يشهد ريف حلب الشرقي أحداثًا متسارعة بعد خروج مظاهرات ضد قوات قسد في بلدات دير حافر ومسكنة، تطورت إلى محاصرة الأهالي لبعض المقرات التي تتمركز فيها قسد إلى جانب قطع الطريق الدولي الواصل بين حلب والرقة لمنعها من تسيير أرتال قواتها ونقل محتويات بعض المؤسسات العامة.
كما ظهرت مقاطع فيديو صورها ناشطون تظهر استيلاء المتظاهرين على بعض الأسلحة والمركبات التابعة لقوات قوات سوريا الديمقراطية في هذه المناطق.
تمدد مفاجئ واستراتيجي
المظاهرات جاءت بعد بسط قسد سيطرتها على مساحة تزيد على أكثر من ألفي كيلومتر مربع شرق حلب مستغلة الانهيار السريع لقوات الأسد قبل سقوط النظام، قبل أن تتمدد في مدن دبسي عفنان في ريف الرقة الغربي وفي ريف حلب الشرقي في مدن مسكنة ودير حافر والخفسة وصولًا لمفرق السفيرة القريب من عقدة مواصلات مهمة شرق مدينة حلب.
أهالي هذه المناطق استفاقوا صباح السبت 30 نوفمبر 2024 على انتشار واسع لقوات قسد بعد أن قام جيش الأسد والميليشيات التابعة له بتسليم نقاطهم ومواقعهم على طول 100 كم.
وسيطرت قسد على مواقع استراتيجية مهمة مثل مطار الجراح العسكري والكلية الجوية ومطار كويرس العسكري، إضافة لسيطرتها على منشآت هامة وحساسة مثل 3 محطات لضخ مياه الري والشرب أكبرها محطة البابيري التي تزود مدينة حلب بمياه الشرب والمحطة الحرارية المسؤولة عن توليد الكهرباء لمدينة حلب، لتحرم المنطقة نهائيًّا من آخر وسيلة لإنتاج الكهرباء بعد سيطرتها السابقة على سدي الفرات وتشرين.
ويرجع ناشطون وقادة مجموعات عسكرية بالمنطقة سيطرة قسد وتمددها في هذه المناطق إلى أملها بالحصول على دعم وتغطية من التحالف للبقاء والتمدد في المنطقة، إضافة إلى خشية فصائل الجيش الوطني المدعوم من تركيا في حسم الموقف هناك، والقيام بابتزاز مدينة حلب بموارد حياة مهمة مثل مياه الشرب والكهرباء هناك.
ردّ مباشر
سيطرة قسد لم تستمر ساعتين عندما بدأت فصائل الجيش الوطني بدعم تركي وضمن غرفة عمليات فجر الحرية بعملية عسكرية، سيطروا من خلالها على مساحات واسعة في محور قتالي انطلق من مدينة الباب نحو تادف وكويرس والسفيرة، مما دفع قوات قسد للتراجع سريعًا وخسرت نحو 40 كم من مشارف السفيرة وصولًا لمدينة دير حافر شرق حلب.
كما استعادت الفصائل السيطرة على المحطة الحرارية الأكبر في سوريا، وفي الوقت ذاته وسعت فصائل فجر الحرية نطاق عملها وفتحت محور قتال جديد تمكن من الوصول إلى محطة ضخ البابيري على الضفة اليمنى للبحيرة.
وحسب ما قاله القيادي في الجيش الوطني محمد رمي لـ”نون بوست” فإن العمليات هدأت بسبب حاجتها لزخم عسكري مع توسع رقعة العمليات وبسبب فتح قنوات تفاوض لعدم قطع الطريق الدولي على قوات قسد لتنسيق انسحابها لنقاط انطلاقها من ريف الرقة الغربي.
لكنّ التطورات المتتالية بالضغط العسكري لغرفة رد العدوان تجاه وسط وجنوب سوريا إضافةً لتوجيه ضغط فجر الحرية على محور منبج منح قسد فرصة للبدء بالتدشيم العسكري ومحاولة تثبيت وجود دائم أو مرحلي هناك.
واقع جديد
مع تهاوي دفاعات قسد على محور منبج، قام عناصرها بحملة نهب وسرقة للممتلكات العامة في مدن الخفسة ومسكنة ودير حافر شملت المصارف الزراعية وبعض المعامل العامة والمنشآت الحكومية في حملة وصفها الأهالي “بالتعفيش” المنظم، ما أثار سخطًا واسعًا لتبدأ موجة احتجاجات واسعة ضدهم بعد نداءات عشائرية بانسحابهم ومطالبة الأهالي بدخول القوى الثورية منطقتهم.
صباح اليوم التاسع من ديسمبر 2024 هاجم أهالي في قرية البومانع قوات قسد في معمل سكر مسكنة لمنعهم من التمركز فيه أو “تعفيشه”، كما حاصر الأهالي في قرية السكرية عناصر قسد في مؤسسة الأعلاف واتهامهم بمحاولة سرقة محتوياتها.
كما قطع أهالي مدينة مسكنة الطريق على قوات قسد قبل وصولها للفرن الآلي الرئيسي في المدينة والمسؤول عن إنتاج 20 طن خبز يوميًّا خشية الاستيلاء على خطوط الإنتاج فيه.
حاليًا تتطور الأحداث بسرعة بسبب الحساسية العشائرية تجاه قوات قسد، ويعمل الأهالي على حصارهم في مقراتهم خاصةً بعد تهديدهم الناس بالسلاح وإطلاق النار مما تسبب بوقوع إصابات في منطقة ينتشر فيها السلاح غير الفصائلي بين الناس بسبب طبيعة المجتمع الريفي.
يقول ناشطون من أبناء المنطقة إن قسد استفزت الأهالي بسلوكها تجاه المؤسسات العامة والتعامل معها بمنطق “الغنيمة” قبل انسحابها في حال تعرّضت لضغط عسكري قادم من الغرب.
وأكّد القيادي في الجيش الوطني محمد رمي أن العملية تباطأت في الأيام الماضية لمنحهم فرصة الانسحاب الآمن من مدينة حلب وريفها الشرقي دون التسبب بإراقة الدماء وبسبب أولويات عسكرية أكثر إلحاحًا وسط وجنوب سوريا وفي مدينة منبج القريبة، لكنّ عملًا عسكريًّا يجري التحضير له سريعًا بعد الانتهاء من تمشيط جيوب ما زالت قسد تسعى لتثبيت نقاط فيها بريف منبج.
وينتشر بين فصائل الجيش الوطني قناعة بضرورة الإسراع بتخليص المنطقة من قسد في ظلّ الضغط الشعبي الساخط على قواتها والترنح الذي تبديه في المناطق العربية الخالصة حيث تفيد مصادر لـ”نون بوست” أن السيناريو قد يتحول لأحجار الدومينو وصولًا حتى مدينة الرقة التي تشهد تراجعًا ملحوظًا في حجم قوات قسد ومحاولتها إلزام الأهالي في بعض الأحياء بحظر تجول ليلي.
حاولت قسد خلال الفترة الماضية تثبيت واقع ميداني جديد لكن محاولاتها تصطدم برفض شعبي وفصائلي بدأ بريف حلب الشرقي ويبدو أنه لن يتوقف فيه، إذ تشير التطورات أن المعادلة العسكرية قد تتغير في منطقة تمتد من شرق حلب إلى الحدود العراقية.