تستمر قوات النظام مدعومةً بميليشيات محلية وأخرى إيرانية باستهداف المناطق المحررة في محافظة إدلب وأرياف حلب وحماة، منذ أشهر على التوالي، ففي تصعيد غير مسبوق شنّت مدفعية النظام مئات الصواريخ وقذائف المدفعية خلال اليومين الماضيين، مستهدفًة المنازل السكنية، إلى جانب البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات الهليكوبتر والطائرات الحربية الروسية، تزامنًا مع فشل مباحثات أستانة في دورتها الثانية عشر، بين مجموعة الدول الضامنة.
أما في الداخل السوري، لا تبدو تركيا قادرة على مكافحة القصف المستمر على المنطقة رغم انتشار عشرات نقاط المراقبة على خطوط التماس، وفي ظل حركة نزوح مستمرة منذ مطلع العام الحاليّ يبقى المجتمع الدولي صامتًا دون تحرك فعلي لإنهاء معاناة السوريين.
قصف عنيف يطال منطقة خفض التصعيد
تشهد أرياف محافظة إدلب الجنوبية والشرقية وأرياف محافظة حماة الشمالي قصفًا عنيفًا، مصدره قوات النظام المتمركزة قرب خطوط النار، إضافة إلى قصف جوي لمنازل المدنيين، وتابع “نون بوست” تنفيذ الطائرات الحربية لأكثر من 100 غارة، على أرياف حماة وإدلب، استخدم فيها البراميل المتفجرة لأول مرة بعد اتفاق سوتشي، وضمن هذه الغارات (30 برميل متفجر و25 صاروخًا فراغيًا و24 لغمًا بحريًا ألقتها طائرات الهليكوبتر التابعة للنظام السوري و30 صاروخ c5 c8).
وتوزع القصف بحسب متابعة “نون بوست” على عشرات البلدات والقرى، حيث استهدفت بلدة كفرنبودة بـ14 برميل متفجر و5 غارات على قلعة المضيق، وعدة غارات على كفر زيتا وجبل شحشبو، و5 أخرى على قرية الصهرية و4 براميل متفجرة على ترملا و4 على بلدة الحواش، 8 براميل على بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي، كما استهدف الطيران الحربي بالصواريخ قرى كفرناها، وبشقاتين وخان العسل بريف حلب الغربي مما أدى إلى استشهاد عائلة كاملة من مهجري محافظة حمص.
فيما استهدفت قرى أرينبة والكركات وباب الطاقة والعريمة وعابدين ودير سنبل ومديان وغزال، بغارتين لكل واحدة منهما، واستمر القصف حتى مساء الثلاثاء 30 من أبريل/نيسان، حيث استهدفت الطائرات تحركات المدنيين داخل أحياء القرى التي شملها القصف بالرشاشات الثقيلة، وتزامنًا مع القصف الجوي استمرت ميليشيات النظام باستهداف المنطقة بأكثر 200 قذيفة مدفعية وهاون، مصدرها الميليشيات الإيرانية والسورية المحلية في مناطق النظام.
وخلال 48 ساعة الماضية استهدفت الطائرات الحربية 4 مرافق صحية، وبلغت الهجمات منذ مطلع العام الحاليّ أكثر من 13 هجمة، بين قصف مدفعي وجوي، وتسبب القصف بوقوع عشرات الضحايا والجرحى من المدنيين فيما لم ترد إحصائية دقيقة نظرًا لتجدد القصف بشكل مستمر.
روسيا تلتف على اتفاق سوتشي بتهديدات قبيل القصف
تستمر التهديدات الروسية التي تستهدف محافظة إدلب شمال غرب سوريا، حيث قال وزير الخارجية الروسي خلال مؤتمر صحفي عقده الإثنين 29 من أبريل/نيسان الماضي إن بلاده لن تتسامح مع وجود الإرهابيين في إدلب ومناطق أخرى من سوريا، وأشار إلى أنه من حق دمشق ضمان سلامة مواطنيها، وأوضح أن هناك محاولات تبذل للتوصل إلى تنفيذ الاتفاق بين روسيا وتركيا بشأن حل مشكلة “جبهة النصرة” في منطقة خفض التصعيد بمحافظة إدلب السورية.
وتحاول روسيا الضغط على المدنيين للخروج من المناطق التي تستهدفها وفقًا لعمليتها الممنهجة في القصف التي تطال المدن الواقعة على الطرق الدولية، لإعادة تفعيلها وتشغيلها من جديد، محاولة عبر التغيير الديموغرافي للسكان من فرض السيطرة، فيما قال وزير الخارجية الروسي لافروف: “الحرب لم تنتهِ في سوريا، ويجب القضاء على أوكار الإرهاب، بما فيها إدلب”، على خلفية انتهاء واشنطن من ملف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، نهاية مارس/آذار الماضي.
التفت روسيا على اتفاق سوتشي المبرم بينها وبين أنقرة نهاية العام الفائت، بطريقة غير مباشرة، من خلال استمرار استهداف منازل المدنيين، دون الرجوع إلى موضوع الحل النهائي لملف المدنية، بينما تجدها في المباحثات السياسية غير مرتبطة بواقع همجية قصف طائراتها وغطائها لانتهاكات قوات النظام وميليشياته.
