ترجمة حفصة جودة
“تسعى الصين إلى سرقة طريقها نحو السلم الاقتصادي على حساب الابتكارات الغربية”، كانت هذه كلمات مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية كريستوفر وراي الذي قال الأسبوع الماضي إن الصين تشكل تهديدًا متعددًا لمصالح الولايات المتحدة، ويأتي تعليقه بينما تنتشر الحملة في واشنطن لحظر شركة الاتصالات الصينية هوواوي.
وأضاف وراي: “لقد كانت الصين رائدة في النهج الاجتماعي لسرقة الابتكارات بأي طريقة ممكنة من الشركات والجامعات والمنظمات، وهم يفعلون ذلك من خلال المخابرات الصينية وشركات مملوكة للدولة وشركات خاصة بشكل ظاهري، ومن خلال الباحثين وطلاب الدراسات العليا عن طريق عدة جهات تعمل لصالح الصين”.
إنه أمر معروف لدى الشركات التي تسعى جاهدة لكسر أسواق الصين الرابحة، ومن بين تلك الشركات شركة “آبل”، حيث قضت شركة الإلكترونيات الصينية “شاومي” عدة سنوات لتقليد تصميم الآيفون، حتى إن مديرها التنفيذي يقلد ستيف جوبز ويرتدي ملابس مشابهة لملابسه وينسخ عروضه التقديمية.
بالنسبة لمدير تصميمات آبل جوناثان إيف كان هذا التقليد مصدرًا لإحباطه حيث قال: “بعد أن تقضي 7 أو 8 سنوات في العمل على شيء ما تجد أنهم ينسخونه بسهولة، لقد فكرت في كل العطلات الأسبوعية التي كان من الممكن أن أقضيها من أسرتي ولم أفعل، هذه التصرفات سرقة وكسل”.
وبينما تعد شاومي مثالاً صريحًا على سرقة الشركات الصينية للابتكارات الغربية، فهناك طرق أكثر تقدمًا تستخدمها الشركات الصينية لنسخ الابتكارات الغربية.
تعتقد سيسكو أن هواوي تعيد هندسة أجهزة التوجيه الخاصة بها بشكل ممنهج، حيث تسمح تلك الممارسة لشركة الاتصالات الصينية بالاطلاع على الأعمال الداخلية لسيسكو
هناك خلاف سياسي عن شركة هواوي بشأن قربها من الحكومة الصينية، ومخاوف من استخدامها للتجسس في حال تم استخدام أجهزتها لتطوير شبكات 5G في جميع أنحاء العالم، لكن هواوي نفت تلك المزاعم.
اتخذت العديد من الدول ومن بينها الولايات المتحدة موقفًا حازمًا تجاه مشاركة هواوي في الشبكات الجديدة، لكن الدول الأخرى مثل المملكة المتحدة اتبعت طرقًا أكثر مرونة، لكن الخلاف السياسي بشأن هواوي يغفل أيضًا تاريخ الشركة في نسخ الابتكارات الغربية.
منذ 15 عامًا دخلت هواوي في نزاع قانوني مع شركة التقنية الأمريكية سيسكو بسبب زعمها أنه هواوي نسخت جزءًا من برنامج سيسكو لأجهزة التوجيه، واعترفت هواوي في النهاية أنها نسخت البرنامج وتعهدت بإزالته من منتجاتها.
تعتقد سيسكو أن هواوي تعيد هندسة أجهزة التوجيه الخاصة بها بشكل ممنهج، حيث تسمح تلك الممارسة لشركة الاتصالات الصينية بالاطلاع على الأعمال الداخلية لسيسكو والتقاط أجزاء منها لاستخدامها في منتجاتها، ورفعت سيسكو دعوى قضائية ضد هواوي لانتهاكها براءة الاختراع عام 2003 ولم تسوى القضية إلا بعد أن اعترفت هواوي باستخدام مصدر كود سيسكو.
كما اتهمت الحكومة الأمريكية موظفي هواوي بمحاولة نسخ “تابي” وهو روبوت لاختبار الهواتف الذكية قامت الشبكة الأمريكية “تي موبايل” ببنائه، وزعمت أن موظفي هواوي تمكنوا من دخول الروبوت والتقاط صور له واتهمت أحد الموظفين بإزالة أحد ذراعي الروبوت، لكن هواوي أنكرت ذلك.
لكن المخاوف بشأن التقليد الصيني للتكنولوجيا لن ينتهي بالهندسة العكسية، فشركات مثل هواوي أصبحت أكثر نجاحًا وانتشارًا في جميع أنحاء العالم وبدأت في الاستثمار بالأبحاث الأكاديمية، فقد أنفقت هواوي ملايين الجنيهات في المملكة المتحدة وحدها لتمويل أبحاث تكنولوجية مثل شبكات الهاتف المحمول، وحذر بعض الخبراء من أن تلك التبرعات تهدد بتسليم الابتكارات البريطانية للصين.
