًا بقيمة 80 مليون دولار لأشخاص ذوي صلة بأشخاص فرضت عليهم عقوبات قضائية.
وفي 11 من مارس/آذار الماضي ناقش الاتحاد الأوروبي تصنيف دولة الإمارات ضمن الملاذات الضريبية الآمنة حول العالم لاعتبارها الملاذ المصرفي للمتهربين حول العالم لا سيما في منطقة الشرق الأوسط واعترضت الإمارات على قرار الاتحاد ووعدت بمزيد من الإصلاحات بشأن التهرب الضريبي.
أدانت شبكة العدالة الضريبية وهي مؤسسة بحثية بريطانية مستقلة في تقريرها هذا العام قضية التهرب من الضرائب والإقامة في دول مثل سويسرا والإمارات التي تساعد بذلك في انتشار الفقر وعدم المساواة الاجتماعية
لماذا الإمارات؟
يمكن أن تستقر وتقيم بشكل دائم في الإمارات بطرق بسيطة وسلسلة لا سيما إن كنت سياسيًا أو رجل أعمال على هوى السلطة الإماراتية، فيوجد ثلاث طرق لاستقرارك في الإمارات: الأولى أن تشتري عقارًا يزيد على 270 ألف دولار، أو الحصول على عقد عمل دائم هناك، والثالثة والأكثر شيوعًا هي تأسيس شركة في المنطقة الحرة الإماراتية حتى إن كانت الشركة تحمل اسمًا فقط ولا تمارس نشاطًا تجاريًا حقيقيًا ثم بعد ذلك يفتح الشخص حسابًا بنكيًا وبذلك يكتسب الشخص سجلًا تجاريًا ليس عليه أي ضريبة وبهذا يستقر الهارب من بلده في دولة الإمارات دون أي محاسبة قانونية.
وأدانت شبكة العدالة الضريبية وهي مؤسسة بحثية بريطانية مستقلة في تقريرها هذا العام قضية التهرب من الضرائب والإقامة في دول مثل سويسرا والإمارات التي تساعد بذلك في انتشار الفقر وعدم المساواة الاجتماعية والسياسية والطبقية، ورصدت أنه يوجد مبالغ تقدر بـ21 تريليون إلى 32 تريليون دولار في حسابات بنكية بالخارج غير خاضعة للحساب الضريبي، وبذلك الأمر ينتشر الفقر واللامساواة ويساعد في احتقار النفوذ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في أيدي صفوة معينة من الناس وأقاربهم وأصدقائهم، فينتشر الفقر والمجاعات وسوء التعليم والصحة وترتفع معدلات البطالة والجريمة في تلك البلدان.