نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرًا تكشف فيه دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إدارته باتجاه تصنيف تنظيم الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. أعد التقرير ثلاثة من كبار صحافيي الجريدة بينهم مراسلة البيت الأبيض ماجي هبرمان التي كانت جزءًا من فريق فاز عام 2018 بجائزة بوليتزر عن تقاريرهم عن مستشاري دونالد ترامب وعلاقاتهم بروسيا.
يُعد التقرير الوثيقة الأولى التي تكشف هذا التوجه الذي يدفع به ترامب من جديد، منذ وصوله للحكم وهو التوجه الذي حَمَله دونالد ترامب معه من شوارع نيويورك إلى البيت الأبيض.
قبل عام أو أقل بقليل، كانت هذه الأطروحة مثار نقاش بين الباحثين الأمريكيين المهتمين بالشرق الأوسط والتحول الديمقراطي فيه والجماعات الإسلامية، حيث كان السؤال الذي يُطرح دائمًا: هل بالفعل ما تمثله تحركات الجماعة في مسار معارضتها لسُلطة عبد الفتاح السيسي يشمل منحى عنيفًا تستحق أن تُصنف الجماعة بناءً عليه كمنظمةٍ إرهابية؟
يُحيلنا هذا السؤال إلى النقاط الأهم في هذا الموضوع وهي محاولات تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية في أمريكا وشروط تصنيف المؤسسات كمنظمات إرهابية وهل تتطابق مع واقع جماعة الإخوان المسلمين أم لا.
محاولات إدراج جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية في أمريكا ليست وليدة هذه الأيام، ففي يوليو 2014 تم تقديم مشروع قانون من أجل تصنيف التنظيم كجماعة إرهابية وفي نوفمبر 2015 قدم النائب تيد كروز مشروع قانون شبيه وفي فبراير 2016 وقف جون كيري وزير الخارجية الأمريكي آنذاك أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي معارضًا تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، واستمرت المحاولات حتى أسابيع ترامب الأولى داخل البيت الأبيض التي حاول فيها إصدار قرار تنفيذي بهذا التصنيف في بداية 2017، إلا أنه قوبل بآراء كثيرة معارضة من المؤسسات الأمريكية المحترفة في وزارتي الخارجية والدفاع.
المختلف اليوم أن ترامب لا يحظى بتأييد غرفتي الكونغرس الأمريكي الذي أضحى مجلس نوابه في يد الديمقراطيين بعد انتخابات التجديد النصفي الأخيرة، وهؤلاء من يعارضون هذا التصنيف
ثم تواصلت المحاولات حتى جلسة استماعٍ تمت في اللجنة الفرعية للأمن الوطني في مجلس النواب الأمريكي يوليو 2018 بعد تقديم مشروع قانون إلى الكونغرس في بداية عام 2017 يطلب من وزير الخارجية الأمريكي إدراج تنظيم الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية أجنبية تهدد المصالح الأمريكية، لكن لم تتمخض كل هذه المحاولات عن وضع الجماعة على هذا التصنيف، فما المُختلف اليوم؟
المختلف اليوم أن ترامب لا يحظى بتأييد غرفتي الكونغرس الأمريكي الذي أضحى مجلس نوابه في يد الديمقراطيين بعد انتخابات التجديد النصفي الأخيرة، وهؤلاء من يعارضون هذا التصنيف وسياسات ترامب بشكل عام، وبالتالي فإن الأمر سيتحول من محاولات سن قوانين إلى قرارات تنفيذية قد تصدر من وزير الخارجية أو الرئيس اللذين يدفعان رفقة مستشار الأمن القومي جون بولتون، الإدارة الأمريكية نحو هذا التصنيف، بل إن بومبيو نفسه، كان ضمن الذين تقدموا إلى الكونغرس بهذا المطلب، ناهيك عن ضغوطات أصدقاء ترامب في المنطقة المتمثلين في الإمارات والسعودية ومصر الذين يشنون حربًا ضروسًا على جماعات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط.
