ترجمة فريق نون بوست
لا يؤثّر الديكتاتوريون على الرئيس دونالد ترامب، فهو لا يشعر بالحرج حقًا تجاه ما يقترفونه ولا ينبع دعمه لهم من غياب بديل موثوق به. في الواقع، يدعم ترامب الديكتاتوريين لأنه يشاطرهم الرأي، ولأن سياسات كلا الطرفين منسجمة إلى حد كبير. وقد كشف ترامب، الذي لم يعد يخشى على منصبه الرئاسي ويتطلع بكل ثقة إلى الفوز بفترة ولاية ثانية، النقاب عن ماهيته الحقيقيّة، في أعقاب نشر تقرير مولر.
ترامب يفي بوعوده
لا يحقّ لأي كان أن يتّهم ترامب بممارسة سياسته عبر تويتر عندما يتعلق الأمر بتصنيفه المرتقب لجماعة الإخوان المسلمين على أنها مجموعة إرهابية، يوم الاثنين. وقد أُعلن عن هذا التصنيف بعبارات واضحة في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 من قبل مستشار السياسة الخارجية آنذاك، وليد فارس، الذي كان يتبنى سابقا أيديولوجية الميليشيا المسيحية اللبنانية التي ارتكبت عدّة جرائم حرب خلال الحرب الأهلية اللبنانية. وبالإضافة إلى ذلك، أُعلن عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وعن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران. وفي مناسبة سابقة، كان ترامب قد عبّر عن استيائه من باراك أوباما بسبب “تمويله للربيع العربي”.
في شباط/ فبراير 2012، كان ترامب قد قال في تغريدة على تويتر إن “ميزانية باراك أوباما تموّل حركات الربيع العربي بمبلغ قيمته 800 مليار دولار وتقدّم للإخوان المسلمين في مصر 1.3 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية. إن أوباما يحب الإسلام المتطرّف، وينوي الآن تقديم 450 مليون دولار أخرى لجماعة الإخوان المسلمين. وبهذه الطريقة، سيُمنح المال الذي لا نملكه، إلى أشخاص يكرهوننا. إنه لأحمق حقا”. في هذا السياق، يبدو من الخطأ الاعتقاد بأن ترامب كان يقف موقف المتفرج قبل أن يصبح في السلطة، فهو رجل يفي بوعوده، وهنا تكمن المشكلة، إذ أنه لم يتبق أي أحد يضع حدا لتصرّفاته.
هناك منظمات وشبكات في الولايات المتحدة على علاقة عميقة وأساسيّة بالإسلام المتطرّف،
ليست مفاجأة كبرى
يمثّل حظر جماعة الإخوان المسلمين جزءًا لا يتجزأ من الفكر الذي نشره وزير الخارجية، مايك بومبيو، داخل الحكومة الأمريكية. فضلا عن ذلك، شارك هذا العضو في الكونغرس في دعم مشروع القانون الذي يهدف إلى حظر جماعة الإخوان المسلمين. وقد صرّح بومبيو لفرانك جافني أن “هناك منظمات وشبكات في الولايات المتحدة على علاقة عميقة وأساسيّة بالإسلام المتطرّف، وهي لا تتواجد في ليبيا وسوريا والعراق فقط، ولكن أيضا في أماكن مثل مدينة سفيرن وكنساس وعدّة مدن صغيرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة”.
أعضاء بارزون من جماعة الإخوان المسلمين خلف القضبان في قاعة المحكمة في جنوب القاهرة في الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2018.
كان الغرض من مشروعيْ القانون اللذيْن أعاد تقديمهما كل من السيناتور تيد كروز والسيناتور ماريو دياز بالارت، في الشهر ذاته الذي تولى فيه ترامب الرئاسة، مطالبة وزارة الخارجية بإبلاغ الكونغرس “عما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تستوفي معايير تصنيفها كمنظّمة أجنبيّة إرهابية”. ولم تكن الموافقة على فرض حظر مشدّد على جماعة الإخوان المسلمين بمفاجئة كبرى.
دعم التطرّف
من المحتمل أن يكون هذا القرار هو الأكثر خطورة، الذي سيتخذه ترامب حتى الآن، في ظل ما أُثبت بالفعل أنه أكثر أشكال الرئاسة تدميرًا في تاريخ الولايات المتحدة الحديث. وخلال الأسبوع ذاته، ظهر الخليفة المعلن لتنظيم الدولة، أبو بكر البغدادي، على شاشة التلفاز للاستهزاء من ترامب وإثبات أنه ما يزال هناك قرابة 15 ألف مقاتل نشطين، على الرغم من فقدان آخر قطعة من مواقع التمركز الخاصة بهم، وهي الباغوز في سوريا. بناء على ذلك، فإن فرض حظر على جماعة الإخوان المسلمين، العدو الأكبر والأكثر فاعلية للبغدادي، قد تمثّل أكبر مساعدة يتلقاها البغدادي نفسه.
