استعراض للقوة أم تدريبات عادية؟ لايهم تصنيف الإجراء الذي ستتخذه كل من روسيا وإيران، بإطلاق مناورات بحرية مشتركة هذا العام، المهم هو كيف ستتباهيان بإظهار قوتهما السياسية والعكسرية أمام الدول الغربية، في محيط المياه الجنوبية لإيران، وتحديدًا في بحر قزوين، كرد فعل على الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفائها عليها.
يعتبِر الحليفان، أن نظرة المجتمع الدولي لمجمل ما يحدث صار من الماضي، ولن ينتظرا أكثر للرد على الولايات المتحدة، وأساليبها في التعامل مع بلدان العالم التي تخالف سياساتها ومصالحها.
المناورات المنتظرة، أعلن عنها قبل أيام، الأدميرال حسين خندي، قائد البحرية الإيرانية، وقال إن إيران وروسيا تنويان هذا العام إجراء مناورات بحرية مشتركة “في المياه الجنوبية”، رافضاً توضيح الموعد المحدد للمناورات، ربما لإضافة المزيد من الضغط النفسي على الخصوم، واكتفى بالقول إن أساطيل إيران وروسيا، سيستأنفان التعاون في مختلف المجالات التشغيلية والتعليمية والتقنية.
يعتقد بعض الخبراء الذين تابعوا الإعلان المفاجئ عن المناورات، أن التدريبات الإيرانية الروسية مشتركة، كانت مقرر لها أن تكون بالقرب من الخليج العربي بعد محادثات وزراء الدفاع في مؤتمر موسكو الثامن للأمن الدولي، ولكن تم تغير موقع التدريب، وتحديد هذه المنطقة شديدة الحساسية، بالتزامن مع جولة أخرى من المواجهة الأمريكية الإيرانية، ما جعل طهران تتخذ قرارًا بالاستعانة بالحليف الأكبر، لتؤكد أن التهديد بحظر مضيق هرمز، سيكون رد فعل لايحتمل التأويل على سياسة “الاستيراد الصفري” التي تتبعتها أمريكا تجاه النفط الإيراني لتركيع طهران.
يعتبر إجراء مناورات روسية مشتركة مع إيران، إعلان صارم من موسكو بالالتزام بدعم طهران بمواجهة ضغوط واشنطن
في المقابل تحاول روسيا أيضًا، تقديم رد يليق بالبيان غير المسبوق الذي أدلى به سفير الولايات المتحدة لدى روسيا جون هنتسمان، وهدد لأول مرة منذ الحرب الباردة باستخدام القوات البحرية الأمريكية للضغط على روسيا وحلفائها، بزعم الحفاظ على مصالح شركائهم وحلفائهم ومصالح الأمن القومي الأمريكي، خلال زيارته لحاملة الطائرات إبراهام لنكولن، التي تعسكر بالبحر الأبيض المتوسط.
ويعتبر إجراء مناورات روسية مشتركة مع إيران، إعلانًا صارمًا من موسكو بالالتزام بدعم طهران بمواجهة ضغوط واشنطن، ولاسيما أنها الوحيدة من الموقعين على الاتفاق النووي الشهير مع إيران، التي تصمد في مواجهة العقوبات، وتنتقد تصرفات الولايات المتحدة بشدة، وتحث إيران على الاستمرار في التعامل بنفس منطق روسيا، الاستفزاز لايرد عليه إلا باستفزاز مضاعف، لذا هناك حاجة، للاستعراض في مياه الخليج العربي، والحجة القانونية التي صارت تطرح على سبيل الرفاهية جاهزة؛ فالمنطقة من مسؤولية البحرية الإيرانية، ومضيق هرمز يتحمل مسؤوليته بشكل مشترك البحرية الإيرانية والأخرى التابعة للحرس الثوري الإيراني أيضًا.
وتحاول موسكو عبر التدريبات، إظهار أهميتها للولايات المتحدة، ولاسيما أن جميع النزاعات الروسية الإيرانية أصبحت ذات طابع تكتيكي، كل طرف يلقي بما يملك من أدوات ردع على الساحة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية والتدريب العسكري، ولكن شواهد الأحداث، تؤكد أن الطرفين يمارسان كل ألوان ضبط النفس لصيانة العلاقات الثنائية.
ما الذي تملكه روسيا من ردع في محيط المنطقة؟
يعد الأسطول الروسي في بحر قزوين، هو الأقوى على الإطلاق، حيث تقوم وزارة الدفاع الروسية، بتعزيزه دائمًا، رغم عدم وجود تهديدات عسكرية مباشرة لروسيا، لكنها تريد من ذلك ضمان ما يؤكد أنها القوة العسكرية الرئيسية في المنطقة.
