الجيل الخامس: التكنولوجيا التي تأخرت في الظهور

ترجمة وتحرير: نون بوست
في الحقيقة، إن مجال الهواتف الذكية يمرّ بفترة مملة، فضلا عن أن معظم التحسينات التي أدخلت على الكاميرات الضخمة وجودتها خلال السنوات الأولى قد توقفت، فأصبح كل من نظام آي أو إس والأندرويد نظامين متساويين بشكل أساسي. وباتت شبكات الجوال الآن سريعة بما فيه الكفاية لإنجاز أغلب المهام التي نرغب بها معظم الوقت.
تقدم أفضل ثلاث شركات اتصالات، وهي “إيه تي أند تي” و”فيرايزون وايرلس” و”تي موبايل”، مستويات متشابهة جدًا من الخدمة. ووفقًا للاختبار الأكثر صرامة، أثبتت فيرايزون أنها دائمًا المتفوّقة ولو بفارق بسيط. كما أن التطبيقات الأكثر شعبية (يوتيوب وإنستغرام وواتساب وغيرها) موجودة على الساحة منذ عدّة سنوات.
يمثّل الجيل الخامس مستقبل استخدام الهواتف الذكيّة، وجوهر الصراع الهائل بين كبرى شركات تصنيع الهواتف في العالم
من المفترض أن تحدث القفزة التكنولوجية الحقيقية، التي تتمثّل في بروز شبكات الاتصال من الجيل الخامس، خلال السنوات القليلة القادمة. إن “الجيل الخامس” هي التسمية التي أطلقها قطاع الصناعة اللاسلكية على مجموعة الأنظمة الجديدة التي تعِد بجعل إنترنت الهاتف تعمل بطريقة الاتصال عبر الألياف البصرية السلكية. وبدلاً من عرض نطاق ترددي يصل إلى 10 أو 20 ميغابايت في الثانية، قد تمكّنك هذه التكنولوجيا من الحصول على 200 أو حتى 500 ميغابايت في الثانية وهو ما يكفي لبثّ فيديو بدقة عرض 4 كيبي.
بكلّ بساطة، يمثّل الجيل الخامس مستقبل استخدام الهواتف الذكيّة، وجوهر الصراع الهائل بين كبرى شركات تصنيع الهواتف في العالم. إن بنيتها التحتية تمثل نقطة انطلاق جيوسياسية، حيث يتوسل الاستراتيجيون الأمريكيون إلى دول أخرى لعدم استخدام معدات شركة هواوي الصينية. ويمكن أن تمنح هذه التكنولوجيا الجديدة جميع الحكومات (وقراصنة الإنترنت) قدرات جديدة مخيفة؛ فالعالم الأكثر ارتباطًا بالإنترنت هو أيضًا عالم أكثر قابلية للمراقبة والاختراق.
عملت شركات الاتصالات الكبرى على تصميم شبكات لاختبار الجيل الخامس في بعض المدن، بالإضافة إلى عدد قليل من الأجهزة لدعمها. ولكن من المفترض أن توفّر شبكة الجيل الخامس خدمات فعليّة للأشخاص في أواخر هذه السنة على أقرب تقدير، وعلى الأرجح في سنة 2020 أو 2021. وتستخدم هذه التكنولوجيا ترددات جديدة لا يمكن لجهاز الأيفون الخاص بي التقاطها.
خلال الأسبوع الماضي، وعندما كنت أقود سيارتي على الطريق السريع 13 في أوكلاند في كاليفورنيا، لاحظت ظهور شبكة إنترنت جديدة من “إيه تي أند تي” رمزها 5 جي إي (تطور الجيل الخامس)، التي ذكرت الشركة على موقعها على الإنترنت أنها: “خطوتنا الأولى في طريقنا إلى الجيل الخامس”. في المقابل، وصف بعض الكتاب الذين يغطون مجال صناعة الاتصالات أن 5 جي إي “هراء”؛ بينما وصفها آخرون بأنها “مجرد تسويق”.
لا تمثّل شبكة 5 جي إي، الجيل الخامس بالفعل، بل هي عبارة عن إعادة تسمية لشبكة الجيل الرابع آل تي إي الحالية
ترى شركة “إيه تي أند تي” أن الجيل الخامس هو مرحلة انتقاليّة، ومن هنا جاء اسم الشبكة: 5 جي إي. وستتطلب شبكات الجيل الخامس شبكات أساسية من الألياف البصرية، والكثير من الأطياف الجديدة، وشبكات أبراج أكثر كثافة، من بين عديد التحسينات أخرى. ووفقا لنائب رئيس قسم النفاذ المتقارب وتصميم الجهاز في “إيه تي أند تي”، جوردون مانسفيلد، فقد قررت الشركة “تعريف عملائنا على الأجزاء التي أدخلت عليها التحسينات بالفعل”.
