ترجمة حفصة جودة
قبل عام 1992 لم يكن مسموحًا للأسرى السياسيين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي بالحصول على غلاية كهربائية أو صفيحة تسخين داخل الزنزانة للحصول على الماء المغلي من أجل القهوة والشاي.
انضم الآلاف إلى إضراب عن الطعام 15 يومًا في ذلك العام لتحقيق هذا المطلب، وهو تكتيك يطبقه الأسرى منذ عام 1967 لكسب تنازلات والحصول على ظروف اعتقال أفضل من سلطات السجن.
خلف كل أداة يستخدمها الأسرى في الزنازين وخلف كل حق حصلوا عليه، هناك قصة للإضراب عن الطعام، ويتضمن ذلك الملابس التي يرتدونها والكتب التي يقرأونها والورق وأدوات الكتابة والصور العائلية التي يحتفظون بها والأسرّة والمراتب اللينة التي ينامون عليها.
استمر الإضراب الأخير للأسرى 7 أيام وانتهى يوم 15 من أبريل 2019، بعد أن وافقت إدارة السجن الإسرائيلية على تثبيت هواتف أرضية داخل السجن وإطلاق سراح المحتجزين داخل زنازين انفرادية.
هناك أكثر من 25 إضرابًا عن الطعام منذ حرب 1967 عندما احتلت “إسرائيل” الضفة الغربية وغزة، يشكّل السجن خطرًا على الفلسطينيين فقد قدرّ معهد الدراسات الفلسطينية عام 2014 أن نحو 80% من الذكور البالغين في الضفة الغربية وقطاع غزة تعرضوا لشكل من أشكال الاحتجاز في سجون “إسرائيل” منذ عام 1967.
تقول جماعات حقوق الإنسان إن احتجاز “إسرائيل” لأسرى فلسطينيين في المناطق المحتلة بسجون داخل “إسرائيل” يشكل خرقًا للقانون الدولي، وقد تم شهر فبراير حصر عدد الأسرى وهم نحو 5700 أسير في سجون الاحتلال من بينهم 48 امرأةً و230 طفلاً حسب تقديرات جمعية الضمير لحقوق الأسرى، وهناك 500 سجين فلسطيني محتجزون رهن الاعتقال الإداري دون أي تهمة.
هذا التكتيك يشكل خطرًا كبيرًا وأدى إلى وفاة بعض السجناء في بعض الحالات مثل إضراب 1980 في سجن نفحة
يرى الأسرى في إضراب الطعام أن أجسادهم هي الأداة الوحيدة التي يملكونها في نضالهم ضد سلطات السجن، فهم يرفضون تمامًا تناول أي طعام أو شراب سوى كمية صغيرة من المياه المالحة كل يوم للحفاظ على معدتهم وأعضائهم الداخلية، لكن هذا التكتيك يشكل خطرًا كبيرًا وقد أدى إلى وفاة بعض السجناء في بعض الحالات مثل إضراب 1980 في سجن نفحة، فسلطات السجن تستجيب أحيانًا بالترهيب والهجوم والإطعام القسري.
إليكم تفاصيل بعض الإضرابات وفقًا لشهادات أسرى سابقين لنقدم صورة عامة عن مطالب إضرابات الطعام وكيف تغيّرت أحوال الأسرى داخل الزنازين وبين جدران السجن بمرور الوقت نتيجة تلك الإضرابات.
1968: حظر الضرب الروتيني
كان هذا الإضراب هو أول إضراب يقوم به الأسرى في سجن نابلس بالضفة الغربية، كانت “إسرائيل” قد احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة في يونيو 1967 وفرضت الحكم العسكري على المدن والقرى التي تسيطر عليها.
بُني سجن نابلس عام 1876 بواسطة السلطات العثمانية، ودامت مدة الإضراب 3 أيام فقط طالب فيها الأسرى بوقف السجانين الإسرائيليين لعادة ضرب الأسرى بشكل مستمر وروتيني في أثناء ذهابهم لاستخدام مرافق السجن مثل المطبخ والحمام.
