صدحتِ الأصواتُ منددًة من جديد، في محافظة دير الزور شرق سوريا، ضد ميليشيا “قسد”، التي تقود ما يُعرف بقوات سوريا الديموقراطية، المدعومة من التحالف الدولي، نتيجة سياستها القمعية التي تنتهجها في المحافظة، إلى جانب إقصائها للمكون العربي، الذي يمثل جُل المحافظة. وبسبب ما يراه الأهالي انتهاكات مستمرة بحقهم؛ واجهت ميليشيا قسد رفضًا شعبيًا ضمن أوساط المجتمع في مختلف مناطق سيطرتها، مشبهين ممارساتها بممارسات قوات النظام، ولاسيما إصرارها في قمع المظاهرات بصورة عنيفة، أغضبت الأهالي الذين عانوا ما عانوه من ويلات الحرب، على مدى السنوات السابقة.
تمتد رقعة المظاهرات في القرى والبلدات في محافظة دير الزور تباعًا، ضد ممارسات وانتهاكات ميليشيا قسد التي تطال المدنيين إلى جانب حرمانهم من حقهم في الخدمات، وتدهور الوضع المعيشي الذي يضرب مختلف طبقات المجتمع تزامنًا مع انتهاء وجود تنظيم الدولة الإسلامية جغرافيًا في المحافظة.
مظاهرات
ويوم الأربعاء 1 مايو / أيار تظاهر العشرات في بلدة الشحيل بريف دير الزور الشرقي، منددين بانتهاكات ميليشيا قسد بحق مدنيي المحافظة، حيث رفع المتظاهرون عدة شعارات من بينها، “التحالف الدولي مسؤول عن انتهاكات قسد وسرقاتها.. أين حقوقنا؟”، و”الأسد وقسد شريكان بالجريمة”، كما اعتبر المتظاهرون أن المجالس المحلية التابعة للإدارة الذاتية في قسد “نهبت وسرقت حقوقهم”، كما عبر المتظاهرون عن رفضهم القاطع لوجود قسد في المحافظة، وتهميش دور أبناء المنطقة في إدارة البلدات.
وفي السياق شهدت بلدات أخرى مظاهرات مماثلة خلال الأيام القليلة الماضية من بينها بلدة حمار العلي، والدحلة والشنان بريف دير الزور الشرقي، إضافة إلى مدن البصيرة والطيانة، وقرى ماشخ وضمان والنملية وطيب الفال في ريف دير الزور الشمالي، وطالب المتظاهرون بما قالوا إنها حقوق سلبتها ميليشيا قسد، إضافة إلى “تقصيرها” في تقديم الخدمات، وتهميش أبناء المنطقة من العرب، وهو ما ردت عليه قسد بشن حملات دهم طالت منازل المدنيين المشتبه بهم بالتظاهر، في بلدات البصيرة والطيانة شرقي دير الزور.
ممارسات قسد باستهداف واعتقال المتظاهرين في وضح النهار، وسّع من رقعة التظاهرات، وتعتبر محافظة دير الزور غنية بالموارد البطانية التي تمكن المجالس المحلية من تقديم الخدمات للمدنيين على كافة الأصعدة، لكن سياسة قسد التي تبنى على الإقصاء للمكون العربي، وضعت إدارة محلية محسوبةً عليها، إضافة إلى “نهب المواد الإغاثية التي تقدمها المنظمات عبر المجالس المحلية التي وضعت من قبلها”، وفقاً لما يراه الأهالي.
وحاولت ميليشيا قسد تصدير النفط من مناطق سيطرتها إلى مناطق سيطرة النظام السوري، مما دفع أهالي البلدات في ريف دير الزور إلى قطع الطرق المؤدية إلى معابر النظام السوري، وتحاول قسد مد ميليشياتها من أبار النفط بشكل مستمر، إذ لا تتوقف عن تصدير النفط إلى كردستان العراق.
انتهاكات دامية
والأيام الماضية، شهدت المحافظة حادثة دامية أثارت موجة غضب عارمة، عندما أقدم عنصر بقوات قسد على قتل رجل وزوجته كانا يقودان دراجة نارية، وذلك انتقاماً لعبارة مكتوبة على الجدار الذي مرا بقربه وكتب عليه عبارة “يسقط أوجلان”. وتداول ناشطون المقطع المصور من محافظة الحسكة، ويظهر فيه المقاتل في الوحدات الكردية والذي تلفظ بشتائم مسيئة للعرب خلال حديثه بلغة كردية، وهو يقتل الزوجين بدم بارد، قبل أن يلوذ بالفرار.