لا تمثّل شبكة 5 جي إي، الجيل الخامس بالفعل، بل هي عبارة عن إعادة تسمية لشبكة الجيل الرابع آل تي إي الحالية التي أنشأتها الشركة خلال سعيها لبلوغ الجيل الخامس. وقد مكّنت هذه التحديثات شركة “إيه تي أند تي” من التفوّق على شركة “فيرايزون” التي كانت في الصدارة على مدار نصف العقد الماضي. وعلى الرغم من أن بعض منشآت شبكات الجيل الخامس ستتمركز فوق البنية الحالية لشبكة آل تي إي، التي شهدت تطوّرا ملحوظا، إلا أن الجيل الرابع والجيل الخامس هما شيئان مختلفان.
ليس من المستغرب أن العديد من الشركات الأخرى التي تعمل على شبكات الجيل الخامس غاضبة من “إيه تي أند تي” لأنها لا توافق على ما تفعله هذه الشركة. علاوة على ذلك، عمل ائتلاف تجاري مكوّن من الشركات اللاسلكية بما في ذلك “إيه تي أند تي”، حول العالم، على معايير تقنية الجيل الخامس لعدّة سنوات قبل التوصل إلى مجموعة من اتفاقيات العمل.
لا يجب تسميّة أي تقنيّة بأنها من الجيل الخامس إلا تلك التي تلبي جميع هذه المعايير
حسب هذه الشركات، لا يجب تسميّة أي تقنيّة بأنها من الجيل الخامس إلا تلك التي تلبي جميع هذه المعايير. والأهم من ذلك، أن شبكة الجيل الخامس الحقيقي تتطلب استخدام الأجزاء الجديدة من الطيف التي توفر نطاقًا تردديًا جديدًا هائلًا ولا تسبّب أي تأخير في زمن استجابة الشبكة.
في سنة 2011، أثناء الانتقال الأخير للشبكة، نشبت خلافات مماثلة بين تي-موبايل و”إيه تي أند تي” حول التسمية الجديدة “للجيل الرابع”. لكن المخاطر أكبر بكثير هذه المرة، فقد أُطلقت شبكات الجيل الرابع في أواخر سنة 2010، عندما كان عدد قليل من الناس يمتلكون هواتف ذكية متطورة.
بعد قرابة عقد من الزمن، أصبحت الهواتف الذكية إلى جانب مجموعة الخدمات التي تقدّمها منتشرة في كل مكان. اليوم، وبينما يستخدم الجميع الشبكة، يجب أن تستثمر شركات الاتصالات مليارات الدولارات في بناء شبكة جديدة من المعدات، أي المنشآت الأساسية الموجودة في الأبراج الخلوية، لتدفع الجميع إلى استبدال هواتفهم بهواتف جديدة قادرة على استخدام شبكة الجيل الخامس، على وجه التحديد.
تتطلب سرعة الجيل الخامس الفائقة استخدام إشارات ذات تردّد أعلى وموجات قصيرة الطول
إن توفير هذه الإمكانية الجديدة من شأنه أن يساهم في فتح آفاق واسعة في مجال الإنترنت اللاسلكي. وحسب ماركو توافياينين، وهو أحد الخبراء القدامى في مجال اللاسلكي ورئيس تطوير أعمال الصناعة في شركة “كي سايت تيكنولوجيز”، التي توفر معدات اختبار متنقلة تستخدم على نطاق واسع، فإن “هناك تحديات أكبر أمام مقدمي الخدمات. وأنا لا أشكّك في قدراتهم، لكنهم بحاجة إلى إضافة بعض التغيير. إنهم بحاجة إلى فهم كيفيّة استجابة الإشارات وتحرّكها داخل بيئات مختلفة”.