1968: أقلام بلا أوراق
في 28 من فبراير 1968 بدأ الأسرى إضرابًا عن الطعام استمر 8 أيام في سجن الرملة جنوب تل أبيب وفي سجن كفار يونا شمال تل أبيب، كان للأسرى عدة مطالب لم تتحقق جميعًا، فقد أصرّوا على حقهم في رفض مناداة حراس السجن بكلمة “سيدي” وفي النهاية تم إلغاء تلك الممارسة في كلا السجنين.
سمح سجن الرملة وسجن كفار يونا بحصول الأسرى على أقلام وكان يتم تهريبها سابقًا، لكن الأمر استغرق 8 سنوات قبل أن يتمكن الأسرى من الحصول على أوراق للكتابة.
فلسطينيون يحملون صورًا لأقاربهم المعتقلين في سجون الاحتلال ويطالبون بالإفراج عنهم
كان الورق الوحيد الذي يملكه الأسرى هو ورق الزبدة، فقد كان يغسلونه جيدًا بعد تناول الزبدة ويكتبون عليه باستخدام القلم أو حجر حاد ثم يقومون بتهريبه خارج السجن من خلال طيه جيدًا على شكل كبسولة ليقوم بابتلاعه أحد الزوار أو أحد السجناء الذي سيطلق سراحهم.
1970: المنتجات الصحية للنساء
في يوم 28 من أبريل 1970 أضربت الأسيرات الفلسطينيات في سجن نيفي تيرتزا وهو سجن إسرائيلي للنساء جنوب تل أبيب؛ عن الطعام لمدة 9 أيام، كانت مطالبهم شبيهة بأقرانهم الرجال، مثل التوقف عن الضرب في أثناء ذهابهم لاستخدام المرافق ووقف الحبس الإنفرادي، كما حققوا أيضًا تمديد وقت التريّض المسموح لهم به خارج الزنازين، وسُمح بدخول المنتجات الصحية التي يوفرها لهم الصليب الأحمر، كما تمكنوا من استبدال مصراع النوافذ المعدنية على الأبواب بأخرى شبكية مما يسمح بدخول الهواء.
1976: مراتب السرير والماوية
كان هذا الإضراب الذي استمر 45 يومًا هو الأطول منذ بداية الاحتلال، وقد حدث داخل سجن عسقلان في مدينة عسقلان جنوب تل أبيب، كان إضرابًا شديًا ومؤلمًا ومرهقًا جسديًا ونفسيًا لمن شاركوا فيه، لكن مع تمديد إضرابهم من عدة أيام إلى أكثر من 6 أسابيع تمكن الأسرى من تحقيق العديد من التحسينات طويلة المدى في ظروف اعتقالهم.
لأول مرة تمكن الأسرى من الحصول على الأدوات الكتابية ومن بينها الأوراق والدفاتر وبعض الكتب السياسية تتراوح ما بين نصوص من القومية الفلسطينية والماوية الماركسية الشيوعية، كما أصبحوا مسؤولين عن مكتبة السجن، وأصبح بإمكانهم الكتابة إلى أقاربهم بالتنسيق مع الصليب الأحمر الذي سيرسل الرسائل إلى ذويهم.
توفى راسم حلاوة وإسحاق مراغة وعلي الجعفري في أثناء محاولة حراس السجن إطعامهم قسرًا باستخدام أنبوب حاد يتم إدخاله من الأنف ويُدفع به داخل المعدة
قبل الإضراب كان الأسرى في سجن عسقلان ينامون على فراش مطاطي رفيع مفروض تحت غطاء خفيف، وكانوا ينامون على هذا الفراش على الأرض وفي أثناء النهار كان ممنوعًا استخدام الفراش ويجب عليهم الجلوس على الأرض ومن يجلس على الفراش يتعرض للعقاب.
