منذ أكثر من 70 عامًا تقريبًا، اجتمعت 145 دولة في العاصمة السويسرية، جنيف، للتوقيع على اتفاقية اللاجئين التي حددت من هو اللاجئ وما حقوقه وما هي الالتزامات القانونية التي يتعيّن على الدولة المستضيفة الوفاء بها. وبالرغم من محاولتها حماية الهاربين من الحروب والقمع السياسي والاضطهاد إلا أنها لم تعِ أن الصعوبات التي يواجهها العديد من طالبي اللجوء أثناء رحلتهم وبعد وصولهم إلى وجهاتهم المحددة قد تتجاوز التجارب المؤلمة في بلدانهم الأصلية.
يجد اللاجئ نفسه أمام سلسلة جديدة من التحديات والعراقيل التي تقف عثرة في طريق اندماجه وتطوّره في المجتمع الجديد، ومن أجل السيطرة على هذه الفوضى، قرّر المجتمع الرقمي التعامل مع هذه الأزمة من خلال إنشاء مجموعة من التطبيقات الذكية التي من شأنها أن تساعد في تخفيف المصاعب التي تواجهها المجتمعات اللاجئة في البلدان المستضيفة، فكيف استفادت منها؟
“الأزمة الصامتة”.. الدعم النفسي والعقلي أولوية
على مدى السنوات الأخيرة الماضية، واجه العالم أكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية، فوفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، غادر نحو 69 مليون شخص حول العالم منازلهم، ومن بينهم أكثر من 25 مليون لاجئ ممن أجبروا على الهروب من مناطق النزاعات المسلحة والاعتقالات السياسية.
ومع مواجهتنا للعديد من الكوارث الطبيعية والأزمات السياسية في المستقبل من المرجح أن يزيد عدد طالبي اللجوء بشكل ملحوظ، ما يعني أن هناك المزيد من الضغوط على الحكومات المنفتحة بشأن ملف اللاجئين، التي لا يمكنها التعامل مع كل حالة على حدة دون أن تتدخل التكنولوجيا الذكية في هذه القضية.
فبحسب أحد التقارير، هناك نقص كبير في البيانات والأبحاث حول الصحة العقلية للاجئين في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إذ وصفت “هيومن رايتس ووتش” مسألة الصحة العقلية بين طالبي الحماية في اليونان بأنها “أزمة صامتة” تهدّد نظام اللجوء بأكمله. فعلى الرغم من أن قانون اللجوء في الاتحاد الأوروبي يعترف بأهمية توفير الرعاية الصحية العقلية، إلا أن الدول الأعضاء وجدت صعوبة في اكتشاف هذه الحالات ومعالجتها.
تستهدف هذه التطبيقات الأشخاص الذي يعانون من الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة إلا أنه لا يمكن اعتبارها بديلًا عن العلاج النفسي التقليدي الذي يجري عادةً بين المختص والمريض بشكل مباشر، ولا سيما في الحالات المتفاقمة.
ففي العديد من الدراسات، أبلغ طالبو اللجوء عن تعرضهم للعديد من الصدمات خلال تواجدهم في البلد الجديد، ما أثر بشكل عميق على صحتهم النفسية، مسببةً لهم درجات متفاوتة من الاكتئاب والخوف واليأس، ومن أجل التعامل مع هذه المشكلات، ومتابعة وضعهم الصحي وتقديم المشورة الأنسب لحاجتهم، دون أن تكون اللغة أو التكلفة المادية عائقًا أمام رحلة علاجهم، استعان الكثير منهم بالتطبيقات الرقمية.
على سبيل المثال، تطبيق “ALMHAR” المتوفر بـ3 لغات وهي العربية والفارسية والإنجليزية والمتخصص في شرح الأزمات النفسية الأكثر شيوعًا بين اللاجئين، يقدّم نصائح وإرشادات لفهم الأعراض وكيفية التعامل معها، وذلك إلى جانب تطبيق آخر اسمه “SMILERS”، الذي يستهدف الأشخاص المصابين بالاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، وبالرغم من اجتهاد هذه المنصات وغيرها في السيطرة على هذه المشكلة إلا أنها ليست بديلًا للعلاج النفسي التقليدي الذي يجري عادةً بين المختص والمريض بشكل مباشر.