فضلا عن ذلك، تعدّ هذه المسألة أساسية بالنسبة لفيزياء أجزاء الطيف التي تستخدمها شبكة الجيل الخامس، إذ تتطلب سرعة الجيل الخامس الفائقة استخدام إشارات ذات تردّد أعلى وموجات قصيرة الطول. وكلما كان الطول الموجي أقصر، زاد احتمال توقّف هذه الإشارات بسبب العوائق التي قد تعترضها. وأورد توافياينين أنه “في حال كانت هناك شجرة بين الهوائي والهاتف الذكي، فهذا من شأنه أن يؤثر على نوعيّة الإشارة التي يتلقاها المستخدم على الهاتف الذكي، وهو ما يعني أن القواعد المعتادة لم تعد صالحة حقًا بعد الآن”.
بالنظر إلى هذا النوع من المشكلات، ستحتاج شركات الاتصالات إلى شبكة أكثر كثافة من المحطات الأساسية لتحقيق تغطية جيدة بالفعل. لكن الأمر الأصعب يتمثّل في كيفيّة تحقيق ذلك. وليست المحاكاة بالأمر السهل، لذلك يجب عليهم طرح شبكات صغيرة واختبارها على نطاق واسع. وبناء على ذلك، يرى توافياينين أن الانتقال من شبكة الجيل الرابع إلى شبكة الجيل الخامس هو “تغيير أكبر بكثير من الانتقال من الجيل الثالث إلى الجيل الرابع”.
حتى بعد أن تجهز شبكة الجيل الخامس، فإنه سيظل من غير الواضح كيف سيتعامل المستخدمون مع شبكة بهذه السرعة
لكن حتى بعد أن تجهز شبكة الجيل الخامس، فإنه سيظل من غير الواضح كيف سيتعامل المستخدمون مع شبكة بهذه السرعة. وحيال هذا الشأن، قال توافياينين إن “شبكة الجيل الرابع تقدّم بالفعل تجربة مستخدم مناسبة للغاية للمستهلك اليوم”. وإذا كان بإمكاني بالفعل بثّ مقطع فيديو على شبكة الجيل الرابع بسعة 100 ميغابايت، فهل أهتم إذا كان بإمكاني الآن بثّ مقطع فيديو بدقة عرض 4 كيبي؟ في الواقع، يشبه هذا التغيير إلى حدّ ما دورة تطوّر التلفزيون. فالقفزة من تلفاز قياسي الدقّة إلى دقة عرض 1080 بي يمثّل خطوة ضخمة، لكن الانتقال من دقة عرض 1080 بي إلى 4 كيبي هو مجرّد تغيير جيّد، ولكن ليس بالأمر الجلل.
في المقابل، تضغط جميع شركات الهواتف المحمولة تقريبًا، بقيادة كوالكوم وهواوي، من أجل تسريع نشر التكنولوجيا في موجة منسّقة واحدة، لأن الشركات يجب أن توفّر السرعة الفائقة للجيل الخامس وكفاءتها. وإن نجحوا في إنشاء الشبكة دون جمع عدد كاف من المستخدمين، فلن يتمكنوا من استرداد أموالهم. أما في حال لم ترق الشبكة إلى توقّعات المستهلكين، فقد يسلبهم منافسوهم حصتهم في السوق وقد يعاني مستخدموهم من خدمة رهيبة.
مستقبل كل شركة كبرى متخصصة في صناعة الهواتف وصناع المعدات وشركات الاتصالات … يتوقف على التغييرات التي ستشهدها شبكة الجيل الخامس لاحقا
في الواقع، ترغب هذه الشركات في توسيع قاعدة عملائها من مستخدمي الهواتف الذكية. لذا فإن الشركات التي تقف وراء شبكة الجيل الخامس تقدّم أيضًا العديد من التطبيقات الأخرى التابعة لهذه الشبكات، من قبيل خدمات الطوارئ، والسيارات ذاتيّة القيادة، وكل أداة من أدوات “إنترنت الأشياء”.
إن مستقبل كل شركة كبرى متخصصة في صناعة الهواتف وصناع المعدات وشركات الاتصالات إلى جانب العديد من الشركات الأخرى يتوقف على التغييرات التي ستشهدها شبكة الجيل الخامس لاحقا. فضلا عن ذلك، ستشهد السنة المقبلة طفرة هائلة في مجال التسويق والصحافة فيما يتعلّق بالمعيار الجديد. ولكن في الوقت الحالي، إذا ما لاحظت وجود شبكة 5 جي إي على هاتفك، فلتعلم أنها أقرب إلى أن تكون نذير شؤم من أن تكون تكنولوجيا ناجعة.
المصدر: الأتلانتيك