تطور جديد على فكر فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ضمن سياق لا أمن في المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة بالمجان، وحتى الأموال يجب أن تدخل بالقوة، ففي الوقت الذي رفضت فيه حركة حماس المنحة القطرية كـ”رسالة مزدوجة لنتنياهو وعباس أن سياسة تبادل الأدوار في خنق غزة وابتزازها والمزايدة عليها لن تفلح وأنها قادرة على مفاجأة الجميع”، وفق ما غرد الناطق باسم الحركة سامي أبو زهري حينها، تقصف المقاومة اليوم مستوطنات الغلاف في قطاع غزة بالصواريخ لإجبار الاحتلال الإسرائيلي على إدخال الأموال القطرية وتطبيق تفاهماته بالقوة إذا أراد التهدئة.
هذه المعادلة بحد ذاتها تطور جديد في فكر المقاومة المتجه نحو الواقعية أكثر والصراحة في التعامل مع أزمة التمويل، فقد صرح عضو بالمكتب السياسي لحماس رفض كشف اسمه لنون بوست أن التصعيد مرتبط بالأموال القطرية وتنفيذ التفاهمات الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي، ولن يهدأ الوضع قبل تنفيذ الطلبات.
في حين يبدو أن الجهاد الإسلامي لا يعجبها الوضع التفاوضي مع الاحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بمقايضة الهدوء بالأموال، حيث لا تتفق مع حماس في هذا الشأن رغم أن التصعيد متفق عليه بين الحركتين.
السياقات الجديدة للتصعيد
التصعيد هذه المرة مختلف تمامًا عن سياقاته المؤقتة السابقة، فقد أعلنت الغرفة المشتركة للفصائل ليل السبت أنها أطلقت 50 صاروخًا دفعة واحدة على مدينة عسقلان أدت لمقتل مستوطن وإصابة آخرين، وأشارت الغرفة في تصريح سابق لها أنها ستوسع دائرة القصف لتطال مدنًا محتلة بالتدريج.
ووفقًا لمعاريف فقد تم إيقاف عدد من خطوط المواصلات العامة جنوب الاحتلال الإسرائيلي نتيجة التصعيد، إضافة لفتح الملاجئ كافة في مستوطنات غلاف غزة، ووقف المدارس في مستوطنات الغلاف وكذلك في قطاع غزة.
حتى إن التصعيد من ناحية الاحتلال الإسرائيلي اتخذ منحى مختلفًا عن سابقيه، فقد قصفت طائراته 6 مبانٍ في قطاع غزة حتى وقت كتابة هذه المادة، ما يعني أنه يعتمد سياسة موجعة مؤقتة دون الوصول لحرب طويلة قد ترغمه للتحرك بقواته البرية على الأرض.
الإستراتيجية الواضحة في ظل إغلاق أمريكا ومن خلفها الاحتلال الإسرائيلي غالبية المنافذ المالية لحماس والفصائل الفلسطينية تشمل المال مقابل الأمن ولا شيء بالمجان، فبعد أن أغلقت “إسرائيل” على حماس في غزة كل المنافذ وعدم إيفائها بالالتزامات السابقة بوساطة مصرية، ترى الفصائل أنه لا شيء تخسره بالتصعيد، فإما تنفيذ التفاهمات أو تتحمل “إسرائيل” تكلفة إعادة احتلال غزة عبر بوابة الدماء والصواريخ.
رد فعل الاحتلال الإسرائيلي على التصعيد في سياق المال
اتفقت الصحافة العبرية في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين مهمين أن حماس تطلب ثمنًا أكبر لوقف التصعيد في غزة، فقد صرح وزير الحرب وقائد جيش الاحتلال الإسرائيلي الأسبق الجنرال موشيه يعلون قائلاً: “السياسة الإسرائيلية الحاليّة هي استجابة للابتزاز الذي تنتهجه حماس إزائها منذ أن وافقت “إسرائيل” على إرسال 15 مليون دولار ثم 20 مليون أخرى، وقبل الانتخابات الأخيرة 40 مليون دولار، حينها حصل الهدوء في غزة”.
