تتسارع في الجزائر وتيرة التحقيق مع مسؤولين ورجال أعمال معروفين صنعوا نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، غير أن حملة محاسبة المفسدين لم تطل حتى الآن ما أصبح يسمى “رأس العصابة” الذي يطلق على سعيد، الشقيق الأصغر للرئيس الذي أطاح به حراك 22 من فبراير، فما الذي يمنع ذلك رغم وجود عدة وقائع تدين الرجل الذي كان وراء جعل مؤسسات الدولة ملكية خاصة؟
يوم الثلاثاء الماضي، عند قدوم الوزير الأول السابق أحمد أويحيى إلى محكمة سيدي أمحمد في العاصمة الجزائر للتحقيق معه في قضايا تتعلق بتبديد المال العام ومنح امتيازات غير مشروعة، تعالت أصوات المواطنين المحتجين قبالة المحكمة المطالبة بسجن أويحيى ومحاكمة سعيد بوتفليقة.
دون محاسبة
وغير بعيد عن محكمة سيدي أمحمد، نظم الطلبة مسيرة في ساحة البريد المركزي وسط العاصمة الجزائر تدعو لمحاكمة المفسدين وفي مقدمتهم سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق المتهم بأنه “القوى غير الدستورية” التي كانت تحكم البلاد خلال الولاية الرابعة لشقيقه الرئيس.
رغم رحيل نظام بوتفليقة، فإن عائلته لم تحاسب حتى اليوم مثلما طالب الحراك الشعبي، فأخوه ناصر لا يزال يشغل منصب أمين عام وزارة التكوين المهني
ورغم الاتهامات الكبيرة التي وجهت للسعيد بوتفليقة من قيادة الجيش بعقد اجتماع سري مع رئيس المخابرات السابق الفريق محمد مدين ومسؤولين فرنسيين لإجهاض الحراك الشعبي لم يتم حتى اللحظة استدعاؤه من القضاء، ما جعل البعض يصف المحاكمات بـ”الشكلية”، وهو وصف قد يبدو منطقيًا لأن البلاد ما زالت تعيش الولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة حتى إن رحل، لأن رموزه وما خطط له ما زال ساريًا على أرض الواقع، حسب ما يعتقده رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور.
ورغم رحيل نظام بوتفليقة، فإن عائلته لم تحاسب حتى اليوم مثلما طالب الحراك الشعبي، فأخوه ناصر لا يزال يشغل منصب أمين عام وزارة التكوين المهني، أما سعيد فاكتفى رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح بإنهاء مهامه من منصب مستشار برئاسة الجمهورية.
وما مس العائلة الرئاسية لحد الآن، وفق ما نقلته الصحافة هو إخراجها من الإقامة الرئاسية في زرالدة غرب العاصمة الجزائر، لتستقر العائلة الممنوعة من السفر حسب المعلومات الشحيحة بشأنها في منزلها الأسري بالأبيار في عاصمة البلاد.
سعيد بوتفليقة كان يرغب بعد انطلاق الحراك الشعبي في إقالة قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الذي وقف ضده، إضافة إلى فرض حالة الطوارئ لضمان فوز شقيقه
وحسب شهادات من حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي الحاكمين، فإن سعيد بوتفليقة متهم بالسطو على السلطة الرئاسية التي أعطاها الدستور لأخيه، خاصة بعد مرضه في أبريل/نيسان 2013.
وتحدثت الصحافة الجزائرية في أكثر من مرة عن علاقة سعيد بالكارتل المالي المتهم اليوم بالفساد، الذي هو اليوم محل تحقيق وأهم رجالاته رجل الأعمال علي حداد والأخوة كونيناف المقربين من شقيق الرئيس السابق.
ووفق تصريح وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، فإن السعيد بوتفليقة كان يرغب بعد انطلاق الحراك الشعبي في إقالة قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الذي وقف ضده، إضافة إلى فرض حالة الطوارئ لضمان فوز شقيقه المريض بولاية رئاسية خامسة.
وربما ما تم ذكره سابقًا مجرد قطرة في بحر ملفات ثقيلة يكون شقيق الرئيس السابق متورطًا فيها، الذي يبقى إلى اليوم دون محاسبة ودون التحقيق معه رغم أنه يأتي في مقدمة من طالب الجزائريون برحيلهم وبمحاسبتهم، مطلب لم يتحقق حتى الآن ما فتح باب التشكيك في جدية المحاكمات التي تتم هذه الأيام.
الشعب حتى إن أيد هذه المحاكمات لرموز فساد نظام الرئيس بوتفليقة، يبقى يتطلع أن تكون هذه الحملة مجرد بداية لحملة يكون أهم قطافها محاسبة رأس القوى غير الدستورية المتمثلة في سعيد بوتفليقة
بالتدريج
لكن المتمعن في طبيعة النظام الجزائري ونظام بوتفليقة الذي نخر جميع مؤسسات الدولة طيلة 20 عامًا وزرع عناصره في كل الهيئات قد يتفهم أن قطف رأس “العصابة” ليس بالأمر اليسير، ويحتاج إلى كثير من الصبر والعمل التدريجي، بالنظر إلى أن النظام السابق لا يزال موجودًا في مختلف الهيئات والإدارات الحكومية المختلفة، لذلك وجب في البداية إضعاف المحاطين به عبر الطرق القانونية.
