ترجمة وتحرير: نون بوست
إلى أين تذهب عندما ترغب في الهروب من المراقبة، أو بالأحرى عندما تريد التوقف عن الشعور بأنك عرضة للتنصت من خلال الميكروفونات، أو التعرض للمراقبة من خلال الكاميرات، أو من خلال الأشباح الإلكترونيّة المخفيّة داخل الأجهزة؟ من المرجح أن هذه الكاميرات موجودة داخل سيارتك أو منزلك أو حتى داخل غرفة نومك.
بالنسبة لبعض القراء، فقد تَقلّص حيز الحريّة الشخصيّة في شباط/ فبراير عندما كشفت غوغل أنها قد “نسيت” إعلام مستخدمي جهاز المراقبة الأمنيّة “ناست سيكيور” أن هذا الجهاز مزوّد بميكروفون مدمج. وقد تفاقم هذا الوضع على إثر تداول أخبار جديدة تفيد بأن “أمازون أليكسا” خضعت للبرمجة من قبل أشخاص استمعوا إلى بعض التسجيلات الصوتيّة من منازل المستخدمين ومكاتبهم دون علمهم.
من المنصف أن لا نفترض أن أيا من المستخدمين على دراية بأن الأجهزة المنزليّة المتطوّرة تراقبهم، فكل من أمازون وأبل وغوغل ومايكروسوفت وسامسونغ توظف أشخاصا لمراجعة التسجيلات الصوتيّة التي تقدّمها هذه الأجهزة. وقد أصدرت مايكروسوفت تقريرا جديدا كشف أن 4 من أصل 10 من مستخدمي أجهزة المساعدة الرقميّة الصوتيّة يعتريهم القلق بشأن سريّة وأمن هذه الأجهزة. في المقابل، يتّضح أن الأشخاص الذين يستعملون هذه الميكروفونات داخل منازلهم لا يدركون أنها تُستغلّ من قبل بعض الشركات لأغراض مختلفة.
مما لا يثير الدهشة، أن العديد من المستخدمين لم تعجبهم حقيقة أن الجهاز الذي لطالما أطلقوا العديد من النكات حول تجسسه عليهم يبدو أنه يتجسس عليهم بالفعل
وفقا للمعلومات الواردة من طرف أعضاء فريق برمجة “أمازون أليكسا”، الذين رفضوا الكشف عن هوّيتهم، فإن هذا الفريق يستمع إلى “قرابة ألف مقطع صوتي خلال كل مناوبة عمل”، و”يستخدمون غرفة الدردشة الداخليّة للاطلاع على بعض الملفات من أجل تحديد كلمة لم يفهموها أو الاستماع إلى تسجيل مسلٍ”. وفي المقابل، أفاد متحدّث باسم شركة أمازون: “لدينا ضمانات تقنية وتشغيلية صارمة، ونعتمد سياسة عدم التسامح المطلق مع إساءة استخدام نظامنا. ولا يمكن للموظفين الاطلاع مباشرة على المعلومات التي يمكن أن تحدد هوية الشخص أو حسابه كجزء من سير العمل”.
مما لا يثير الدهشة، أن العديد من المستخدمين لم تعجبهم حقيقة أن الجهاز الذي لطالما أطلقوا العديد من النكات حول تجسسه عليهم يبدو أنه يتجسس عليهم بالفعل. وأوردت أمازون أن الجهاز لا يبدأ عمليّة التنصّت إلى عند اشتغاله، ومع ذلك، ينتاب المستخدمين شعورٌ سيء حول تعرّض خصوصيّتهم للاختراق وأن هناك شخصا ما يستمع إلى أحاديثهم وربما يسخر منهم، ولكنّه قد يكون خير عون في الحالات الطارئة.
علاوة على ذلك، تعتبر مراقبة المحادثات سيفا ذو حدّين من شأنه أن يسبب الأذى أو يقدّم المساعدة. وفي هذه الحالة، يتمثّل الصراع العاطفي في حقيقة أنّنا إما أدخلنا هذه الأجهزة طوعا إلى منازلنا أو حصلنا عليها كهدايا ونحن على دراية كبرى بما يعنيه وجود ميكروفون في المنزل.