ونتيجة للإضراب حصل الأسرى على مراتب إسفنجية، كما طالبوا بتحسين جودة وكمية الطعام الذي يقوم بطهيه سجناء جنائيين إسرائيليين، كانت قائمة الإفطار تحتوي على شريحة خبز يوناني واحدة لكل 8 سجناء وثمرة طماطم لكل 4 وحبة ويتزن واحدة لكن سجين، أما الغداء فكان طبق أرز لكن اثنين من السجناء ووعاء من الحساء وقطعة لحم أو سمك صغيرة، وكان كل سجين يملك طبقين وفنجان.
1980: السماح بالأسرة لأول مرة
توفى 3 أسرى في إضراب سجن نفحا الذي بدأ 14 من يوليو 1980 واستمر لمدة 33 يومًا، فقد توفى راسم حلاوة وإسحاق مراغة وعلي الجعفري أثناء محاولة حراس السجن لإطعامهم قسرًا باستخدام أنبوب حاد يتم إدخاله من الأنف ويُدفع به داخل المعدة.
بُني سجن نفحا في مايون 1980 في صحراء النقب لعزل القادة السياسين الفلسطينيين وحبسهم في مكان واحد لإضعاف معنويات الأسرى، وعند افتتاحه كانت سعة السجن 100 سجين.
كانت ظروف هذا السجن الصحراوي سيئة للغاية، فالرمال والحصى يختلطون بالطعام، والزنازين مزدحمة وتفتقر للتهوية المناسبة، ولم يكن السجناء يملكون أدوات كتابية أو يُسمح لهم بالخروج سوى ساعة واحدة في اليوم لساحة السجن.
سجناء فلسطينيون في إحدى زنازين سجن عسقلان
لم يكن مسموحًا لأكثر من سجينين بالسير معًا في ساحة السجن ويجب عليهم وضع أيديهم خلف ظهورهم وعدم النظر إلى أعلى، كانت إدارة السجن تأخذ بعض الأسرى المضربين عن الطعام إلى سجن الرملة وتقوم بإطعامهم قسرًا مما أدى إلى وفاة بعضهم على الفور.
لكن الإضراب حقق مطالبه، فقد سمحوا بالأسرة لأول مرة في سجن نفحا ثم السجون الأخرى تدريجيًا، وتم توسيع مساحة الزنازين واستبدال مصراع النافذة المعدني بآخر شبكي، والسماح بدخول الصور العائلية وأدوات الكتابة.
1984: الملابس الداخلية والتلفاز
في سبتمبر 1984 بدأ الأسرى الفلسطينيون إضرابًا عن الطعام في سجن الجنيد بنابلس ودام لمدة 13 يومًا، ويعد الإضراب نقطة تحول في الحملة من أجل ظروف معيشية أفضل داخل السجون.
زار حاييم بارليف وزير الشرطة الإسرائيلية سجن الجنيد وتحدث مع السجناء، وتخطى بارليف كل حدود أسلافه حيث سمح بالتلفاز والراديو والملابس المدنية والدواء وطعام أفضل للسجناء، فقبل ذلك كان السجناء يرتدون ملابس السجناء السابقين ويصنعون الملابس الداخلية من ملاءات وأغطية الأسرة القديمة.
وفي النهاية، سُمح بدخول ملابس النوم “البيجاما” ومكبرات الصوت وشرائط التسجيل، وتم زيادة مبلغ المال المسموح للسجين بإنفاقه في المقصف.
1992: الغلايات والمشروبات الغازية
وفي سبتمبر 1992 بدأ نحو 7000 سجين فلسطيني إضرابًا جماعيًا عن الطعام في كل السجون لمدة 15 يومًا، كان الإضراب ناجحًا. فقد تمكّن السجناء من إجبار إدارة السجن على إغلاق جناح الحبس الإنفرادي في سجن الرملة وإنهاء التفتيش الروتيني للسجناء، وزيادة وقت الزيارات العائلية، والسماح بدخول غلايات المياه الكهربائية إلى الزنزانة، كما أصبح بإمكانهم شراء المياه الغازية من مقصف السجن الذي أصبح يضم قائمة أكبر من المنتجات.
المصدر: ميدل إيست آي