علاوة على ذلك، أبدى المتخصصون في مكافحة الإرهاب، الذين لا يُكنّون إعجابا للإسلام السياسي أو لديهم معرفة عميقة به على غرار وكالة المخابرات المركزية أو جهاز الاستخبارات البريطاني، الرأي ذاته مرارًا وتكرارًا. وبعد مرور 11 يومًا على تنصيب ترامب في كانون الثاني/يناير 2017، كانت وكالة المخابرات المركزية قد نشرت وثيقة تلغي الأسباب التي اعتمدها ترامب لتسمية جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
بالنسبة لوكالة الاستخبارات المركزية، لا يتعلّق الأمر بالإحصاءات حول ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تحظى “بدعم واسع النطاق” في المنطقة، خاصة في الدول المدرجة ضمن حلفاء الولايات المتحدة. وقد ذكرت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية أن وكالة المخابرات المركزية أكّدت مجددا على أن جماعة الإخوان المسلمين “رفضت تبنّي العنف ضمن سياسة رسمية، وعارضت كلا من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة”.
خلصت وكالة المخابرات المركزية إلى أن “التصنيف الأمريكي ربما يؤدي إلى إضعاف حجج قادة جماعة الإخوان المسلمين ضد العنف
من خلال الاعتراف بأن قلة قليلة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يشاركون في أعمال العنف ردًا على النظام القمعي أو الاحتلال الأجنبي أو النزاعات المدنية، خلصت وكالة المخابرات المركزية إلى أن “التصنيف الأمريكي ربما يؤدي إلى إضعاف حجج قادة جماعة الإخوان المسلمين ضد العنف ومنح تنظيميْ الدولة والقاعدة دعما إضافيا للدعاية لكسب المتابعين والدعم، لا سيما فيما يتعلق بالهجمات ضد المصالح الأمريكية”.
فضلا عن ذلك، تبدو الرسالة واضحة، إذ أنه من وجهة نظر وكالة المخابرات المركزية، يبدو أن فرض حظر على جماعة الإخوان المسلمين سيُشعل نيران التطرف، ولن يوقفه. وقد اعتمد جهاز الاستخبارات البريطاني الحجج ذاتها في الردّ الذي قاده السير جون جنكينز على التحقيق الذي أجراه ديفيد كاميرون بدعم من الإمارات بشأن جماعة الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة. وفي هذا الإطار، عبّرت كل من وكالة المخابرات المركزية وجهاز الاستخبارات البريطاني عن اعتراضهما من خلال وسائل الإعلام حرصًا على أن يسمعهما العالم أجمع.
ترامب لا يصغي
لم يكن ترامب يصغي إلى من حوله، على عكس ما كان يفعله وزير خارجيته السابق، ريكس تيلرسون. وفي البداية، كان تيلرسون قد أدلى بالتصريحات المدمّرة ذاتها التي ما يزال ترامب يدلي بها إلى حد الآن، حيث صرّح وزير الخارجية الأمريكي السابق في جلسة استماع أن “زوال تنظيم الدولة سيمكّننا من تركيز اهتمامنا على المنظمات الأخرى التي تتبنى الإسلام المتطرف، على غرار تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين، وبعض العناصر الأخرى داخل إيران”.
إن هناك عناصر من جماعة الإخوان المسلمين أصبحت الآن جزءا من الحكومات. لقد تمكّنت من بلوغ هذا الهدف بنبذها للعنف والإرهاب
لكن، بعد مرور بضعة أشهر على تولّيه منصبه، تراجع تيلرسون عن هذه التصريحات، وقال في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ إن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية يمكن أن يزيد من تعقيد العلاقات التي تربط واشنطن بدول الشرق الأوسط. وفي جلسة عقدتها لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للعلاقات الخارجية، ذكر تيلرسون أن جماعة الإخوان المسلمين تضم خمسة ملايين عضو، وهو الأمر الذي لم يكن يعلمه الكثيرون، ما يعني خمسة أضعاف العدد المقدّر.
فضلا عن ذلك، أكّد تيلرسون أن جماعة الإخوان المسلمين أصبحت “معزولة نوعا ما” داخل صفوفها، وعن مجموعات فرعية مدرجة بالفعل على القائمة السوداء من قبل الولايات المتحدة، والتي ما تزال مصرّة على ارتكاب جرائم العنف. وحيال هذا الشأن، قال تيلرسون: “لكن في قمة سلسلة الجودة، وإذا كنتُ قادرا على أن أُطلق عليها هذا الاسم، فإن هناك عناصر من جماعة الإخوان المسلمين أصبحت الآن جزءا من الحكومات. لقد تمكّنت من بلوغ هذا الهدف بنبذها للعنف والإرهاب”. ومنذ ذلك الحين، دُفع بتيلرسون إلى خارج الإدارة، صحبة كثيرين غيره ممن حاولوا التخفيف من توق الرئيس للقومية البيضاء.
مرافقو ترامب الطبيعيون
كان تحقيق مولر حافزا لزيادة طموحات ترامب. ومن المرجّح أن أحد أسباب ذلك يتمثل في أن حظر منظمة الإخوان يحظى بدعم إقليمي واسع النطاق. لنضع جانبا للحظة ما اقترفته الميليشيات المسيحية في الحرب الأهلية اللبنانية، أو ما يقوم به ستيف بانون، الذي يسعى إلى تأسيس أكاديمية “اليمين البديل” التي تتبنى الفكر اليميني المتطرف في دير إيطالي.
