خرج الجزائريون اليوم مثل كل جمعة في مسيرات عبر مختلف ولايات البلاد للتأكيد على مطلبهم الرئيس المتمثل في رحيل بقايا نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وبناء جزائر جديدة تضمن الاختيار الديمقراطي وحرية التعبير في جمعة ستكون الأخيرة قبل حلول شهر رمضان الفضيل.
ويدخل حراك الجزائر الذي انطلق في 22 فبراير الماضي اليوم جمعته الـ11 بالمطالب ذاتها، وإن اختلفت الظروف، فالنضال اليوم لم يعد يتلخص في إفشال مشروع الولاية الخامسة لبوتفليقة، إنما تعداه لرحيل النظام وتغييره جذريًا، مع محاسبة من تسببوا في معاناة الشعب لسنوات.
من مظاهرات اليوم، الجمعة 11 للحراك الجزائري، 3 مايو أيار
جمعة الحرية
تتزامن مسيرة اليوم مع إحياء الصحافة الجزائرية والعالمية لليوم العالمي لحرية التعبير المصادف للثالث من مايو أيار من كل عام، لذلك دعا بعض الإعلاميين لجعل مظاهرات اليوم موعدًا للتأكيد على ضرورة تحرير الإعلام من أي تضييق ورفع الوصاية عن الصحافة العمومية والخاصة.
وكان للصحافة الجزائرية دور مهم في الحراك الشعبي، فقد انتفض رجال الإعلام أيضًا ضد التضييق الذي كان يمارسه نظام بوتفليقة، خاصة بعد إسقاط الشعب لمشروع الولاية الخامسة.
وعاش الإعلام الجزائري أحلك أيامه خلال حكم بوتفليقة بعد أن استعمل الإشهار العمومي كورقة ضغط على الصحف والتلفزيونات الخاصة بهدف دعمها لعدم التحدث عن فساد النظام، وتجاهل الحكومات لمطالب المواطنين.
ودعت حكومة تصريف الأعمال على لسان وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة حسان رابحي الخميس الصحافة الجزائرية بكل مكوناتها إلى ما أسمته التحلي باليقظة والمسؤولية والوضوح في القيام بدور لا يقل عن دور الوسيط لحوار حيوي بين جميع الجزائريين خدمة للمصلحة العليا للوطن.
حكومة تصريف الأعمال لم تستطع التخلص من النظرة الشمولية التي كرسها بوتفليقة في تعامله مع الصحافة
وقالت الحكومة إن الصحافة الجزائرية “انطلاقًا مما يتحلى به صحفيوها من صبر وإيمان، هي بحاجة إلى آليات تنظيمية وضوابط مهيكلة تشجع شروط الممارسة المهنية وأخلاقيات مهنة الصحفي”.
وشددت الحكومة على ضرورة “أن تكون الصحافة الوطنية، المكتوبة والإذاعية والسمعية البصرية والإلكترونية، بمثابة الفضاء المسؤول للتوفيق بين مساعي هؤلاء وأولئك من أجل تكريس شروط حل توافقي ممكن”.
ويفهم من هذا التصريح أن حكومة تصريف الأعمال لم تستطع التخلص من النظرة الشمولية التي كرسها بوتفليقة في تعامله مع الصحافة، حيث تتناسى السلطة دائمًا أن المهمة الأولى للإعلام هي نقل المعلومة بحيادية وموضوعية، وأنها ليست في حاجة إلى توجيهات ونصائح من حكومة ثار الشعب ضدها ويطالب منذ أكثر من شهرين برحيلها.
وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، تظل وسوم #تتنحاو_قاع و #ترحلوا_يعني_ترحلوا و #حراك_3_ماي تطبع تغريدات الجزائريين.
ولم يقتصر تأثير الحراك الذي تعرفه البلاد على المجال السياسي فقط، بل مس مختلف القطاعات، ومنها الصحافة التي حررها من هاجس الخوف وضغوط الساسة، ما جعل حتى الإعلام العمومي يخرج من قوقعة التهليل بالمسؤولين ومنجزاتهم ويعود إلى عمله الأساسي وهو ضمان خدمة صحفية عمومية للمواطنين.