وفي سياق الانتهاكات التي تقوم بها قسد في مناطق سيطرتها بحق المدنيين، بث ناشطون مقطعاً مصورًا من خلال كاميرة مراقبة مثبتة أمام أحد المحال التجارية، يظهر قيام عناصر ملثمين من ميليشيا قسد، يقومون بعملية سطو على مكتب الخابور للصرافة في شارع المنصورة في محافظة الرقة، حيث قام الملثمون بسرقة 6 مليون ليرة سورية، كانت بحوزة صاحب المكتب.
وقام ملثمون مجهولون يعتقد من ميليشيا قسد بخطف أحد التجار في بلدة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، وسرقة ما بحوزته من أموال إضافة إلى أخذهم نسخةً مفاتيح لمحلاته التجارية داخل سوق البلدة، وأكدوا أنهم سيأخذون ما يشاؤون من المحال التجارية، دون الرجوع لصاحبه، وتهديهم له بالقتل في حال تغيير أقفال المحال.
كما تشهد محافظة الحسكة عمليات خطف واعتقالات لشبان وشابات إلى جانب خطف الأطفال لأغراض التجنيد، حيث أقدم عناصر من ميليشيا قسد على خطف الطفلة زغروس محمد أمين من مدينة المالكية شمال شرق محافظة الحسكة، خلال خروجها من منزلها، وأشارت المصادر إلى أن “قسد” رفضت تسليم الطفلة لذويها، وقادتها إلى أحد معسكرات التدريب في ريف الحسكة، وسبق وأكدت منظمات دولية استمرار ميليشيا قسد بتجنيد الأطفال في مناطق سيطرتها، ودانت هذه الممارسات.
مطالب وجهاء ديرالزور لـ “قسد”
قياديون من ميليشيا قسد اجتمعوا الأربعاء 1 مايو / أيار الجاري في ريف دير الزور الشرقي، مع ممثلي العشائر، في المحافظة، حيث قدم ممثلو العشائر مطالب وأمهلوا ميليشيا قسد 72 ساعة لتنفيذها، وإلا فالمظاهرات ستعم أرجاء المحافظة.
وناقش الاجتماع عدة مطالب من أبرزها إطلاق سراح المعتقلين ووقف عمليات المداهمة التي تطال منازل المدنيين، وإطلاق سراح الأطفال والنساء المحتجزين في المخيمات، وعدم التعامل مع قوات النظام، ومنح أبناء المنطقة مراكز في مجالس المدينة وعدم تهميشهم.
كما جاء في المطالب إلغاء التجنيد الإجباري الذي تتخذه ميليشيا قسد أسلوباً لبناء قواتها، والاكتفاء بالمتطوعين من أبناء المنطقة، وإلغاء دور كوادر المجالس المحلية ورفدها من أبناء المحافظة، من أصحاب الكفاءات. بافضافة لتوفير المحروقات للقطاع الخدمي وتأمينها بالأسواق أسوةً بباقي المناطق كالقامشلي والحسكة. وعدم مساس المشاعر الدينية باسم الديمقراطية، وتوزيع ثروات النفط على أهالي المنطقة من خلال الخدمات المقدمة لسكانها وعدم احتكارها للإدارة فقط.
ناقش الاجتماع عدة مطالب من أبرزها إطلاق سراح المعتقلين ووقف عمليات المداهمة التي تطال منازل المدنيين، وإطلاق سراح الأطفال والنساء المتواجدين في المخيمات
وسبق أن عقدت ميليشيا قسد اجتماعًا مع حاكم البشير أحد شيوخ عشيرة البقارة 29 أبريل/ نيسان الماضي في دير الزور وشخصيات من مجلس دير الزور المدني والمجلس العسكري، وأكد البشير خلال اجتماعه إلى ضرورة وجود دور للمكونات العربية في إدارة المحافظة في مختلف مؤسساتها، إلى جانب توزيع ثروات النفط على الخدمات في المحافظة وإيصال الكهرباء إلى القرى والبلدات.
ووجه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للخروج في تظاهرات واحتجاجات شعبية ضد ميليشيا قسد اليوم الجمعة، للضغط عليها وإعادة مكانة المكونات العربية في المؤسسات التي تديرها، أو خروجها من المحافظة وإعادة الأرض لأهلها من أبناء دير الزور. وتحاول “قسد” السيطرة على الأهالي في المحافظة من خلال اجتماعها مع الوجهاء، لغاية المصلحة التي تمثلها المنطقة ومكانتها في دعم ميليشياتها.