إن كل حاكم عربي يشعر بالخوف، في حين أن الحاكم في إسرائيل يسخر مما يحدث
في الحقيقة، إذا كنت أميرا سعوديا، وتوظف أشخاصا لقطع أصابع الصحفيين قبل خنقهم، فستكون من الداعمين لقرار ترامب بحظر هذه المنظمة. وإذا كنت ولي عهد إماراتي يعتبر 83 منظمة إسلامية في جميع أنحاء العالم منظمات إرهابية، بما في ذلك “مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية” أو “الرابطة الإسلامية البريطانية”، فإن حظر ترامب المرتقب سيكون بمثابة مكافأة مقابل الوقت والمال الذي أُستثمر في الرئيس الأمريكي.
ترامب يقف لالتقاط صورة مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي (على اليسار)، والملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز آل سعود في 21 مايو 2017.
في حال كنت رئيس وزراء إسرائيلي، وكنتُ عازما على التخلص من حل الدولتين إلى الأبد وحماية نظام الفصل العنصري الذي أنت بصدد إنشائه، فحتما ستحتفلُ بقرار ترامب القاضي بحظر هذه المنظمة. تجدر الإشارة إلى أن أكثر الجماعات فاعلية ضد إسرائيل هي الجماعات الإسلامية. أما إذا كنت جنرالا في الجيش واقترفت جرائم في حق الآلاف من المصريين في ظل دولة ديكتاتورية أكثر دموية من تلك التي اقترنت بعهد حسني مبارك، فستشعر حتما بالارتياح إزاء إعلان ترامب.
إن كل حاكم عربي يشعر بالخوف، في حين أن الحاكم في إسرائيل يسخر مما يحدث. ويسعى جميع الحكّام إلى زيادة استخدام القوة لأسباب سياسية، وهو ما يعتبر أحد التعريفات الأساسية للإرهاب. إن هؤلاء هم مرافقو ترامب الطبيعيين، وهم قادة فتّاكون يدفعون المنطقة إلى حالة من الفوضى تعتبر أسوأ بكثير مما شهدته في السابق. ويخلو هذا الأمر من المبالغة، حيث أن هؤلاء القادة قادرون على تحويل الصراع الفلسطيني حول الأرض والقومية إلى حرب دينية شاملة. وهم قادرون على تدمير الدول العربية الكبيرة، على غرار مصر، كما بإمكانهم تأجيج حرب واضطرابات من شأنها أن تستمر إلى حدود القرن المقبل.
انهيار أخلاقي
من خلال قراره بحظر جماعة الإخوان المسلمين، يبعث ترامب برسالتين إلى العالم، أولاهما إلى قاعدته من القوميين البيض المعادين للإسلام ومفادها “امضوا قدما، وأزيلوا الفوارق. إن الإسلام المتطرف الذي يُعرف باسم الإخوان المسلمون، والذي يحمله أي مسلم، يروّج لحواجز الكراهية. أنت تجعل أمريكا عظيمة بالتقليل من قيمة المسلمين الأمريكيين”. من جهته، نشر مستشار الأمن القومي السابق لترامب، مايكل فلين، تغريدة على حسابه على موقع تويتر قبل أن يحذفه، وجاء فيها “هذه ليس عملا فنيا هاما، فالخوف من المسلمين أمر منطقي”.
ظل القرار بيدك، فإما أن تتعرض للتعذيب على أيدي قوات الأمن في بلادك، أو ترضى بأن تضحيّ بنفسك من أجلي”.
أما رسالة ترامب الثانية فهي مُوجّهة للعرب عموما، ومفادها أن “الديمقراطية لا تنجح. إن عدم استخدام العنف لن يؤدي إلى أي نتيجة مرجوة، والمظاهرات السلمية هي قصص خرافية. بالتالي، لديك خياران، إما العيش في ظلّ حكم القادة الديكتاتوريين الذين سيسعون إلى تفقيرك وإضعاف دولتك أو الانضمام إلى تنظيم الدولة. ويظل القرار بيدك، فإما أن تتعرض للتعذيب على أيدي قوات الأمن في بلادك، أو ترضى بأن تضحيّ بنفسك من أجلي”.
لا يتمحور الكفاح من أجل وقف ما يحدث، في جوهره، حول ما إذا كنت تضع تتبع فكر علماني أو ديني محدّد. ولا يتعلق الأمر بما إذا كنت تعتبر الإسلام السياسي أمرا جيدا أو سيئا، بل بحماية الديمقراطية في الداخل والخارج. وقد حظرت النمسا مؤخرا استخدام رمز الإخوان المسلمين، في حين أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أكد في 25 نيسان/ أبريل أن “الإسلام السياسي يسعى إلى الانفصال عن جمهوريتنا”. ومثلما كان الحال في كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا في ثلاثينيات القرن العشرين، كانت المعركة ضد هذه الأصوات هي معركة لمحاربة التعصب والفاشية في نهاية المطاف.
المصدر: ميدل إيست إي