بعد الانتخابات التركية البلدية مباشرة أطلق الرئيس رجب طيب أردوغان في أحد تصريحاته مصطلحًا حظي بكثير من المناقشات والتحليلات، فقد قال أردوغان “يجب أن يتحرك 82 مليون مواطن معًا، ضمن تحالف تركيا”، وأول من علق على مصطلح “تحالف تركيا” هو حزب الحركة القومية حليف حزب العدالة والتنمية ضمن تحالف الجمهور الذي خاض الانتخابات البلدية في 31 من مارس 2019 والانتخابات العامة في 24 من يونيو/حزيران 2018، وقال رئيس الحركة القومية دولت بهتشلي فور إعلان أردوغان عن تحالف تركيا إن هذا التحالف يثير الكثير من علامات الاستفهام، وسادت شكوك لدى الحركة القومية بأن تحالف تركيا تحالف بديل عن تحالف الشعب وذلك لأن تحالف الشعب لم يستطع الفوز ببلديتي أنقرة وإسطنبول.
وزادت مشاعر القلق لدى حزب الحركة القومية منذ اللحظة الأولى لنتائج الانتخابات بعد خطاب الشرفة الذي ألقاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وجه فيه شكرًا خاصًا لمن سماهم “الأخوة الأكراد” وذلك لمساهمتهم في فوز حزب العدالة والتنمية بثلاث بلديات جديدة في الشرق هي أغري وشرناق وبيتليس.
تفاوتت التحليلات التركية عن المقصود بتحالف تركيا من تبسيط إلى حد القول إنها عادية وتقصد الوحدة بشكل عام بين أفراد الشعب التركي إلى تحليل يقول إن الرئيس التركي يفكر بالتحالف مع حزب الشعب الجمهوري المعارض
كما قال الرئيس أردوغان إن حزبه حصل على 44% في الانتخابات البلدية، فقد قال بهتشلي إن حزبه حصل على 18%، علمًا أن التحالف بين الاثنين حصل على 52% من الأصوات. وبهذه التصريحات نجد أن الحركة القومية، وفق تصريحات الرئيس أردوغان، حصل على 7% إلى 8% فقط.
وتبيّن هذه التصريحات أيضًا أن كل حزب يرى أنه صاحب الدور الأكبر في تحصيل 7% من الأصوات التي حصل عليها التحالف، وبدا واضحًا أن التحالف مع الحركة القومية لم يعد كافيًا لحزب العدالة والتنمية بعد الانتخابات البلدية وأن هناك حاجة ملحّة لتوسيع أفق التحالف من أجل تأمين الفوز في الانتخابات القادمة ومن أجل التحرك المريح دون معارضة في الملفات المهمة على الصعيد الداخلي والخارجي.
وقد تفاوتت التحليلات التركية بتحليل المقصود بـ “تحالف تركيا”، بين تبسيط إلى حد القول إنها تصريحات عادية تقصد الوحدة بشكل عام بين أفراد الشعب التركي، وبين تحليل يقول إن الرئيس التركي يفكر بالتحالف مع حزب الشعب الجمهوري المعارض.
قال البروفسور برهان الدين ضوران رئيس مركز “سيتا” البحثي في مقال له، إن رسائل أردوغان عن “تحالف تركيا” وضرورة التضامن والتكاتف والعمل على تحقيق مصالح تركيا، تنبئ بقدوم لغة جديدة للسياسة التركية، وتدعو إلى ضرورة مواجهة التحديات التي قد تواجهها تركيا خلال السنوات الـ4 المقبلة. ولا شك أن تصريحات أردوغان تحمل رسائل إلى حزبه أيضًا، حيث يحرص على سد الأبواب أمام الفرقة والصراع الداخلي. وبحسب قوله، فإن خلاصة الحديث هي أن السقف الجديد للسياسة التركية يتطلّب التضامن والالتفاف حول المصالح التركية والابتعاد عن الفرقة والصراع والاستقطاب.
وما من شك أن سياسة الرئيس أردوغان لن تكون بعد 31 من مارس كما كانت عليه قبله، فالكثير من المتغيرات دخلت العملية السياسية وهذا يستوجب تغييرًا في التكتيكات والخطاب وربما أكبر من ذلك.
سيحاول حزب العدالة والتنمية إقناع الحركة القومية بتوسيع التحالف وبالتأكيد سيكون هناك بعض ما يقدمه حزب العدالة والتنمية للحركة القومية لإقناعه بذلك
لم يكن التحالف مع الحركة القومية سهلاً، فالتحالف مع الحركة القومية يحتاج التقيّد معه بخطاب الحركة القومية وبعض محدداتها وقد وصل الأمر إلى حد الخلاف وإنهاء التحالف في أكتوبر الماضي، ولكن تم العودة له قبل الانتخابات البلدية لحاجة الحزبين له بشكل أساسي، ولذلك فإن ما ظهر من خلاف مؤقت بين الحزبين هو ربما بسبب القيود التي يفرضها التحالف ورغبة حزب العدالة بتوسيع التحالف.
لكن اللقاء الأخير بين بهتشلي وأردوغان يشير إلى أن حزب العدالة لن يتخلى عن التحالف مع الحركة القومية ولكن لن يكتفي به، كما يشير أن حزب العدالة والتنمية سيحاول إقناع الحركة القومية بتوسيع التحالف، وبالتأكيد سيقدّم حزب العدالة والتنمية “هدايا” للحركة القومية لإقناعها بذلك.
لقد أعطت نتائج انتخابات 31 من مارس رسائل للأحزاب التركية كافة، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، ومن المعروف أن حزب العدالة والتنمية حزب يجيد التعامل مع المتغيرات السياسية ويستفيد من أخطائه، ولذلك ومع المعهود عن المناورات السياسية للرئيس أردوغان فإن التطورات وتصريحاته وما يقال في الكواليس يشير إلى وجود عملية توسيع للتحالف.
ومما يدور حاليًّا في الكواليس فإن رئاسة البرلمان التركي ستؤول إلى حزب الحركة القومية، ومن المتوقع أن يتم تعيين عدد من الوزراء من الأعضاء السابقين في حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد، كما كان هناك تصريحات إيجابية بحق “تحالف تركيا” من أعضاء من الحزب الجيد وحزب الوطن.
ومن الجيد الإشارة إلى أن هذا التوجه المسمى بـ “تحالف تركيا” يشير إلى أن أي عملية إعادة للانتخابات في إسطنبول ستكون كفيلة بإحداث عرقلة لهذا المسار التصالحي على مستوى الوطن، ويمكننا أن نلخص أحد أهداف هذا الحراك وهو إبعاد كتلة وأنصار حزب الشعب الجمهوري عن تأييد حزب الشعوب الديمقراطية الذي يعتبره كل من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية، امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
وعلى كل الأحوال فإن الجميع يترقب التغيير في سياسات حزب العدالة وتحالفاته وخطابه وفي كوادره في إسطنبول وأنقرة وربما في التشكيلة الوزارية، ولكنه سيكون هذا التغيير تدريجيًا ومدروسًا ويهدف لوضع حالة من الاستقرار الداخلي للتفرغ لإصلاح الاقتصاد وتقويته ليكون أكثر قوة وتحملاً.