يقول مايكل ويسل مفوض لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية بين الصين والولايات المتحدة: “تستخدم الصين علاقاتها البحثية الواسعة مع الجامعات والكيانات الأخرى لمحاولة سد أي فراغات تكنولوجية، وتحاول الشركات النهوض بالمعايير الصينية حتى تصبح هواوي وغيرها من معدات المنتجات الصينية هي المعدات المفضلة لبناء الشبكات”.
تساهم طبيعة القوانين الصينية بشأن الشركات الأجنبية في نقل التكنولجيا من الشركات الغربية إلى الصين
كانت قضية تمويل هواوي لأبحاث الجامعات مسألة حساسة في كندا، وتسببت في نقاش سياسي عن مئات من براءات الاختراع التي حصلت عليها هواوي بفضل الأبحاث الكندية التي مولتها.
لم يحدث نقاش مماثل في المملكة المتحدة رغم أن جامعة أوكسفورد أوقفت جميع المنح البحثية والتبرعات المقدمة من هواوي بعد تقرير صحيفة التلغراف بشأن الدعم المالي العام الماضي، وكجزء من الممارسة المستمرة لتمويل الجامعات استنسخت العديد من الشركات الصينية لعدة سنوات برمجيات وأجهزة غربية وبيعها في الأسواق الصينية.
وفي بداية هذا الشهر تمت الموافقة على النسخة المستنسخة للعبة “Fire Emblem Heroes” الشهيرة التابعة لشركة “نينتندو” على الهواتف الذكية وأصبحت متاحة للتحميل على هواتف الآيفون والأندرويد، ويبدو أن التطبيق تمت هندسته عكسيًا مع تغيير وحيد يتمثل في ترجمة نص اللعبة للصينية المبسطة.
لقد كانت الشركات الصينية بارعة في نسخ البرمجيات وتصنيعها في المصانع الصينية، هذه المصانع تحصل على نسخة من البرمجة التكنولوجية وكذلك نسخة مبدأية من الجهاز تساعد في صنع الجهاز المستنسخ.
نشرت مجلة كوارتز تقريرًا عام 2016 قالت فيه إن أحد رواد الأعمال ابتكر علبة هاتف ذكي تتحول إلى عصا لالتقاط السيلفي وكان مصدومًا عندما وجد نسخة منها تُباع على مواقع الإنترنت الصينية بسعر أرخص.
إنها مشكلة شائعة في المصانع الصينية التي عادة ما تستخدم منتجات مقلدة يتم تصميمها بشكل مشابه قدر الإمكان للمنتح الأصلي وتباع تلك النسخ المقلدة على الإنترنت بسعر أرخص، وتساهم طبيعة القوانين الصينية بشأن الشركات الأجنبية في نقل التكنولجيا من الشركات الغربية إلى الصين.
في 2014 وجهت الحكومة الأمريكية تهمًا لـ5 من أفراد الجيش الصيني بشأن اختراق شبكات مصانع طاقة وصلب أمريكية من أجل سرقة أسرار تجارية
ذكر تقرير الكونغرس الأمريكي الصادر عن وزارة العدل في 2018 أن الصين تستخدم قيود الملكية الأجنبية مثل متطلبات المشاريع المشتركة وقيود الملكية الأجنبية والمراجعات الإدارية المختلفة وعمليات الترخيص لتضغط على نقل التكنولوجيا من شركات الولايات المتحدة”.
إن فرض إنشاء مشاريع مشتركة بالقوة يعني أن الشركات التي ترغب في العمل بالصين ستضطر لنقل المعلومات للشركات الصينية مما يثير مخاوف بشأن نسخ المنتجات، لكن هناك علامات على قرب انتهاء تلك الممارسات، فهناك قانون جديد تصيغه حكومة شي جين بينغ ومن المتوقع أن يمنح حقوقًا أكبر لشركات التقنية الأمريكية والمستثمرين.
قالت وكالة أنباء شينخوا الصينية إن قانون الاستثمار الجديد سيعزز ويحمي الاستثمارات الأجنبية ويضمن تمتع الشركات الأجنبية بالمعاملة العادلة التي ستعزز ثقتهم بالسوق الصينية.
أشار تقرير الكونغرس أيضًا إلى عملية اختراق واسعة لشبكات الحاسب من أجل الوصول لمعلومات سرية قد تكون مفيدة للشركات الصينية، ففي 2014 وجهت الحكومة الأمريكية تهمًا لـ5 من أفراد الجيش الصيني بشأن اختراق شبكات مصانع طاقة وصلب أمريكية من أجل سرقة أسرار تجارية.
تعد هجمات الاختراق بعيدة كل البُعد عن عمليات الاستنساخ المبتذلة للأجهزة، فهذه الاختراقات تظهر جهودًا متواصلة لتعزيز الشركات الصينية وذلك بحصولهم على أسرار تجارية تخضع لحراسة مشددة.
يعد الوعد بقانون جديد يمنح الشركات معاملة عادلة داخل الصين خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، لكن يجب أن لا تتوقع الشركات الغربية أن تتوقف بشكل فوري عمليات الاستنساخ والقرصنة التي استمرت لسنوات طويلة.
المصدر: تلغراف