لكن هذا الأمر بدأ يزداد سوءا. فخلال هذا الأسبوع، أفادت المتابعة التي تتعلّق بالتقرير الذي ركّز على المساعد الرقميّ “أليكسا”، بأن: “الفريق الذي يعنى بتدقيق أوامر مستخدمي “أليكسا” لديه حق الاطلاع على بيانات المواقع، ويمكنه في بعض الحالات العثور بسهولة على عنوان منزل العميل، وذلك وفقًا لما ذكره خمسة موظفين على دراية بالبرنامج”.
قدّمت أمازون بيانا خلال فترة قصيرة، كما أفادت لموقع بلومبرغ بأن “البيانات الداخلية خاضعة لرقابة عالية، ويستطيع عدد محدود من الموظفين الاطلاع عليها، لأنهم يحتاجون إلى هذه الأدوات للتدريب وتحسين الخدمة من خلال دراسة عينة صغيرة للغاية من المحادثات
إلى جانب ذلك، ادّعى التقرير أنه “في عرض توضيحي قدّمته بلومبرغ، أدخل أحد أعضاء فريق أمازون إحداثيات المستخدم المخزنة في النظام على خَطي الطول والعرض، ضمن خرائط غوغل. وفي أقل من دقيقة، انتقل الموظف من تسجيل أوامر “أليكسا” الخاصة بالمستخدم إلى ما يبدو أنه صورة لمنزلهم وعنوانهم”.
ردًا على ما سبق، قدّمت أمازون بيانا خلال فترة قصيرة، كما أفادت لموقع بلومبرغ بأن “البيانات الداخلية خاضعة لرقابة عالية، ويستطيع عدد محدود من الموظفين الاطلاع عليها، لأنهم يحتاجون إلى هذه الأدوات للتدريب وتحسين الخدمة من خلال دراسة عينة صغيرة للغاية من المحادثات. وتُحظر سياساتنا بشكل صارم اطلاع الموظف على بيانات العميل أو استخدامها لأي سبب كان، كما أننا نعتمد سياسة عدم التسامح المطلق مع إساءة استخدام أنظمتنا. ونحن نراجع بانتظام نفاذ الموظف إلى البيانات الداخلية ونمنعهم من ذلك كلما كان ممكنًا”.
من المرجّح أن أي شخص ذكي بما فيه الكفاية لاستخدام مساعد رقمي صوتي سيعلم أن هذا النوع من التجسّس ممكن حقا. وفي الواقع، إنه مجرّد ميكروفون عليهم برمجته بطريقة أو بأخرى، وجميع تلك البيانات بما في ذلك عنوانك تعتبر جزءا من حسابك.
أصبحت رأسمالية البيانات والمراقبة صناعة بقيمة مليارات الدولارات، تقوم على مبدأ “خذ أولاً، واطلب الإذن لاحقًا” في التعاقد مع المستهلكين
أنا أصدّق أمازون عندما تصرّح بأنها ستضاعف طريقة تحكمها وتأمينها للبيانات، وأنها تراجع بانتظام حسابات العاملين فيها، وتشدّد على أهميّة اتباع سياسة الشركة. فعلى سبيل المثال، نستطيع مقارنة سجل الخرقات التي تعرّضت لها أمازون مقابل البيانات الأخرى ورأسمالية المراقبة؛ إذ حصل خرق في سنة 2018 ترتّب عنه كشف بعض الأسماء وعناوين البريد الإلكتروني، وإعادة ضبط كلمة المرور لعدّة حسابات في سنة 2015.
في الواقع، إنني غير مستعدّ لتصديق أي بيان يخصّ النظام الداخلي لأي شركة تكنولوجيا بعد اعتماد فيسبوك على مدار السنوات العشر الماضية العذر الذي يفيد بأن هذه الأخطاء “معارضة لنظامها الداخلي” لتجنب أي نوع من المساءلة. لقد تعرّضنا جميعًا للتحيّل من قبل تجّار البيانات وتدخلاتهم، الذين يطلبون منا أن نثق بأن قوانين هذه الشركات سوف تحمينا.
لقد أصبحت رأسمالية البيانات والمراقبة صناعة بقيمة مليارات الدولارات، تقوم على مبدأ “خذ أولاً، واطلب الإذن لاحقًا” في التعاقد مع المستهلكين. علاوة على ذلك، هناك شيء آخر لا يمكننا الوثوق به وإعطاءه القوة وتمكينه من الاطلاع على حياتنا: ألا وهو الناس.