يبدو أن اتفاق إدلب قيد الانهيار، بعد رفض الفصائل العسكرية تسيير دوريات روسية في منطقة خفض التصعيد، إذ رفضت حكومة الإنقاذ، ذراع تحرير الشام المدني وجيش العزة تسيير دوريات روسية في مناطق خفض التصعيد، وهذا ما يوضح مسألة الضغط الروسي في القصف
وإذا اعتبرنا أن القصف يطال هيئة تحرير الشام، في محافظة إدلب وأرياف حماة، لماذا يسقط عشرات المدنيين بين جريح وقتيل يوميًا؟ ولا تقبل المحاولات الروسية على الإطلاق في تبرير قصفها محاولةً إفراغ المنطقة من سكانها الأصليين للسيطرة عليها.
ويبدو أن اتفاق إدلب قيد الانهيار، بعد رفض الفصائل العسكرية تسيير دوريات روسية في منطقة خفض التصعيد، إذ رفضت حكومة الإنقاذ، ذراع تحرير الشام المدني وجيش العزة تسيير دوريات روسية في مناطق خفض التصعيد، وهذا ما يوضح مسألة الضغط الروسي في القصف.
واشنطن تدعو موسكو لإيقاف التصعيد
دعت الولايات المتحدة الأمريكية موسكو إلى احترام التزاماتها وإنهاء التصعيد الجوي والبري على محافظة إدلب شمال غرب البلاد، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس، خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء: “يجب أن ينتهي العنف، تؤكد الولايات المتحدة مجددًا أن أي تصعيد للعنف في شمال غرب سوريا سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة”.
وأضافت: “ندعو جميع الأطراف وبينهم روسيا والنظام السوري إلى احترام التزاماتهم بتجنب شن هجمات عسكرية واسعة والعودة إلى خفض تصعيد العنف في المنطقة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عائق لمواجهة الكارثة الإنسانية التي تسبب بها العنف المستمر”.
لا تبدو واشنطن راضية بالفعل عما يحدث في إدلب، لكنها بشكل ما تحاول تمييع الموضوع أكثر، في إنهاء مسألة الشمال السوري، منتظرةً تحقيق الأهداف الروسية في إعادة السيطرة على مدينة إدلب والأرياف المحيطة لها لصالح النظام وميليشياته، ولا توجد مبررات كافية تقنع السوريين في ظل صمت المجتمع الدولي.
الائتلاف المعارض: روسيا والنظام لا يلتزمان بالاتفاق والمجتمع الدولي غير صارم في قراراته
من جانبه قال الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، خلال تصريح صحفي نشره على صفحته الرسمية في فيسبوك: “الحملة التي يقودها النظام بمساندة روسيا، هي في حقيقتها عملية تهجير جماعي”، وأضاف “القصف أجبر كامل أهالي بلدة كفرنبودة على النزوح، بالإضافة إلى آلاف من سكان قلعة المضيق وبلدات أخرى، ما تسبب في حركة نزوح كبيرة باتجاه الشمال”.
كما طالب الائتلاف الوطني المعارض المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لمنع تفاقم هذا الوضع، والعمل على فرض ضغوط فورية لوقف هذه الحملة الإجرامية التي تستهدف المدنيين في المقام الأول، وتسعى لإفراغ المنطقة منهم. وأكد الائتلاف ضرورة تحرّك الأطراف الفاعلة لإنقاذ المدنيين وخاصة النساء والأطفال في إدلب وحماة، ووقف حملة القصف والتهجير الجماعي الجارية الآن على الأرض، ومنع سقوط المزيد من الشهداء.
وننوّه إلى أن الهجمة التي بدأت أمس هي استمرار لهجمات متوالية تكاد لا تتوقف على إدلب وحماة، في خرق للاتفاق المتعلق بالمنطقة وانتهاك لميثاق جنيف، في ظل غياب كامل للمجتمع الدولي وفشل في تحمل المسؤوليات تجاه حفظ سلامة وأمن المدنيين في الشمال السوري.
وأدى القصف العنيف منذ فبراير/شباط الماضي إلى نزوح أكثر من 294960 نسمة حتى الآن، جراء استمرار الأعمال العسكرية العدائية من قوات النظام السوري وروسيا على شمال سوريا، بحسب ما وثق منسقو الاستجابة في بيان نشر على صفحتهم الرسمية في فيسبوك الإثنين 29 من أبريل/نيسان. حيث أبدى الفريق مخاوفه من ارتفاع أعداد النازحين من المنطقة نتيجة استمرار العمليات العسكرية شمال غربي سوريا بشكل عام، والمنطقة منزوعة السلاح بشكل خاص.
يخيم الخوف على السكان من المصير المجهول الذي ينتظرهم، وإلى الجانب السياسي من ملف اتفاق إدلب لا تجد ارتباطًا وثيقًا بين واقع المحافظة المنكوب ومباحثات الدول الضامنة التي ترعى الاتفاق، الذي لم يجنب المنطقة شبح الموت والنزوح والتهجير.