شهر على استقالة بوتفليقة
تأتي مسيرة اليوم بعد مرور شهر من استقالة الرئيس بوتفليقة في 2 إبريل الماضي بعد رفض الشعب لخطط الولاية الخامسة وتمديد الرابعة، وهي مدة تستدعي من الجزائريين تقييم ما تحقق حتى اليوم منذ رحيل الرئيس السابق.
بالنسبة لغالبية الجزائريين فلا شيء تغير، فالواقع يقول إنهم يعيشون الولاية الرابعة لبوتفليقة ممدة بالنظر إلى أن معظم رموز نظامه لا يزالون في السلطة، وهم من يقررون إلى اليوم شؤون الشعب بدءًا بالرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح ووزيره الأول نور الدين بدوي، وانتهاء عند المسؤولين المحليين الذين لا يزالون يسيرون على خطى حقبة الرئيس السابق وكأنه لا شيء تغير في البلاد.
لكن بالمقابل، يبدو من المجحف القول إن البلاد لازالت تعيش كما كانت سابقًا، فالجيش أبدى موقفًا داعمًا لحراك الشعب حتى وإن لا زال يحرص على أن لا يخرج موقفه عن الحدود التي رسمها له الدستور، مخافة الدخول في فوضى أو اتهامه بقيادة انقلاب ضد مؤسسات الدولة، خاصة وأن نظام بوتفليقة يبقى حتى اليوم يعمل على المقاومة والالتفاف على مطالب لحراك الشعبي.
كما سمح رحيل بوتفليقة، بتحرر الجهات القضائية التي حركت دعاوى عمومية ضد رؤوس الفساد من مسؤولين ورجال أعمال كانوا يمثلون الكارتل المالي الذي استقوت به القوى الدستورية التي سيرت البلاد في الولاية الرابعة للرئيس السابق وحاولت فرض مشروع العهدة الخامسة أيضًا.
وبالنظر إلى طموحات الحراك الشعبي، يبقى ما تحقق بعد شهر من استقالة بوتفليقة مجرد نصف خطوة للوصول إلى الجمهورية الجديدة التي يسعى من أجلها الجميع، لكن في الوقت ذاته وعند العودة إلى ما قبل 22 فبراير، يبدو ما استطاع الجزائريون تغييره خلال هذه الفترة القصيرة جدير بالاحترام والتشجيع.
الجمعة الـ11
وتشكل مسيرة جمعة اليوم فرصة للحراك الشعبي لرسم مخطط الاحتجاج والنضال خلال شهر رمضان الذي قد يكون بداية من الاثنين المقبل بما أن ليلة الشك وتحري هلال شهر التوبة والغفران سيكون يوم الأحد بالجزائر.
وتم في الأيام الأخيرة ترديد مقترحات بأن تنظم المسيرات بعد صلاة التراويح وبشكل يومي للرفع من ضغط الشارع على الحكومة، ولتفادي الإرهاق الذي قد يطال المشاركين في المسيرة إن نظمت صباحًا بالنظر إلى طول فترة الصوم قي الجزائر التي تزيد عن 15 ساعة.
من مظاهرات اليوم، الجمعة 11 للحراك الجزائري، 3 مايو أيار
ويترقب الجزائريون أن يحمل الشهر الفضيل لهم بشرى رحيل الرئيس المؤقت بن صالح بعد فشل كل محاولاته في جذب دعم شعبي، خاصة بعد تأكد فشل تنظيم انتخابات رئاسية في 4 يوليو الماضي، وعدم خروج المشاروات التي نظمها ولم يحضرها بقرارات تقنع الحراك والمعارضة.
والأكيد أن جميع الجزائريين مقتنعون أن جمعة هذا اليوم ستشكل بداية لاتخاذ مواقف جديدة تسير بالحراك نحو تحقيق الأهداف المسطرة، خاصة وأن الظرف الذي تعيشه البلاد يتطلب تقديم حلول فعالة وفي مدة زمنية قصيرة، لأنه كلما طال الوقت ازادات المخاوف لدى الجميع من أن تسير الأمور لصالح من يعمولون على تحريك خلايا الثورة المضادة.