والمتتبع لعمل الجهات القضائية يلاحظ أنها تسير في هذا الإطار، فقد كانت البداية بعلي حداد، وبعدها مس سيف القضاء الأخوة كوننياف، فالوزير الأول السابق أحمد أويحيى ومحمد لوكال وزير المالية الحاليّ والمحافظ السابق للبنك المركزي الذي قد يتهم بسماحه باستفادة عدد من رجال الأعمال والمسؤولين من قروض وامتيازات دون وجه حق.
وطالت التحقيقات أيضًا مدير الشرطة الأسبق اللواء عبد الغني هامل المتهم بنهب العقار واستغلال النفوذ، وكذا تهمة علاقته وابنه بقضية تهريب 701 كيلوغرام من الكوكايين إلى الجزائر، كما عادت المحكمة العليا لتفتح من جديد ملف وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل في ملفات تتعلق بقانون الصرف وحركة الأموال من وإلى الخارج، وهو الذي أخرج اسمه من قضيتي سوناطراك 1 و2 مثل الشعرة من العجينة خلال حكم بوتفليقة.
لكن الشعب حتى إن أيد هذه المحاكمات لرموز فساد نظام الرئيس بوتفليقة، يبقى يتطلع أن تكون هذه الحملة مجرد بداية لحملة يكون أهم قطافها محاسبة رأس القوى غير الدستورية المتمثلة في سعيد بوتفليقة.
يفهم من كلام قائد الجيش أن عملية التحقيق مع رموز الفساد لا تزال في بدايتها، والجيش في حاجة إلى مزيد من الوقت يسمح بملاحقة من نهبوا أموال الشعب
ورقة الحسم
رغم نفي وزارة الدفاع أن يكون تحرك قطاع العدالة لمحاسبة المفسدين جاء بأمر من رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، يبقى الأخير وحده فقط من يملك تسريع عملية المحاكمة حتى إن بقي متشبثًا بالمسار الدستوري لملاحقة شقيق الرئيس.
قال قايد صالح: “وبخصوص محاسبة كل من تورط في نهب المال العام وتبديد خيرات البلاد، التي تعد من أهم المطالب التي رفعها الشعب الجزائري بإلحاح، منذ انطلاق مسيراته السلمية، أودّ أن أشير إلى أن مصالح وزارة الدفاع الوطني تحوز على معلومات مؤكدة عن عدة ملفات فساد ثقيلة، اطلعت عليها شخصيًا، تكشف نهب الأموال العامة بأرقام ومبالغ خيالية، وانطلاقًا من حرصنا الشديد على حماية الاقتصاد الوطني، فقد تولت مصالح الأمن وضع هذه الملفات تحت تصرف العدالة، لدراستها والتحقيق بشأنها ومتابعة كل المتورطين فيها”.
ويفهم من كلام قائد الجيش أن عملية التحقيق مع رموز الفساد لا تزال في بدايتها، والجيش في حاجة إلى مزيد من الوقت يسمح بملاحقة من نهبوا أموال الشعب ودون تدخل المؤسسة العسكرية لرأب أي تأويل قد يصب في خانة إدخال الجيش في معارك ضيقة وغير مجدية.
إشهار سيف العدالة في وجه سعيد بوتفليقة سيكون عاجلاً أم آجلاً، واستدعاءه للتحقيق أصبح أمرًا واقعًا ومسألة وقت فقط
لكن هذا لا يعني أنه سيعتمد سياسة حوار الطرشان، حيث يؤكد أن “قيادة الجيش قدمت الضمانات الكافية وتعهدت بمرافقة جهاز العدالة في أداء مهامها النبيلة والحساسة، بعد أن تحررت من كل القيود والضغوطات والإملاءات، بعيدًا عن الانتقائية والظرفية ودون استثناء أي ملف، وبعيدًا عن أي ظلم أو تصفية حسابات، كما نؤكد ضرورة تفادي التأخر في معالجة هذه الملفات، بحجة إعادة النظر في الإجراءات القانونية التي تتطلب وقتًا أطول، مما قد يتسبب في إفلات الفاسدين من العقاب”.
وأشار رئيس الأركان “إلى أن هذه العملية ما زالت في بداياتها وسيتم، إن شاء الله، تطهير بلادنا نهائيًا من الفساد والمفسدين، ونحن في الجيش لم ولن نسكت عن الفساد، بل قدمنا المثال وكنا سباقين في محاربته من خلال إحالة إطارات عسكرية سامية على القضاء العسكري، متمثلين في القادة السابقين للنواحي العسكرية الأولى والثانية والرابعة والدرك الوطني والمدير السابق للمصالح المالية، الذين تأكد تورطهم في قضايا فساد بالأدلة الثابتة”.
ومن كلام قائد الأركان يظهر أن حملة ملاحقة المفسدين لن تكون بالسهل المعتاد، فعلى ما يبدو أنها لن تبقي ولن تذر أحدًا ممن استفادوا من نظام الرئيس السابق، ومن ثم فإن إشهار سيف العدالة في وجه سعيد بوتفليقة سيكون عاجلاً أم آجلاً، واستدعاءه للتحقيق أصبح أمرًا واقعًا ومسألة وقت فقط، على الأقل، هذا ما يأمله المتظاهرون.