يعزى الخوف من إساءة استخدام أحد الأشخاص للمساعد الرقمي “أليكسا” أو “سيري” إلى حدوث سابقة من هذا النوع. ففي السنة الماضية، قُبض على موظف يعمل في فيسبوك وطرد لاستغلاله المعلومات التي تحصّل عليها من الشركة لتعقّب النساء (وهو ما وصفته فيسبوك بأنه مخالف للقواعد).
بعد أن تصدّر هذا الخبر العناوين الرئيسية، صرّح بعض العاملين الآخرين في فيسبوك بأن “العديد من الأشخاص قد طردوا بسبب إساءة استغلال بيانات المستخدمين، بما في ذلك تعقّب شركائهم السابقين”. كما واجهت غوغل المشاكل ذاتها، وانتشر خبر استغلال موظفي أوبر لبيانات عملائهم لغاية تعقّبهم منذ زمن بعيد.
أعتقد أننا تأقلمنا جميعًا مع التمشي الحالي للأحداث، نظرا لوسائل الراحة الرائعة والمفيدة التي تقدّمها هذه الابتكارات في مجال الخيال العلمي التي من شأنها أن تنقذ بعض الأرواح. وبصفة عمليّة، يمكننا ضبط ساعاتنا الذكية لتعلمنا في حال صدور تقارير عن انتهاكات الخصوصية والفظائع الأمنية من الشركات التي تصنعها.
تؤدي هذه المراقبة إلى آثار نفسية شبيهة بالاضطرابات العقلية مثل الاكتئاب، ويمكن أن تتسبب في حدوث أعراض مشابهة لاضطرابات ما بعد الصدمة
في مقابلة حول حياتنا المُراقبة، أورد المختص في علم النفس السريري بروك تشيشولم أن “رد فعل قطاع الصحة العقلية مشابه لردّ فعل المجتمع ككل، الذي يتمثّل في أننا تخليّنا عن محاولة حماية أنفسنا”. ولكن يبدو أن مجتمع الصحة العقلية سيستثمر بشكل خاص في تحديد الآثار المترتّبة عن المراقبة التقنية والدفاع عن النفس. وأضاف تشيشولم أن “تأثير هذه الطرق المختلفة للمراقبة على أي واحد منا يعتمد على أمرين: مدى إدراكنا لتعرّضنا للمراقبة، وما نعتقد أنه الدافع وراء هذه المراقبة”.
تؤدي هذه المراقبة إلى آثار نفسية شبيهة بالاضطرابات العقلية مثل الاكتئاب، ويمكن أن تتسبب في حدوث أعراض مشابهة لاضطرابات ما بعد الصدمة. وبشكل أساسي، تنشأ هذه الاضطرابات عندما تفكر في أسوأ نتائج تعرضك للمراقبة طوال الوقت. وقد سبق لي الإبلاغ عن القرصنة والحالات المتعلقة بأمن المعلومات لأكثر من 10 سنوات، كما ركزت على رؤية الأمور من منظور قراصنة الإنترنت والأشخاص المسؤولين عن هذه الهجمات، فضلًا عن الأشخاص الأكثر عرضة للخطر والأقل حماية بالمقارنة مع الآخرين.
لقد تعلمتُ الكثير، ولعل أكثر ما تعلمتُه أن ما يساهم في دفع الناس للشعور بالوحدة هو مفهوم الشركات عن المجتمع، في حين يتعلق السبب الثاني لهذا الشعور بتذكرنا لأننا دائما تحت المراقبة، فالمنطق يسود في نهاية المطاف. أنا لا أمتلك مساعدًا رقميا في شقتي المؤجرة التي بُنِيت وفق النمط المعماري الإدواردي القديم في مدينة سان فرانسيسكو. وتعتبر المدينة المحيطة بي مشبعة بالمال والوعود اللامعة للتكنولوجيا، لكنني قلقة بشأن حرياتي وصحتي العقلية وأصدقائي. لقد اعتدتُ تغطية جميع الكاميرات وعدم توصيلها بالميكروفونات، ولا أثق بأي شيء أو شخص حتى يستحقوا ثقتي التي أمنحها إياهم.
المصدر: إنغادجيت