أما زعيمة حزب ميرتس تمار زندبيرغ قالت: “جولة التصعيد اليوم تؤكد أن لا حل عسكري للوضع في غزة، لأن التفاهمات التي يتم التوصل إليها يتم خرقها بين حين وآخر عبر جولات التصعيد العسكرية، ووقف إطلاق النار يتطلب اتخاذ خطوات حقيقية تشمل تسهيلات إنسانية وإزالة الحصار عن غزة، ثم الدخول في عملية سياسية جدية”.
هذا الاتفاق في التصريحات مهم إسرائيليًا لمعرفة الرؤية الجديدة لفصائل المقاومة وعلى رأسها حماس (إرسال الأموال وفتح الحدود وتوسيع مساحة الصيد مقابل الهدوء، ولا مزيد للمراوغة أو التفاهمات)، فتطبيق التفاهمات السابقة هو مدخل لتفاهمات جديدة، قد ينجح فيها الطرفان للوصول إلى صفقة أسرى، وهو ما تريد مصر إنهاءه، وإن كان المال مؤقتًا فإن الهدوء أيضًا مؤقت، ففي نهاية المطاف الحرب أو التصعيد مجرد مفاوضات بطريقة خشنة لانتزاع حقوق غزة ورفع الحصار عنها.
الوساطة تتحرك من جديد
على وجه السرعة بدأت الوساطة المصرية تتفعل، فخرج وفد حركة حماس بقيادة يحيى السنوار للقاهرة بحضور زياد النخالة على رأس وفد الجهاد الإسلامي، وهذه المرة قد تأخذ المباحثات شكلاً جديدًا ضمن إطار “إما تطبيق التفاهمات وإما استمرار التصعيد نحو الحرب”.
الاستياء العام ليس لدى الفصائل الفلسطينية فقط، بل هناك استياء لدى المصريين من تهرب الاحتلال الإسرائيلي من تطبيق تفاهمات التهدئة السابقة التي أجبرت منظمي الحراك السلمي على الحدود مع غزة على تصعيد البالونات الحارقة، ووفق الصحافة العبرية نقلاً عن مسؤول في المخابرات المصرية فإن “إسرائيل” ترفض مناقشة وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن التصعيد لا بد منه.
ورغم الإنكار الإسرائيلي بعدم وجود اتصالات أو نقاش بشأن وقف التصعيد في غزة قال المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف: “الأمم المتحدة مع مصر وجميع الأطراف تعمل على تهدئة الوضع، وأدعو جميع الأطراف إلى التراجع الفوري والعودة لتفاهمات الأشهر القليلة الماضية، فأولئك الذين يسعون إلى تدميرها سيتحملون مسؤولية الصراع الذي سيكون له عواقب وخيمة على الجميع”.
دخول الأمم المتحدة بقوة هذه المرة كضامن لعودة تفعيل الاتفاق السابق يعني بالضرورة قدرتها من جديد على إدخال الأموال لتخفيف حدة الحالة الاقتصادية والسياسية الصعبة في قطاع غزة، ما يعني شكلاً آخر من المفاوضات، وفي حين اعتبره البعض اتجاهًا نحو صفقة القرن عبر تحويل المبادئ السياسية للمواطن الغزاوي لمبادئ اقتصادية، أي نزع الاقتصادي من السياسي، لكن تهديد الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة بقصف تل أبيب بدفعات صاروخية بشكل مباشر قد يفشل المخطط الإسرائيلي الأمريكي الجديد.
قد تستمر هذه الجولة يومين إضافيين إلا إذا قررت “إسرائيل” الدخول في حرب شاملة ستكون مكلفة من الناحية الاقتصادية والسياسية عليها، كما أنها ستقف عقبة أمام مسار التطبيع الماضي بشكل جيد مع العرب، وسيتعطل مساره مع الدماء الفلسطينية، لذا يُرجح الهدوء بدخول الأموال، حيث تحدثت مصادر إسرائيلية أن تأخير الأموال القطرية لخلل في البنوك القطرية وليس لها علاقة بذلك، وهذا التبرير الإسرائيلي يعني العودة للتفاهمات من جديد.