الإدماج الكامل.. العثور على بيئة اجتماعية ومهنية مناسبة
طوّر مجموعة من الباحثين الاقتصاديين في جامعة أكسفورد ولوند بالسويد برنامجًا إلكترونيًا -دعمته منظمة العفو الدولية- من أجل إيجاد منزل ووظيفة للاجئين بما يتطابق مع احتياجاتهم ومهاراتهم، سعيًا لتحسين فرص استقرارهم في المجتمع الجديد في أقصر وقت وبأقل الخسائر والتحديات الممكنة. وقد بيّن أحد الأبحاث المنشورة أن استخدام هذا التطبيق حسّن فرص اللاجئين في العثور على العمل في غضون 3 أشهر فقط بأكثر من 20%، من خلال تقديم توصيات التوظيف وفقًا للمعايير التي يضعونها بأنفسهم.
إحدى العوائل اللاجئة
يؤكد ذلك ما ذكرته مجلة علمية حين أشارت إلى أن التكنولوجيا الذكية تساعد على زيادة فرص العمل بين اللاجئين بنسبة تتراوح من 40% إلى 70%. إذ يرى الخبراء أن مشكلة الإدماج والتوطين من أكثر مشاكل اللاجئين تعقيدًا وصعوبة، فهي عادةً ما تستلزم حل سريع وبالتالي لا تتمكن السلطات والجهات المسؤولة من التفكير بدقة في المكان المناسب لاستقبال العائلات اللاجئة، لكن هذا البرنامج وفر الوقت اللازم وجعل المنظمات تركز على الحالات المأساوية والأكثر تعقيدًا.
تقدم هذه التطبيقات إما فرص توظيف وتدريب في إحدى الشركات المعنية، وإما فرصة لتطوير وتمويل مشاريعهم الخاصة إن وجدت من خلال تعريفهم بالشركاء المحليين.
جدير بالذكر أن هذه المبادرة جاءت بناءً على الأهمية الاقتصادية للاجئين في البلدان المضيفة، فوفقًا لمعهد “ماكينزي”، من المتوقع أن تؤدي عملية دمج اللاجئين في أوروبا إلى مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي تتراوح ما بين 60 إلى 70 مليار يورو سنويًا بحلول عام 2025.
بصفة عامة، تهتم تطبيقات مثل “رفيقي” و”Human in the loop” و”PLACE” بهذه المسألة وغالبًا ما تعتمد في آلية عملها على البيانات الشخصية للاجئين مثل تخصصاتهم الجامعية وخبراتهم المهنية السابقة ومهاراتهم من أجل تقديم إما فرص توظيف وتدريب في إحدى الشركات المعنية، وإما فرصة لتطوير وتمويل مشاريعهم الخاصة إن وجدت من خلال تعريفهم بالشركاء المحليين.
حق التعليم.. من أجل مجتمعات أكثر استقرارًا
إلى جانب التحديات المتعلقة بالصحة والعمل ومكانة الإقامة، يُصدم اللاجئ الجديد بمحدودية وصوله إلى الفرص التعليمية، نظرًا لأن المناهج الدراسية واللغات التعليمية المستخدمة تختلف عما كان عليه الوضع في الوطن الأم. كما أن اضطرار العديد من اللاجئين للعمل، يجعل التعليم غاية صعبة الوصول، مثلما حدث مع 2.5 مليون طفل من اللاجئين السوريين، الذين أرغموا على ترك المدارس مع بداية الثورة السورية، وهم من بين 30 مليون طفل آخرين في العالم ممن دفعتهم الظروف القهرية إلى هجر التعليم، بحسب تقديرات اليونسيف.
في هذا الشأن، وصف المبعوث الخاص للأمم المتحدة للتعليم، جوردون براون، الأطفال السوريين بأنهم “جيل ضائع” إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استمرار تعليمهم. واستجابةً للمناشدات الأخرى، استطاع صناع التكنولوجيا توفير أكثر من 80 ألف تطبيق تعليمي على الهواتف الذكية، يشمل تعليم القراءة والكتابة وحتى مقررات التعليم العالي، وذلك خوفًا من انتشار الأمية بين اللاجئين وانحدار فرصهم الاقتصادية التي بدورها تهدد استقرار المجتمعات.
ومن بين تلك التطبيقات المستخدمة نذكر “Ed-seed” و”Paper Airplane” و”Schoolx” التي تربط غالبيتها اللاجئين بعدد من المعلمين المتطوعين أو السابقين لتبادل المعلومات والخبرات بناءً على اهتمامات التلميذ بطريقة عملية وسهلة وبتكاليف شبه معدومة.