وتستخدم موسكو أسطوليها في بحري قزوين والأسود، لضمان استمرار تفوق روسيا في أي قتال، قد يندلع في البحر الأبيض المتوسط، ويشمل الهيكل القتالي حوالي 30 سفينة وقارب، ونظام الصواريخ يتجاوز النماذج الغربية في المنطقة، وهو قادر على تدمير أهداف العدو الحرجة، بمساعدة نظام صاروخ Caliber، القادر هو الآخر على ضرب الأهداف البحرية والساحلية، ما يضمن له التفوق بشكل ملحوظ.
وتنفذ عمليات الاستهداف بواسطة قوات الفضاء التابعة للاتحاد الروسي، لتحقيق دقة عالية بفضل نظام القمر الصناعي GLONASS، الذي يظهر للعالم قدرة روسيا على الردع بأسلحة غير نووية، ودائما ما تشهد خطط وزارة الدفاع الروسية تحديث القاعدة البحرية في داغستان، للتأكيد على الأهمية المتزايدة لأسطول بحر قزوين، بجميع المستويات، بما فيها البنية التحتية اللازمة لمواقف العربات وإصلاح السفن ومجمع التدريب بالكامل.
وتهتم إيران على مايبدو بهذه المناورات التي تأتي في توقيت حرج، لاختبار السفن الحربية، التي تعدها لأي عملية مفاجئة في بحر قزوين.
ويتم الدفاع عن أسطول بحر قزوين من الجو، من قبل وحدات الدفاع الجوي، وكذلك المجموعة التشغيلية للطائرات المقاتلة المنتشرة في مطار يوتاش، التي تشارك في التدريبات البحرية وتنفذ اعتراض منتهكي حدود الدولة، ومناورات مثل المرتقبة مع إيران، سيكون مهمتها التحقق من قدرة القادة على اتخاذ قرارات في الوقت المناسب خلال مواقف غير عادية.
وتهتم إيران على مايبدو بهذه المناورات التي تأتي في توقيت حرج، لاختبار السفن الحربية، التي تعدها لأي عملية مفاجئة في بحر قزوين، بما في ذلك عمليات إطلاق إلكترونية لصواريخ عيار كروز واطلاق النار من بنادق A-190 Universal الجديدة، وهي قادرة على تدمير الأصول السطحية والغواصات، وكذلك تجربة مدى قوة سفن الصواريخ الصغيرة، وعملية الإطلاق إلإلكتروني لصواريخ كروز، وأصابة الألغام والقنابل الجوية والمتسللون المخربون من أعدائها.
لماذا كل هذا؟
تحاول إيران إرسال رد واضح لأمريكا، مفاده أن زيادة الضغط على إيران، بوضع إحدى أهم المنظمات العسكرية السياسية في الجمهورية – الحرس الثوري الإسلامي ـ على لائحة الإرهاب، ستحول المواجهة الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران حول وضع الحرس الثوري الإيراني إلى تهديدات حقيقية لاستخدام القوة.
وبدأت الجمهورية الإسلامية، بالرد على استفزاز الولايات المتحدة، بوضع القوات المسلحة الأمريكية العاملة في الشرق الأوسط على قائمة المنظمات الإرهابية، ويحاول قادة الحرس الثوري الإيراني، تذكير الولايات المتحدة بأنهم قادرون على تهديد قواتها المسلحة في أي مكان بغرب آسيا، وهي الرسالة التي تلقفها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو جيدا، وحذر على الفور من أي هجوم على القوات الأمريكية، وأكد أنه لن يبقى دون عواقب.
ولاتهتم إيران نظريا بالوضع الجديد للحرس الثوري الإيراني، الذي تخضع قيادته بالفعل وبشكل جزئي من فترات ليست قصيرة لتدابير أمريكية محظورة، وبالتالي بالنسبة لها من غير المحتمل أن تتسبب العقوبات الأمريكية في إلحاق أضرار مادية جسيمة بالحرس أو بإيران نفسها، التي تخضع أيضا لجملة من عقوبات غير مسبوقة، ولايوجد لديها ما تبكي عليه، إذا ما كان بالإمكان تجهيز البديل، لذا تسعى إلى ربط طهران بدمشق السورية وبغداد العراقية، عبر بناء شبكة من الطرق السريعة والسكك الحديدية بين البلدان الثلاثة، تضفي بها شرعية جديدة على ما يسمى بالممر الشيعي.
ومنذ حوالي شهر، والرئيس روحاني، يشير من بعيد إلى وحدة المواقف بين إيران والعراق حول القضايا الإقليمية الرئيسية، التي تعتبر بشكل واضح الأساس في العقوبات الأمريكية، سواء رفض الوضع الجديد للقدس، أو رفض الموافقة على ضم مرتفعات الجولان في سوريا لـ”إسرائيل”، بينما كان رد رئيس الحكومة العراقية أنه وفقًا للدستور العراقي، لن تتمكن أي قوات أو مقاتلين أجانب من استخدام الأراضي العراقية لمهاجمة إيران، ولتعزيز التعاون اتفقت إيران والعراق على التعاون في مجال الدفاع الجوي لمواجهة التحديات والتهديدات، إذا ما قررت أمريكا اللعب بالنار.