هذا فيما يخص المحاولات التي تجري لتقنين هذا التصنيف، فماذا عن شروطه وهل تتطابق مع واقع جماعة الإخوان المسلمين أم لا؟
حسب قانون “تسمية المنظمات الإرهابية الأجنبية” الأمريكي، فإنه لتصنيف أي جماعة/منظمة أجنبية كمنظمة إرهابية، يجب أن تنطبق عليها قواعد أساسية أهمها القيام بأنشطة إرهابية أو لديها القدرة على ذلك، وأن يكون هذا النشاط الإرهابي يهدد أمن مواطني الولايات المتحدة أو أمنها القومي.
الاتجاه الذي يسعى إليه ترامب لا ينسجم مع القانون الأمريكي، فجماعة الإخوان ليست الحرس الثوري الإيراني، وهو قرار أيديولوجي مدفوع بمصالح الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط وستكون تأثيراته كبيرة على مجتمع المسلمين الأمريكيين والمنظمات الأهلية التي يديرونها
وبعيدًا عن أن جماعة الإخوان المسلمين فكرًا وتنظيمًا تتجاوز كونها منظمةً سهلة الحصر، فإن الجماعة بأذرعها ومؤيديها حول العالم، تختلف خصائصها فيما بينها، بل إن هذه الترابطات لم تعُد قائمة اليوم كما كان في السابق، كما أن هذه الإجراءات التي تحاول الإدارة الأمريكية فرضها الآن لا يمكن حصرها في فرع الجماعة المصري دونًا عن غيره، فقد أثبتت التجربة في دولٍ عديدة، اختلافًا واضحًا بين فرع الجماعة المصري وغيره، سواء في الوطن العربي أم دول أوروبا أم آسيا أم حتى أمريكا، وبتخصيص الحديث عن الجماعة في مصر، فإنها بشكل رسمي وتنظيمي لم تُعلن نيتها عن أي أعمالِ عنيفة سواء داخل مصر أم خارجها، بل إن هناك موقفًا رسميًا أعلنه مرشد الجماعة في القاهرة في أثناء اعتصام رابعة العدوية في يوليو 2013 وهو “سلميتنا أقوى من الرصاص”، كما أن جنوح بعض المُنتسبين للجماعة نحو العنف كان جنوحًا يتوازى معه الخروج من التنظيم بالأساس ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى تكفير الجماعة وأعضائها.
وبالنسبة لامتداد الجماعة في الخارج الذي يمكن أن يتأثر سلبًا بهذا القرار أكثر من الفرع المصري، فإن أغلبها في تونس والمغرب والأردن وأوروبا وآسيا ينبذون العنف بكل أشكاله ويشاركون الحكم في بعض هذه الدول، كما أن الدول التي يمكن أن تكون داعمة لأفكار تنظيم الإخوان المسلمين بشكله الشامل، تنبذ العنف والإرهاب وتشارك في التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا مثل قطر وتركيا، والأخيرة عضو في حلف شمال الأطلسي، أقوى حلف عسكري حول العالم.
وبناءً على كل ذلك، فإن هذا الاتجاه الذي يسعى إليه ترامب لا ينسجم مع القانون الأمريكي، فجماعة الإخوان ليست الحرس الثوري الإيراني، وهو قرار أيديولوجي مدفوع بمصالح الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط وستكون تأثيراته كبيرة على مجتمع المسلمين الأمريكيين والمنظمات الأهلية التي يديرونها، وهي المنظمات التي لا تهدأ الشائعات عن ارتباطها بتنظيم الإخوان، ومن المعروف الدور الإنساني والاجتماعي التي تلعبه هذه المنظمات سواء تلك التي تعمل في أمريكا أم في غيرها من الدول الغربية وهي منظمات يتمحور نشاطها حول الدعم الإنساني والإغاثي.